أصبح معلومًا الثمن الذي دفعته قطر للمصالحة مع مصر بضغوط سعودية، وكان أبرزه إجبار الدوحة على غلق قناة فضائية كاملة (الجزيرة مباشر مصر)، فما هو المقابل الذي حصلت عليه قطر من مصر السيسي؟ وهل يكون الثمن -المجهول حتى الآن- كبيرًا ومفاجئًا، بنفس حجم التنازلات القطرية المفاجئة التي استبعدها العاملون في قناة الجزيرة مباشر مصر قبل أن يفاجؤوا بالقرار؟ هل وعد السيسي بتنازلات؟ -------------------------------- الملاحظة الأولى التي لم يركز عليها منتقدو قرار قطر، هي أن قرار إغلاق "الجزيرة مباشر مصر"، ألمح ضمنًا في طياته لاحتمالات إعادة فتح مكتب القناة المغلق بالقاهرة؛ إذ قال البيان: "سوف تحل الجزيرة مباشر العامة في بثها على ترددي الجزيرة مباشر والجزيرة مباشر مصر التي ستتوقف عن البث مؤقتًا لحين تهيئة الظروف المناسبة للبث مجددًا من القاهرة، وذلك بعد استكمال التصاريح اللازمة لعودتها إلى مصر، بالتنسيق مع السلطات المصرية". وهو ما اعتبره إعلاميون داخل القناة، مقدمة لاحتمال عودة فتح مكتب القناة بالقاهرة الذي أغلق في اليوم الثاني من الانقلاب (4 يوليو 2013)، مشيرين إلى أن "شرط القاهرة في التغطية المحايدة للقناة لشؤون مصر متوفر حتى وهي في الدوحة عبر استقدام مؤيدين لنظام السيسي للمشاركة في البرامج وحتى الهجوم على القناة، وهو ما لا يتوافر بالمقابل في تليفزيونات مصر التي تستضيف ضيوفًا من مؤيدي السيسي فقط، وتمنع المعارضين سواء بقرار معلن من رئيس التلفزيون المصري، أو بقرارات من رجال الأعمال ملاك القنوات الخاصة المؤيدين للسيسي". وفي يوم 4 يوليو 2013، قطعت السلطات المصرية البث عن عدة قنوات فضائية، على رأسها قناة الجزيرة مباشر مصر و"مصر25″ الناطقة بلسان جماعة الإخوان المسلمين وداهمت أجهزة الأمن عددًا من مكاتب القنوات التابعة لشبكة الجزيرة (الجزيرة الإخبارية، والجزيرة الإنجليزية، والجزيرة مباشر مصر) واعتقلت عددًا من العاملين بها. وتم قطع البث مباشرة عقب البيان الذي ألقاه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وأعلن فيه خارطة طريق تتضمن تعطيل الدستور وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بإدارة البلاد. كما قطع البث عن قنوات دينية أخرى، هي (الناس، والرحمة، والحافظ، والشباب)، وهي قنوات تصنف بأنها مؤيدة للرئيس السابق محمد مرسي. وكانت تلك القنوات تستضيف في بث مباشر لوقائع الأحداث في مصر ممثلين لكل الأطراف المعنية بالأزمة الدائرة في البلاد، حيث كان مكتب الجزيرة الإخبارية، وقت قطع البث، يستضيف في بث مباشر عددًا من السياسيين، وأجبرت قوات الأمن العاملين والضيوف في الجزيرة مباشر مصر على التوقف عن الكلام، ووثقت الجزيرة بالصوت أمر قوات الأمن بإيقاف البث. بنود التنازلات كما رواها قطريون ------------------------------------- وقد نشر ناشط قطري شهير يطلق على نفسه لقب "تميم كل الأحرار تحبك" على تويتر: "الذين صدموا في المصالحة هؤلاء خارج نطاق السياسة، مجرد ناس جالسة خلف توتير أو قلم وكل واحد بحسب مصالحه الشخصية وموقفه مما يجري فقط، ولكن السياسة أكبر من كل هذا وذاك، مدام هناك مصلحة للشعب المصري لمَ لا؟ وانتبه المصلحة مع مصر وليست مع السيسي". وأضاف: "كل الأمور تجري بما تشتهيه السفن القطرية والأيام ستثبت لكم ذلك، وأهم حاجة إقالة التهامي ليلة البارحة وضبط فساد الإعلام"، وتابع: "اتفقنا على وقف تدخل السيسي في ليبيا وعدم مطاردة الإخوان في قطر والإفراج عن مراسلين الجزيرة والرئيس مرسي ومن معه قريبًا جدًا "بحسب وصفه. وأردف: "السيسي بادر لفتح المعبر أمام العالقين والمرضى منذ أمس وتم طرد خالد الهيل -زعيم المعارضة القطرية- وسحب الجواز المصري الذي منح منهم وتم الاهتمام بكل سجناء الرأي وتقديمهم للمحاكمة، ووقف طلبات الإنتربول التي تلاحق الإخوان في قطر كما تم تحجيم دور الإمارات في مصر"، بحسب التغريدات. وقال نشطاء على مواقع التواصل ومواقع أخرى منها "إسلام بوست" إن: "إغلاق قناة #الجزيرة_مباشر_مصر حدث هام لا يجب أن يؤخذ بالشكل الساذج الذي اعتاد البعض أن يتعامل به ضد كل من يغير موقفه من الانقلاب العسكري"، مشيرين لأن: "إغلاق القناة له ثمن إما مادي أو سياسي ومصر ليس لديها أموال لتدفع فما هو الثمن؟". وقالوا إن: "الثمن هو نفوذ قطري لدى النظام المصري ونفوذ سياسي يتمثل في الشأن الفلسطيني وخصوصًا غزة ومعبر #رفح، وأتوقع -إن أحسنت الظن- أن #قطر لن تبيع القناة دون ثمن آخر فيما يخص الإخوان ومعتقليهم في سجون السيسي وأن صفقة مصالحة وطنية مصرية في الطريق بوساطة قطرية". وقالوا: "اتهام قطر أنها باعت القضية أمر غير منطقي؛ لأن الذي سيشتري لا يملك الثمن ولو قلنا جدلًا السعودية دفعت فإن قطر لا تحتاج هذا الثمن المادي بل لديها أجندة أخرى أعتقد أن لدى الإخوان علمًا مسبقًا بها وسيظهر هذا في تصريحات قيادات الإخوان الرسمية بشكر دولة قطر وتبرير موقفها، وإذا هاجموها فسوف أعتبر هذا التوقع فيما يخص علم الإخوان بالأجندة خطأ". وأضاف ناشط: "أميل بقوة إلى أن هناك انفراجة في ملف المعتقلين على المستوى العام وبشكل خاص القيادات الإخوانية وليس الصحفيين فقط". دلائل تنازلات مصرية ------------------------ وتشير الدلائل لصحة عدد من هذه التوقعات، وليس بالضرورة كلها؛ إذ أكد أكثر من مصدر سياسي مصري أن "إقالة السيسي لأستاذه السابق في المخابرات الحربية "التهامي"، هو التضحية به ك"كبش فداء للمصالحة مع قطر". فصحيفة "الشروق" الخاصة المقربة من السيسي، والتي عهد إليها برعاية الحوار بين الأحزاب المصرية بدلًا من مقر الرئاسة، ألمحت لهذا السيناريو ضمن أسباب أخرى، قائلة الثلاثاء 23 ديسمبر نقلًا عن "مصادر خاصة": "وفى إطار الحديث عن مقتضيات الواقع جاء أيضًا عزل التهامي، بحسب مصادر الشروق، بقبول الرئيس بتحقيق نقلة نوعية في العلاقات بين القاهرةوالدوحة، كون ذلك من مقتضيات ترتيبات إقليمية أوسع ترتكز للهاجس الرئيس للمملكة العربية السعودية المتعلق بداعش والهاجس المصري المتعلق بالأوضاع في ليبيا". وصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، قالت في تقرير نشرته الأحد، تعليقًا على قرار إحالة اللواء محمد فريد التهامي مدير المخابرات العامة إلى المعاش، وتعيين اللواء خالد فوزي بدلًا منه: "بعد أن بدأت مصر وقطر في إصلاح ذات البين في عداوتهما حول الإخوان المسلمين، أقيل مدير المخابرات العامة المتشدد المعروف بقمعه ضد حماس والإسلاميين، ومن المحتمل أن يكون موقفه المتشدد قد جعله "الضحية الأولى" لتجدد العلاقات بين القاهرةوالدوحة". وأضافت أن: "الجنرال التهامي، الذي بلغ منتصف العقد السابع من عمره، ينظر إليه على أنه متشدد في إطار القمع الحكومي ضد الإسلاميين والمعارضين العلمانيين، وأن ورود تقارير إقصاء التهامي أعقبت بداية إصلاح العلاقات بين مصر وقطر، التي تدعم الإسلاميين مثل الإخوان وحماس". كما ألمحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية لنفس السبب في تقرير كتبه الكاتب ديفيد كيرك باتريك الأحد 21 ديسمبر بعنوان: "Egypt's President Replaces Influential Intelligence Chief"، http://www.nytimes.com/2014/12/22/wo...hief.html?