يعتبر زواج القاصرات واحداً من أهم الملفات الاجتماعية التي تثير الجدل، وتعود هذه الظاهرة لأسباب مادية؛ فحاجة الأب للمال وطمعه أحياناً يدفعانه لبيع ابنته، إضافة إلى بعض المشكلات العائلية مثل الطلاق، وأيضاً بسبب بعض العادات والتقاليد؛ فيما تنتشر حالات زواج القاصرات من 9- 13 عاماً بين فئات المجتمع الأقل تعليماً، ومن يعيشون في القرى النائية والبادية. وتعد هذه القضية محل نقاش كبير، بين الشرعيين من جهة، وناشطي حقوق الإنسان من جهة أخرى؛ مع عدم وجود رأي صريح تجاه تحديد سن معين لزواج الفتيات. طرحت "سبق" القضية، وتناولت المشكلة من جميع جوانبها النفسية والحقوقية والشرعية. قوانين مرتقبة ---------------- لا يزال قانون الأحوال الشخصية السعودي الجديد -المعروض على مجلس الشورى السعودي- محل انتظار لإصداره والموافقة عليه؛ حيث يمنع تزويج الفتاة القاصر إلا بأمر قضائي، كما يحدد القانون سن البلوغ لدى الجنسين ب 18 عاماً. كما حددت وزارة العدل السعودية توصياتها بشأن إقرار الآلية المناسبة لمعالجة زواج النساء، بقصر زيجات مَن هُن دون السادسة عشرة على المحاكم المختصة، ومنع المأذونين كافة من تولي ذلك إلا بموافقة خطية من قِبَل المحكمة المختصة. وتَضَمّن المشروع، الإذن بزواج مَن هي دون السادسة عشرة، بعد استكمال ثلاثة ضوابط نص عليها المشروع؛ بداية بتقدم ولي البنت لقاضي المحكمة بطلب استثناء ابنته من السن المعتبر بالمشروع، وإحضار ولي الفتاة تقريراً طبياً من لجنة مختصة تتكون من اختصاصية نساء وولادة، واختصاصية نفسية، واختصاصية اجتماعية، لاستصدار تقرير يُثبت اكتمال الصغيرة من الناحية الجسمية والعقلية، وأن زواجها لا يشكل خطراً عليها. واشتملت ضوابط المشروع على أن يثبت لدى قاضي المحكمة موافقة البنت ووالدتها على هذا الزواج؛ لا سيما إذا كانت الأم مطلقة، كما تَضَمّن المشروع التأكيد على ولي الفتاة بعدم إتمام زواجها بعد عقد قرانها مباشرة؛ وإنما تعطى الفرصة الكافية لتهيئتها من الناحية النفسية، وتدريبها لمتطلبات الحياة الأسرية، واشتملت كذلك على أن يتضمن المشروع وضع خطة إعلامية لتوعية المجتمع؛ للرفع من مستوى الوعي لدى أولياء الأمور. ضغوط أسرية ---------------- أخصائية العلاج والإرشاد النفسي "هيا السويلم" تحدثت ل"سبق" حول أسباب رضوخ بعض الفتيات القاصرات للقبول بهذا الزواج، وقالت: "نلاحظ انتشار زواج القاصرات قبل تهيئتهن نفسياً لحياة تراها القاصرة تكمل ما ينقصها من حاجاتها النفسية، ويرجع ذلك لعدم إشباع الحاجات النفسية لديها؛ فهي تريد الشعور بالأمان والاحتواء والاهتمام، تريد زوجاً بنفسية أب يرعاها؛ لتتفاجئ بعد الزواج بحياة مختلفة تماماً عن توقعاتها". وتابعت: "البعض يردن الزواج لكي يتخلصن من ضغوط أسرية قاهرة، تعيق استمتاعها بحياتها، وبعد الزواج تجد حياة مختلفة أيضاً، ولتحقق ذاتها مادياً وإشباع رغباتها؛ فهي بنفسية الأنثى المدللة، وبعد الزواج تصطدم بحياة أخرى عكس رغباتها". وذكرت "السويلم" أيضاً أن من الأسباب "سوء التربية من قِبَل الأهل، والشدة والصرامة والقمع؛ كلها تجعل الفتاة في حالة من التخطيط للهروب مع هذا الزوج الذي تعتقد أنه سيحيي رغباتها ويشبع شهواتها وحاجاتها النفسية؛ لكن بعد الزواج حتماً ستكون في حالة صدمة وكآبة وخوف من عدم الانسجام الفكري والنفسي والعاطفي والاجتماعي والأسري". تفعيل اتفاقية حقوق الطفل -------------------------------- من جهة أخرى، قال رئيس الجمعية السعودية لرعاية الطفولة معتوق الشريف ل"سبق": "إن زواج القاصرات منتشر أكثر في الأرياف والقرى، وهذا يعود إلى عدم وجود تعليم مبكر، وعدم وجود الثقافة، وعدد من العادات القبلية لتلك المنطقة التي تربط القاصرات بكبار السن؛ نتيجة لارتباط الكلمة من الآباء وقلة الوعي". وأضاف: "من خلال متابعتي للوضع، أصبح هناك وعي كبير، ويتم التبليغ عن حالات إن وجدت، كما أن الجهات الحقوقية تَدَخّلت أكثر من مرة وحالة، وأوقفت تلك الزيجات، ونبّهت من خطورة هذه الحالة، وفي هيئة حقوق الإنسان تحديداً هناك دراسة طبية تُبَيّن خطورة تلك الزيجات على صحة الفتاة طبياً، وأيضاً على حمل القاصر إذا حدث