أكد فقهاء ودعاة أن الاحتكار في عالم الرياضة ليس فيه شبهة دينية، وأن تشفير القنوات الفضائية لمباريات كرة القدم، وبيع الجمهور بطاقات خاصة من أجل متابعتها "أمر جائز شرعاً"، كونه يندرج تحت مظلة اقتصادية يحق فيها البيع والشراء، مشددين على أن من يتعدَّ تلك الحقوق يعتبر آثماً، على حد قولهم. وذكر تقرير موقع "24:"، أن جماهيرا عبرت عن استيائها من قيام قناة "بي إن سبورت" القطرية باحتكار بث مباريات كأس العالم المقررة في البرازيل، خلال الفترة من 12 يونيو إلى 13 يوليو المقبلين، لاسيما بعد ارتفاع أسعار بطاقات البث، وحتمية شراء جهاز "الريسيفر" الخاص بالقناة، من أجل متابعة المباريات دون عراقيل. وقال فقهاء ودعاة ، إن "من يقم بفك الشيفرات الخاصة بالقنوات الفضائية التي تمتلك حقوق بث المباريات بطرق غير شرعية فهو آثم، وفعله حرام شرعاً، لأن ذلك يعتبر اعتداء على حقوق الغير، وسرقة واضحة، يُسأل عليها، كونه يعلم أن هذه الحقوق ملك لجهات معروفة، ولا يجوز الحصول عليها إلا عن الطريق شراء البطاقات أو الهبة". أجهزة خاصة --------------- ويلجأ مشاهدون إلى فك شيفرة القنوات الفضائية عن طريق أجهزة خاصة أو بواسطة ما يسمى "ريسيفر النت"، الذي يحصل فيه الجمهور على إشارة المباريات عبر شبكة الإنترنت، ومن ثم شبكها بالتلفاز، الأمر الذي عده فقهاء الدين "سرقة وحراماً شرعاً". وأضافوا أن "الاحتكار يندرج على أمور أوضحها الشرع والأحاديث النبوية الشريفة التي تخص شؤون المُسلم، التي يحتاج إليها الناس ويتم حجبها عن التداول في الأسواق وتندرج في القوت (الطعام) فقط أي السلعة الضرورية". وتطرقوا إلى الممارسات الخاطئة التي تعيشها المجتمعات خلال المونديال، واعتبروا أن "مغالاة أصحاب المقاهي في أسعار المشروبات يعد انتهازاً واستغلالاً لظروف معينة بقصد تحقيق مكاسب دون وجه حق، وهذا أمر حرّمه الإسلام، لأنه يعدّ من الأمور التي تستغل فيها حاجة الناس لمشاهدة المباريات". التشفير تجارة --------------- بدوره، قال كبير المُفتين، والمشرف على الفتاوى بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي علي مشاعل، إن "تشفير مباريات كرة القدم، أو خصّ احدى القنوات الفضائية بنقلها حصرياً، ليس حراماً، ولا يعد إثماً، على حد تعبيره". وأضاف "إذا تدبرنا في الأصل فسنجد أن مباريات كأس العالم، تندرج تحت مظلة «فيفا»، وهو الوحيد الذي يقوم ببيعها لقنوات فضائية ليتمكن المشاهدون في أرجاء العالم من متابعتها، وهذه القنوات تحصل عليه بمقابل مادي، ثم تقوم بإعادة بيعه للمشاهدين، بما يعد تجارة صريحة ليس فيها أي شبهة". وأوضح "قد تختلف الصورة اذا كانت تلك القنوات تقدم أموراً متعلقة بالعلم أو أمور الدين التي يحتاج اليها الإنسان ولا يمكن الاستغناء عنها، لكن كرة القدم لا تعد في نظر الشريعة الاسلامية من ضرورات الحياة". وعن الاحتكار في كرة القدم، قال علي مشاعل، إن "الاحتكار يكون في أي سلعة يحتاجها الناس سواء كانت طعاماً أو دواء أو لباساً، أو أدوات مدرسية أو منزلية أو مهنية أو في أدوات البناء على سبيل المثال، فالإنسان في حاجة إلى أن يأكل ويشرب، ويلبس، ويتعلم ويتداوى ويتنقل، ويتواصل مع غيره بشتى الوسائل، فكل ما أضر الناس حبسه فهو احتكار، وكل ما تشتد حاجة الناس إليه يكون احتكاره أشد إثماً". غياب المودة -------------- من جهتها، قالت أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، الدكتورة آمنة نصير، إن "تشفير مباريات كرة القدم يعد مسألة اقتصادية، لا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار، لكنها تتضمن مفاهيم وأبعاداً إنسانية يجب أن يضعها كل القائمين على هذا العمل في المقام الأول". وأضافت أن "كرة القدم من الأشياء التي أسرت الناس بحبها، وأصبحت من ضروريات الحياة بالنسبة للبعض، والدين الإسلامي يشدد على ضرورة التراحم بين المسلمين بعضهم بعضاً، استناداً إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى"، وقوله تعالى: "ويحبون المال حباً جمّاً". وأوضحت "من هذا المنظور يجب على القنوات الفضائية التي تمتلك تلك الحقوق عدم استغلال حب الناس مشاهدة الأحداث رياضية والمباريات، وتزيد عليهم الأعباء، إنما أن تسعى إلى التخفيف عنهم وتيسير أمر المشاهدة بأي طريقة". حرام شرعاً ------------ وذكرت الدكتورة آمنة نصير، أن "فك شيفرات القنوات التي تستحوذ على حق إذاعة وبث مباريات معينة لكرة القدم حرام شرعاً، لأن قيام شخص ما بفك شفرة لقناة ما تستحوذ على حق بثّ وإذاعة مباريات معينة لكرة القدم، يعدّ بمثابة اعتداء على مال الغير بالسرقة". وأوضحت أن "نصوص الشريعة الإسلامية جاءت بأحكام عامة تشدد على أن من يعتدِ على الغير سواء في ماله أو في عرضه أو في نفسه يعد حراماً، وبالتالي فإن فك شيفرات القنوات التي تستحوذ على بث وإذاعة مباريات معينة من كرة القدم يعد اعتداء على المال". وختمت أن "هذه القناة المشفرة ملك لصاحبها، فلا يجوز للغير أن ينتفع بها إلا بإذن صاحبها، سواء كان ذلك عن طريق شراء البطاقات أو الهبة، وأرى ضرورة أن تحل المودة والرحمة بين الناس، فلا الحكر من صحيح الدين، ولا السرقة من قيمه".