_r=0 مشيرًا إلى أن هذا التغيير "مهم"؛ لأن رئيس المخابرات من بين الشخصيات الأكثر نفوذًا في مصر منذ تأسيس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لجهاز المخابرات قبل ستة عقود حيث تحول التجسس الداخلي إلى أداة حيوية للسلطة السياسية، وأن التقارب مع قطر وفشل الاستخبارات "المحرج" عقب تسريب تسجيلات لمحادثات خاصة تمت في وزارة الدفاع خاصة بقضية الرئيس مرسي ضمن هذه الأسباب. أيضًا، لوحظ أن القاهرة التي أعلنت عن فتح معبر رفح يومين فقط الأحد والاثنين لعبور قرابة 34 ألف محتجز فلسطيني على جانبي الحدود، ولم يمر منهم سوى ألف حتى الاثنين، أعلنت الثلاثاء استمرار فتح المعبر لليوم الثالث دون تحديد لمدة فتحه وموعد غلقه، وهو أحد ما ذكره المغرد القطري الذي تعمد نشر صور بائسة للعالقين الفلسطينيين على جانبي الحدود قرب معبر رفح. وفي هذا الصدد، رحّب أستاذ العلوم السياسية في الجامعات القطرية الدكتور محمد المسفر بالتقارب بين بلاده ومصر، واعتبره خطوة في الطريق الصحيح، وأعرب عن أمله في أن تسهم بمنع محاولات التقسيم والتفتيت، التي قال إنها "تستهدف العديد من الدول العربية. وأعرب المسفر في تصريحات لوكالة "قدس برس" اللندنية عن أمله في ألا يؤثر التقارب القطري-المصري على حرية الإعلام والتعبير، ونفى المسفر أي تداعيات سلبية للتقارب القطري-المصري على موقف الدوحة من القضية الفلسطينية، مشددًا على أن ذلك "موقف مبدئي وسيادي وستظل العلاقات القطرية-الفلسطينية على طبيعتها، وستظل الدوحة تدعم رفع الحصار عن قطاع غزة وتدعم إعادة الأعمار، وإذا أرادت مصر أن تكون وفية فعليها أن ترفع الحصار عن غزة بعد مسلسل المصالحات في المنطقة ليستوي الأمر، فالذي يعكر الجو هو الموقف من القضية الجوهرية، وهي القضية الفلسطينية". تمهيد لمصالحة مصرية --------------------------- وبعد مصافحة الأيادي وتقبيل الجباه في مؤتمر مجلس التعاون الخليجي في قطر هذا الشهر، سلطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الضوء على توحد الدول الخليجية ضد ما سمتهم «أعدائهم التوأم»، إيران وتنظيم «داعش»، وانعكاس ذلك في القاهرة، ورأت في تقرير الأسبوع الماضي، لمراسلها ديفيد كيركباتريك، أن الانقسام لا يزال أكثر وضوحًا في القاهرة، ناقلة عن أحد المسؤولين المصريين رفيعي المستوى قوله: "لم يتغير شيء، أي شيء". وتابعت الصحيفة: "في الأسابيع التي سبقت القمة الإقليمية التي عقدت هذا الشهر في قطر، ذكرت عدة وكالات أنباء خليجية أن قطر قد اتفقت على تنفيذ مطلبي نفي الإخوان من البلاد وكبح قناة الجزيرة، كما أعرب البيان الختامي الصادر عن الاجتماع عن الدعم الكامل لمصر وخارطة الطريق التي طرحها السيسي للانتقال السياسي"، ولكنها نقلت عن مسؤول قطري كبير، اشترط عدم الكشف عن اسمه، أن البيان المشترك الخاص بدعم خارطة الطريق التي اقترحها السيسي بعد "30 يونيو" هو "مجرد بيان صحفي يحمل تأثيرًا بسيطًا"، وهو ما يدعم ضمنًا ما قيل من تكهنات حول تنازلات مصرية فيما يخص عدم مطالبة قطر بإبعاد مزيد من قادة الإخوان وإلغاء مذكرات الإنتربول بشأن اعتقالهم وتسليمهم لمصر. وعلى