نقلا عن الاسلام اليوم فقد أكَّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"- أن هناك المئات بل الآلاف من القنوات التي تبثُّ كلَّ شيء، وبعضها لا يقِيم حرمةً لشهر رمضان ولا لغيره من الشهور، مما يجعلنا ندرك أهمية الفاعلية الشخصية والمسئولية الذاتية في مواجهة الانفتاح الإعلاميّ، داعيًا إلى ضرورة وجود إعلام قِيميٍّ يساهم في البناء وليس الهدم. وقال الشيخ سلمان، أمس الأحد في برنامج "حجر الزاوية"، والذي يُبَثُّ على فضائية mbc ، خلال الحلقة التي جاءت تحت عنوان "العبادة": إنه ليس المقصود أن يتحوَّل الإعلام إلى وعظ، وإنما نريد أن يكون إعلامًا يُساهم في تهيئة الشباب والبنات لمواجهة الحياة، ولبناء العلاقة الصحيحة، وللتزوُّد بالعلم والمعرفة والاستعداد والتنمية البشرية والمشاركة في مشروع النهضة للأمة كلها. وأضاف فضيلته أنه فيما يتعلَّق بالزَّخم الإعلامي خلال شهر رمضان المبارك، فقد جَرَت العادة على أن يكون هناك حديث مطوَّل عن قضية البثِّ الفضائيّ والقنوات الفضائية والتنافس على المشاهدين، حيث إن كثيرًا من الناس يُعلنون شجبًا واستنكارًا ونقدًا وأحيانًا مخاطبات قد لا تكون متناسبة مع قدسية هذا الشهر وحرمته، لافتًا إلى أن هذا معنًى لطيف وجميل، وجزء من مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مسئولية فردية وحذَّر فضيلته من أن يفهم الشباب والفتيات وجود فرص في الإنترنت من خلال المحادثات أو الشاتينج أو المنتديات أو الغرف الصوتية أو اليوتيوب، أو من خلال القنوات الفضائية المنوَّعة التي يستطيع الإنسان بضغطة زر أن ينتقل من الشرق إلى الغرب عبر مئات بل آلاف القنوات التي تبثُّ كل شيء، وبعضها لا يقيم حرمة أصلًا لهذا الشهر، لافتًا إلى أنه يجب على الإنسان أن يدرك أن عليه فاعلية شخصية ومسئولية ذاتية.. يقول ربنا سبحانه وتعالى : ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيه يَوْمَ الْقِيَامَة فَرْدًا﴾ [مريم:95]، و﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر:38]، ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: من الآية21]، فالتقوى في القلب.. وحتى لو أن الإنسان في غرفة بعيدًا عن الناس فليتذكر قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْه مسئولا﴾ [الإسراء: من الآية36]، موضحًا أنه ليس بصحيح أن يقول البعض: امنعوني من هذه الأشياء حتى لا أتمكَّن منها!، فإنه وإن كان لا يقْدر على مجاهدتها إلا أن هناك مسئوليةً فردية على الإنسان. موجات إلحاد وفي سياق آخر أكَّد الشيخ سلمان أن الإيمان بالله -عز وجل- شيء عظيم جدًّا في حياتنا؛ مشيرًا إلى أن خسارة الإنسان حياته كلها أهون من أن يخسر إيمانه بربه، وأن هناك موجات تشكيك في وجود الله عز وجل، تصل إلى حد الإلحاد، وأن إحساسنا بها ناتج عن قدر الحرية الذي أصبح الناس يتمتعون به من خلال شبكة الإنترنت وغيرها. وأضاف فضيلته: أتذكر عندما كنت مدرِّسًا في المعهد العلمي كان هناك طلبة متدينون يأتونني في البيت، لكن كانت دموعهم وعَبَراتهم تسبق كلماتهم وهم يتحدثون عن شكٍّ وأحيانًا قد يعبرون عنه بإلحاد، غير أنه بقدر من الجهد فإن الله يتجلّى في العلم، فالعلم يدعو للإيمان، بل هو محاولة لتدعيم هذا الإيمان، وإزالة عنصر الشك أو عنصر الوسوسة عندهم، فينتعش هؤلاء الشباب وتبدأ هذه الخواطر تثور ما بين الفينة والأخرى، ثم يقومون هم بردمها ومكافحتها، وكلما تقدَّم بالإنسان العمر كلما قلَّت سطوة هذه المشاعر والأحاسيس. وأردف الدكتور العودة: إن هناك العديد من الشباب يتَّصلون بفضيلته من الرياض، وجدة، ومنهم مبتعثون من الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن بعض دول الخليج، ويعبّرون بلفظ الإلحاد، ويتبنَّوْن مذهبًا أو طريقة في الإلحاد، حتى إن أحدهم اتَّصل بي قبل رمضان، يقول: أنا ملحٌّ عليك أن أقابلك قبل رمضان؛ من أجل أن أعرف: هل أستعدُّ للصيام أم لا؟ من الشكِّ إلى اليقين! وأوضح الشيخ سلمان أننا في أمسِّ الحاجة إلى أن نحفِّز المربين والآباء والدعاة والعلماء إلى أن يفتحوا صدورهم لهؤلاء الشباب، وأن يتحدَّثوا معهم، وأن يسمحوا لهم بالبَوْح بمعاناتهم وبالشكوك الموجودة عندهم، ومن ثَمَّ يقومون بالإجابة عليها، مما يزيل الكثير من الشكوك التي تدور في أذهانهم. ونصح فضيلته الشباب بالرجوع إلى بعض الكتب التي من شأنها إزالة مثل هذه الشكوك، ومنها كتاب «أفي الله شكٌّ» للدكتور حمد المرزوقي، والذي كان قد ألف كتبًا فيها كثيرٌ من الشكِّ والريبة والتردُّد والتأثر بنظريات وفلسفات غربية، إلا أنه وجد شجاعة وتحدث عن ماضيه، وأعلن أنه بدأ مرحلة جديدة وخطًّا جديدًا وكتب هذا الكتاب، ومعه كتاب آخر اسمه «من القرآن إلى البرهان»، مشيرًا إلى أن الكتابين تميَّزَا بروح الإيمان بالله سبحانه وتعالى. عبدة الشيطان وأردف الدكتور العودة أنه يوجد الآن ما يسمَّى ب"عِبادة الشيطان"، وأصبح عنوانًا تجدُه من الهيبز إلى ما يسمى بالبانك، إلى غير ذلك من المسمَّيات في الغرب أو في الشرق؛ حيث تجد أن بعض الشباب تدور أعمارهم بين اثنتي عشرة إلى سبع عشرة سنة يجتمعون أحيانًا على البهيمية والحيوانية والتمرُّد على جميع القيم وعلى التحرُّر من جميع السلطات، وأحيانًا يُعبِّرون عن أنفسهم من خلال أشكال أو ملابس أو أزياء أو حتى أنواع من الطقوس باسم العبودية للشيطان. وفي الحلقة الأولى من برنامج حجر الزاوية أكَّد الشيخ سلمان أن العبادات لم تشرع لمجرد الابتلاء أو تكليف الناس بفعلها، مشيرًا إلى أن لكل عبادة مقصدًا وأثرًا في سلوكنا وأدائنا الوظيفي، لافتًا إلى أن من مقاصد العبادات تحقيق مصالح الناس في الآخرة للفرد والجماعة. وقال: إنه لا بدَّ من التأكيد على الجانب المقاصدي في العبادة، من خلال تحوّل العبادة إلى سلوك، وتأثير العبادة على القلب والنفس والجوارح، يقول ربنا سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون). وتابع الدكتور العودة: إننا إذا نظرنا إلى أسئلة المستفتين في البرامج الدينية وبرامج الإفتاء، سنجد أن الكَمَّ الهائل الأغلب يتحدث أو يسأل عن عملية محددة لما يفعله الإنسان؛ ولذلك تكون الإجابات في الغالب متعلقةً بهذا الموضوع، بينما ينبغي أن يسأل الناس عن الجانب المقاصدي. وأضاف فضيلته: إن مذهب الغزالي والشاطبي أو ابن تيمية أو ابن عابدين أو غيرهم من أهل العلم أن العبادات لها مقاصد؛ ولذلك ينبغي أن يكون الحديث عن مقاصد العبادة وأثرها في أدائنا، ومحافظتنا على الأسرة أو في حقوق الجيران، لافتًا إلى أن المسلم طوال حياته منذ أن يبلغ أو أن يعرف رشده أو من قبل ذلك وهو يتعلم كيف يتعبّد؟ ويقرأ عن الحثّ على العبادة، لكن من النادر أن يقرأ شيئًا في مقاصد التشريع نفسه الذي أراده الله عز وجل من خلال هذه العبادات. العبادة ونقيضها وأردف فضيلته: ولذلك ينبغي أن يكون الحديث عن مقاصد العبادة وأثر العبادة في سلوكنا في أدائنا للوظيفة أو في محافظتنا على الأسرة أو في حقوق الجيران.. وقال: كم هو مخجلٌ أننا أحيانًا نتلبّس بعبادة ونفعل نقيضها مثل الصَّوم، وضرب فضيلته مثالًا لذلك بالكذب، قائلًا: قرأت أن أُمَّ غاندي كانت تصوم على عادتهم في الهند صومًا طويلًا حتى تسمع صوت الواق واق، فطال الأمر بها فذهب ولدها غاندي وصاح مقلدًا صوت الواق واق فأفطرت الأم، ولما جاء كان يضحك لأنه يرى أنه أفلح، حزنت أمه حزنًا شديدًا، وكانت تقول: يا الله ماذا عملت حتى تبتليني بهذا الولد الكذَّاب؟! وتساءل الشيخ العودة: كم من المسلمين يصومون ومع ذلك قد يمارسون الكذب؟! مؤكدًا على ضرورة أن يكون للعبادة أثرٌ أو طابَعٌ على الإنسان. وأكَّد الشيخ سلمان أن من أعظم مفاهيم العبادة أنها تدعو إلى قهر الأنانيَّة والتغلّب على التعصب أو الاندفاع، وإن كان بعض الناس -بسبب الانحراف في العبادة- تتحول هذه العبادة عندهم إلى نوع من الأنانية أو التعصّب أو الاندفاع ضدَّ الآخرين. يُذكر أن برنامج حجر الزاوية في دورته الخامسة يُبثُّ يوميًّا على قناة mbc الفضائية في الساعة الخامسة عصرًا، ويعاد بثُّهُ على قناة دليل بعد نقل صلاة الفجر بمكة المكرمة.