تحدثنا في العدد الماضي عن واحد من أهم اضطرابات القلق، وهو اضطراب الهلع، والذي يُعاني منه نسبة ليست قليلة من عامة الناس ولكن الكثيرين ممن يصابون بهذا المرض يذهبون عادة أولاً إلى عيادات القلب بسبب آلام في الصدر والخفقان وشدة ضربات القلب وتزايد سرعتها، وقال الدكتور أحمد عكاشة في كتابه الطب النفسي المعاصر بأن أحد مرضاه زار عددا كبيرا من أطباء القلب وقام بإجراء أكثر من 200 تخطيط للقلب خلاف فحوصات القلب الاخرى مثل الاشعة الصوتية وبعضهم قام بإجراء قسطرة للقلب، برغم عدم وجود أي دليل على أنه مصاب بمرض في القلب. وقسم كبير يذهب لعيادات الجهاز الهضمي نظراً لأنهم يعانون من آلام في البطن وغثيان ولعيان وشعور بعدم الارتياح بعد الأكل وأعراض اخرى في الجهاز الهضمي وهؤلاء يتم إجراء تحاليل مختبرية وبعض الفحوصات المتقدمة مثل منظار للمعدة والقولون نظراً لأن بعضهم يعاني من مشاكل في الإخراج. آخرون يذهبون إلى أطباء الجهاز التنفسي، حيث أنهم يعانون من آلام في الصدر وصعوبة في التنفس وضيق شديد في التنفس عند الإصابة بنوبة الهلع. آخرون يذهبون إلى أطباء الجهاز العصبي نظراً لأن بعضهم يشعر بتنمل في الأطراف أو الصداع النصفي أو الكلي وبعض أعراض اضطرابات الأعصاب الآخرى. إن مرضى الهلع يعانون من الكثير من المشاكل النفسية والعضوية وهذا ما يجعلهم يلجأون كثيراً للأطباء الخطأ. المشكلة أن تدريب الأطباء في الوطن العربي في كليات الطب ليس جيداً بالنسبة لتدريب الطلبة في مادة الطب النفسي. فمادة الطب النفسي تعتبر مادة ثانوية ولا يعيرها الطلبة اهتماماً كثيراً، لذلك فعندما يأتي شخص يعاني من اضطراب الهلع أو نوبات هلع فإنهم لا يدركون ذلك من البداية، وإذا كان المريض يذهب إلى العيادات والمستشفيات الخاصة، فإنه زبون جيد، حيث تجرى له الفحوصات غالية الثمن ويستمرون في تحويله من قسم إلى قسم آخر، برغم أنه لا يبدو عليه أنه يعاني من علة جسدية ولكن دخول التجارة في الطب يجعل الأطباء في القطاع الخاص يفعلون المستحيل ليكسبوا مالاً من المرضى حتى ولو كانوا على علم بأنه ليس مريضاً عضوياً. مشكلة التجارة في الطب هي مشكلة عالمية ولا تقتصر على البلاد العربية أو دول العالم الثالث ولكنها تحدث في معظم دول العالم المتقدم، ولكن الفرق بأن هناك نظاما صارما ولجانا علمية، طبية يخشاها كثير من الأطباء، لذلك يقوم الأطباء هناك بأول ضمان وهو حماية أنفسهم من أن يدخلوا في قضايا قانونية، خاصة إذا كانوا يعرفون بأن هناك طرقاً يستطيعون الالتفاف منها على القوانين الصارمة. ليس للنوبة وقت غير مقتنعين مرضى اضطراب الهلع، يصلون أخيراً إلى الطبيب النفسي وهم غير مقتنعين بأنهم يعانون من اضطراب نفسي، ويأتون من قبيل؛ انه لا ضرر من المرور على الطبيب النفسي وإن كان بعضهم يرفض الذهاب إلى الطبيب النفسي خوفاً من الوصمة بأنه مريض نفسي أو يتردد على عيادة نفسية. عندما يأتي المريض إلى العيادة النفسية، وعادة يحضر معه أدوية كثيرة من مختلف التخصصات، أطباء القلب، أطباء الجهاز الهضمي، أطباء الجهاز التنفسي، اطباء الجهاز العصبي، أطباء الجهاز التناسلي.... الخ. يعرض عليك التقارير الطبية من مستشفيات مختلفة وأطباء مشهورين في تخصصات مختلفة وإذا كانت امرأة فيزيد على جميع ما ذكرنا تقارير وتحاليل وفحوصات من أطباء نساء وولادة..! عندما تسأل المريض هل يعتقد بأنه مريض عضوي، أكثرهم يجيب بأن الأعراض التي يعاني منها أعراض عضوية ولكن لا يعرف ما السبب في أن يحوله الأطباء لطبيب نفسي برغم أنه لا يعاني من أي مرض نفسي. المشكلة الاخرى، هي أن الثقافة في الأمراض النفسية