حمل". وتابع "الشريف": "زواج القاصر يجب القضاء عليه، وصدور قرار بتحديد سن معين للأطفال لا يزال إشكالية، وهذه إشكالية بين مؤسسات تشريعية ودينية وعدلية؛ برغم أن هناك تحديداً عالمياً، والمملكة موقعة عليه؛ بأن سن الطفولة سن 18؛ ولكن هنا لم يتم تفعيلها وهناك ظروف مناخية وجغرافية تجعل من الضروري أن يكون هناك تحديد للسن؛ حيث تختلف مرحلة بلوغ الأطفال من منطقة لمنطقة؛ خصوصاً في الساحلية عنها في الجبيلة". وأكد "أنه لا بد من تفعيل اتفاقية حقوق الطفل وإدرجها ضمن الأنظمة العدلية؛ لأن كل دولة توقع هذه الاتفاقية ملزمة بتنفيذها على أرض الواقع، وإدراجها ضمن تشريعاتها؛ وبرغم أن التوعية مهمة للحدّ من تلك الظاهرة؛ لكن عدم وجود عقاب يجعل الباب مفتوحاً للتجاوزات؛ إذ لا بد من جعل عقاب لكل من يتجاوز تلك القوانين؛ لنُساهم في الحد من تلك الظاهرة". من أَمِنَ العقاب ------------------ وأوضحت المحامية أحلام الشهراني ل"سبق"، أن المجتمع السعودي يعيش حالة من الجدل الشرعي والقانوني حول زواج القاصرات، وزواج القاصرة يعتبر عنفاً نفسياً واجتماعياً وجسدياً؛ إذ تعتبر طفلة بناء على حقوق الأطفال الذي يحدد سن الطفولة 18 سنة؛ فزواجها ظلم وسلب لابتسامتها. وتابعت: "المملكة قانونها مستمد من الشريعة الإسلامية؛ فهناك العديد من الأحاديث النبوية التي تدل على وجوب أخذ رأي الفتاة ومشاورتها في الزواج؛ منها حديث: (لا تُنكح الأيّم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن)، وهذا دليل على أن مشورتها وأخذ الإذن واجب على ولي أمرها". وأضافت "الشهراني": "ما نشاهده اليوم من تعسف أولياء الأمور وتزويج ابنته من غير إذنها ومشورتها مقابل مبلغ من المال، أو تستر أو زواج مؤقت كزواج السائحين، أو بسبب الفقر أو مشاكل عائلية مثل الطلاق، وتكاثرها في المجتمع الأقل تعليماً؛ يحتم علينا وعلى المصلحة العامة للحاكم أو المشرع القانوني، أن يضع حداً أدنى لسن الزواج؛ فهو لم يحلل ولم يحرّم؛ بل وَضَع السن المحدد، وكذلك وَضَع عقوبات رادعة لكل من يقوم بهذا الأمر". استغلال حق الولاية ----------------------- وبيّن المستشار القانوني وعضو مجلس الأمان الأسري محمد الوهيبي ل"سبق"، أن زواج القاصرات يُعَدّ جريمة يقوم مرتكبها باستغلال إعطاء الشريعة حق الولاية بذلك، ونظام الأحوال الشخصية الجديد -الذي ننتظر إقراره قريباً- سوف يحل هذه الظاهرة، التي أصبحت تعطي الحق للفتاة بالتقدم للمحكمة وطلب تحويل الولاية، في حال قام وليها بإساءة استخدام هذه الولاية واستغلالها". وأضاف: "لله الحمد قامت وزارة العدل بإصدار عدة تعاميم لمأذوني الأنكحة تمنع فيه تزويج مَن هم دون سن 16 عاماً؛ إلا بقرار قضائي، والتعاميم الصادرة خاصة بالسعوديين والسعوديات فقط" وزواج القاصرات هو أحد أهم الأسباب الرئيسة في زيادة نِسَب الطلاق بين المجتمعات السعودية، ونجد أن الكثير من أولياء النساء يُلغي دورها تماماً في حقها في اختيار مَن ترغب الزواج به، ويتغافل عن أن موافقتها وقبولها أحد الحقوق المكتسبة لها". وقال "الوهيبي": "نشكر قضاءنا على قيامه بحل هذه الأمور والاستغلال من قِبَل بعض الرجال، والقيام بسحب الولاية ممن لا يطبق ما أمرنا الله به ورسوله، وهو رعاية مَن تحت ولايته وحمايته وحماية حقوقه". مِن جهة أخرى، قالت المحامية ريم المحمد ل"سبق": "هناك نظام جديد ننتظر صدوره للحدّ من تلك الظاهرة، بالإضافة إلى قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يحدد سن الزواج، ونتمنى صدوره لوضع حد لتلك التجاوزات، ومعاقبة كل مَن يتجاوز القوانين". وأضافت: "زواج القاصرات من أسبابه الفقر والطلاق أو اليتيمة، وكذلك العادات والتقاليد والبدو، وأصحاب التعليم المتدني هم أكثر من يقومون به". وتابعت: "هناك دراسة لتحديد سن الزواج، وإجراءات للموافقة على زواج الفتاة دون سن ال 18، وحتى الآن ننتظر صدوره.. وفي رأيي الشخصي أجد أنه يجب أن يكون هناك قانون وعقاب صارم، وفي حال تم إثبات أن هناك فرقاً كبيراً، والزوج رجل كبير وطاعن في السن؛ فيجب منع هذا الزواج بأمر من القاضي؛ لحماية الفتاة، ولخطورته عليها وعلى صحتها نفسياً وطبياً".