الرغم من أن قطر طالبت بعض أعضاء جماعة الإخوان بمغادرة الدوحة بسبب أنشطتهم السياسية، وفقًا لقادة الإخوان والمسؤولين القطريين، فإن المسؤول القطري قال ل"نيويورك تايمز" إن "قطر لم تطلب منهم مغادرة البلاد بأي شكل من الأشكال، ولم نزعجهم بأي شكل من الأشكال أيضًا". وقد ذكرت صحيفتا "الشروق" و"نيويورك تايمز" أن القرار "المفاجئ للجميع" بالإعفاء الذي صدر بحق التهامي قد لا يكون وحده نابعًا من "ثورة الرئيس على نظامه" التي أشار لها الكاتب الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل أيام كنصيحة للسيسي الذي يلتقي به دومًا، وإنما أيضًا الرغبة في المصالحة عمومًا في مصر التي يرفضها رئيس المخابرات المقال من منصبه فريد التهامي. وقالت "الشروق" نقلًا عن مصادرها الرسمية: "الحقيقة أن الرئيس يروق له كثيرًا ما تحدث به هيكل، وكانت له تعليقات صحفية في هذا الصدد حول أن الرئيس يحكم بمؤسسات الدولة، ولكن تطورات غير متوقعة وتفاصيل دقيقة استدعت اتخاذ القرار وتنفيذه بصورة فورية". ونقلت ضمنًا عن بعض معاوني "التهامي" داخل جهاز المخابرات العامة أن: "ذهاب التهامي لم يرتبط فقط ببعض الأصوات التي تعالت في أروقة الرئيس عن اعتبار رئيس المخابرات العامة أحد أسباب الأزمة السياسية المستحكمة التي يواجهها الرئيس في الداخل مع قطاعات الشباب والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على أساس أن "التهامي يمثل معسكر الصقور" الذي يرى أن التساهل في مواجهة انفلات مجموعات الشباب والحقوقيين هو الخطأ الذي ارتكبه مبارك والذي تسبب في ثورة يناير، والتي كان التهامي يصفها -بحسب معاونيه- ب"كارثة يناير". وأضافت الشروق نقلًا عن "أحد العاملين في مؤسسات الدولة الرئيسة" أن: "الكثيرين ممن يحيطون بالرئيس بل والرئيس نفسه مقتنعون بأن مصر لن تحتمل خلال العامين المقبلين على وجه التحديد المظاهرات والإضرابات من ناحية وتهييج الرأي العام بإثارة قضايا الحريات من ناحية أخرى". ونقل تقرير سابق لصحيفة "نيويورك تايمز" في أكتوبر العام الماضي، عن دبلوماسيين غربيين ومصريين مقربين من الحكومة المصرية قولهم: "إن التهامى برز كأحد أكبر المحرضين على الحملة القاتلة على الإسلاميين الرافضين للانقلاب وأنصار الرئيس، في محاولة لسحق جماعة الإخوان". وأشار مراسل "نيويورك تايمز" ديفيد كيركباتريك في تقرير نشره 30 أكتوبر 2013 تحت عنوان: (Ousted General in Egypt Is Back, as Islamists' Foe ) إلى أن "أحد أقوى الجنرالات المصريين في عهد السيسي مدير المخابرات العامة، محمد التهامي"، هو "أكثر المدافعين عن الحملة القمعية القاتلة الحالية". ونقل مراسل نيويورك تايمز عن مسؤولين غربيين اجتمعوا مع الجنرال التهامى وغيره من كبار مسؤولي الحكومة التي يقودها الجيش، قولهم: "إنه كان الأكثر تشددًا، وعدو الإصلاح الأول"، وأضاف الدبلوماسي الغربي: "تحدث كما لو أن ثورة 2011 لم تحدث أبدًا". وصاحب فكرة اتهام محمد مرسي بالتخابر مع حماس، وفكرة حل جماعة الإخوان المسلمين، كان الجنرال محمد فريد التهامي، حسب ما صرح به الدبلوماسي الغربي، الذي رفض ذكر اسمه بسبب نقله لمعلومات وتصريحات دارت في لقاءات خاصة وسرية، كما صرح أيضًا أنه، ومن خلال لقاءاته مع التهامي، شعر بأن "التهامي كان يتكلم بكل قوة وصلابة وبكل ثقة في قدراته، وكأنه لم يعزل من منصبه سابقًا، وكأن تحقيقات لم تجر في حقه، بل وكأن ثورة 25 يناير لم تقم بتاتًا".