تكاد تكون معدومة لدى عامة الناس، بل وفي كثير من الأحيان تكون صورة الطبيب النفسي، صورة مشوهة كما تعرض في المسلسلات والأفلام العربية، حيث يلعب الإعلام دوراً رئيساً وبارزاً في تشويه صورة المرض النفسي والطبيب النفسي، وجعله يظهر في المسلسلات والأفلام كمهرج وليس شخصاً محترماً كبقية الأطباء في التخصصات الاخرى، وبذلك لا يحظى الطبيب النفسي باحترام يستحقه مثل بقية الأطباء، وحتى أقسام ومستشفيات الطب النفسي دائماً تأتي في ذيل اهتمامات المسؤولين عن القطاع الصحي. يترددون على الأطباء دون جدوى عندما تبدأ بشرح الحالة التي يعاني منها الشخص الذي أمامك، وتحاول شرح ماذا يعني اضطراب الهلع، فإنه يبدو متشككاً وينظر إليك بريبة، وهذا يتطلب من الطبيب النفسي الصبر والتروي لكي يفهم الشخص الذي أمامه ماذا يعني بكلمة اضطراب الهلع، وعندما تشرح له أعراض نوبة الهلع وكيفية حدوثها، فعندئذ يبدأ المريض بالارتياح إلى حد ما، ويشعر بأنك ذكرت له ما يعاني منه بالضبط، وان ما يُعاني منه ليس مرضاً جسدياً بقدر ما هو اضطراب نفسي من الاضطرابات النفسية المعروفة تحت قائمة اضطرابات القلق. عندما تتأكد من التشخيص، يسألك المريض: هل هناك علاج ناجع لهذا الاضطراب الذي كدر عليه حياته؟ الإجابة لابد أن تكون دبلوماسية، فاضطراب الهلع ليس من الاضطرابات التي يمكن علاجها بسهولة، خاصة أن نوبات الهلع تأتي في أوقات غير محددة وليس لها أي بوادر تشير إلى أن الشخص الذي يعاني من اضطراب الهلع، سوف تفاجئه نوبة وهو في عمله أو في اجتماع عمل أو وهو يقود سيارته أو وهو مسافر في الطائرة أو القطار أو أي مكان قد لا يخطر على بالك أن يحصل للمريض نوبة هلع. كيف يتعامل الشخص مع نوبات الهلع وكيفية علاجها؟ كما ذكرنا في السابق، بأن اضطراب الهلع ليس من الاضطرابات السهل علاجها ولا من الاضطرابات التي يمكن للشخص أن يتوقع متى سوف تهاجمه.. ويسأل الطبيب عن كيفية شفائه التام من هذه النوبات المؤلمة والمؤثرة سلباً في حياته. نوبة الهلع بالتأكيد لا يستطيع أي طبيب نفسي مهما كانت خبرته ومؤهلاته أن يجزم بأنه سوف يقطع دابر نوبات الهلع، إلا إذا كان طبيباً (فهلوياً)، ممن يفعلون غسيل الدم من المخدرات.. أي الأطباء الذين هم بحاجة لمن يعالجهم من المشاكل النفسية التي يُعانون منها..! علاج اضطراب الهلع، ليس بالأمر السهل ولن يستطيع أحد الجزم بأن هذا الاضطراب سوف يختفي إلى الأبد، لكن هناك طرق علمية يتم اتباعها حسب ما هو معمول به في اللجان العلمية المحترمة والتي تتبع طرقا علمية لعلاج مثل هذه الاضطرابات. ربما يكون العلاج الدوائي مفيدا في علاج اضطراب الهلع، وهناك أدوية تساعد كثيراً في علاج اضطرابات الهلع، وتخفف تكرارها بشكل كبير، ولكن ليس هناك ضمان لأن تنتهي نوبات الهلع أو يشفى الشخص من اضطراب الهلع شفاء تاماً، ولكن هناك أدوية يجب استخدامها بصفة مستمرة وهناك أدوية يتناولها المريض عندما يشعر بأن نوبة الهلع قد بدأت وبذلك قد يستطيع إجهاضها ولا تكمل دورتها المزعجة والمؤلمة والمؤثرة سلبياً على حياة الشخص. الادوية التي يستخدمها المريض بصفة مستمرة يومياً: غالباً ما تكون هذه الأدوية من الأدوية المضادة للاكتئاب. أعراضها مفزعة هناك أدوية مجازة من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية كعلاج لاضطراب الهلع. وهذه الأدوية يكون استخدامها يومياً لفترة قد تمتد إلى أشهر أو أكثر حسب الاستجابة لهذا العلاج. الأدوية الاخرى التي تستخدم لعلاج اضطراب الهلع هو دواء مهدئ يستخدم عندما يشعر الشخص ببدء أعراض النوبة وبالتالي ربما يجهض النوبة وتخف حدتها إلى حد كبير.