مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القحطاني: جاهزون لتأسيس أول بنك للفقراء في السعودية.. وغياب التشريعات يعوقنا
نشر في أنباؤكم يوم 14 - 01 - 2014

كشف المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) ناصر بكر القحطاني عن عزم البرنامج افتتاح بنك للفقراء في السعودية يقدم قروضاً متناهية الصغر للمحتاجين، تساعدهم في إنشاء مشاريعهم الصغيرة، مشيراً إلى أن غياب التشريعات لهذه الصناعة ما زال يقف حائلاً دون ذلك، على رغم تقديمهم لطلب لم تتم الموافقة عليه حتى الآن. جاء ذلك بحسب حوار أجرته معه صحيفة "الحياة"، وفيما يلي نصه:
أوضح القحطاني في حواره مع «الحياة»، أن السعودية التي كشفت الفقر فيها زيارة للملك عبدالله لأحياء الفقراء قبل أعوام فوّتت على نفسها فرصة أن تصبح قوة ضاربة في صناعة التمويل الأصغر خلال الفترة الأخيرة التي شهدت تصحيح أوضاع العمالة.
وقال إنه «ليست هناك إحصاءات رسمية دقيقة يمكن الاطمئنان إليها تحدد عدد الفقراء ونسبتهم في المملكة، وعادة ما نسمع عن دراسات، لكنها لا تكشف عن إحصاءات دقيقة، أما بالنسبة لمشروعنا المقترح لبنك التمويل الأصغر في المملكة، فنحن نستهدف في البداية 100 ألف فقير، ومتيقنون من أن أعداد الفقراء أكثر بكثير، ولكن الأعداد التي نستهدفها هي بداية وخطوة أولية لمشروعنا».
وأكد أن معظم الخبراء الذين يساعدون «أجفند» في تنفيذ خطته التنموية خبراء سعوديون، فيما البقية عرب ولا وجود للأجانب في مؤسستنا... وهنا نص الحوار:
كيف بدأت فكرة بنوك الفقراء في «أجفند»؟ وما هو منهج عملها؟
- الفكرة أساسها المبادرة التي طرحها الأمير طلال بن عبدالعزيز رئيس برنامج الخليج (أجفند) لمكافحة الفقر في المجتمعات النامية والمنطقة العربية خصوصاً، من خلال تعميم تجربة التمويل الأصغر، ولاقت المبادرة تجاوباً كبيراً نظراً لفعاليتها في الحد من الفقر، وبدأنا الحث على إيجاد تشريعات تشجع على التمويل الأصغر وتحميه، وفتحنا أول بنكين في الأردن واليمن بالشراكة مع القطاع الخاص، والآن وصلت إلى 6 بنوك في المنطقة العربية في اليمن والأردن والبحرين وسورية ولبنان والسودان، ثم انتقلنا بالمشروع إلى غرب أفريقيا، ففي سيراليون لدينا بنك يعمل بنجاح.
وهذا العام سيتم افتتاح بنكين جديدين في كل من فلسطين وموريتانيا، ونحضر لافتتاح بنك في الفيليبين، وبذلك تكون لأجفند 10 بنوك منذ أن بدأنا المشروع عملياً في العام 2006، أي بمعدل بنك للفقراء كل عام على الأقل.
ولا بد من تأكيد أن الفقر مشكلة معقدة، ولكن حلولها سهلة إذا ما اقترنت بفكر رائد كالذي يتبناه الأمير طلال، غير أن بعض الناس للأسف يتبنون الحلول المعقدة التي لا تحقق الأهداف.
ويسعدني التأكيد أن معظم الخبراء الذين يساعدون «أجفند» في تنفيذ خطته التنموية هم خبراء سعوديون، فيما البقية عرب ولا وجود للأجانب في مؤسستنا، وهذا لا يعني أننا لا نؤمن بالخبرة الأجنبية، ولكن صناعة الإقراض الصغير لا تزال تنمو.
كم عدد عملاء بنوك «أجفند» العاملة حالياً؟ وما هي الخدمات التي تقدم لهم؟
- بنوك «أجفند» خدمت حتى الآن أكثر من 1.37 مليون مستفيد، ولا بد من أن نشير إلى أن هذه الإحصاءات متحركة ومتغيرة باستمرار، ونتوقع أن نصل إلى 5 ملايين مستفيد بحلول عام 2015، والجانب الأكثر إضاءة هو أن هذه البنوك قدمت نماذج نجاح كثيرة، فهناك نساء أرامل نفذن مشاريع أخرجتهن من دائرة الفقر، بل إن بعضهن أصبحن سيدات أعمال، هذا إلى جانب شباب فارقوا البطالة وأصبحوا يفتحون فرص عمل لغيرهم.
ونقطة أخرى مهمة وهي أن كل هذا التقدم والنجاح حدث لأننا في «أجفند» قمنا بتحويل ما يتصوره البعض عقبات إلى تسهيلات ترجمت على أرض الواقع، إذ نجحنا في تطويع البيروقراطية، فالحكومات مثلاً ليس لها التأثير في سياسات بنوكنا ولا هي تهيمن عليها ولا توجهها إلا بقدر ما يخدم الهدف المشترك للشركاء الثلاثة (أجفند، القطاع الخاص، الحكومة)، والهدف المشترك بالطبع هو خدمة التنمية وإحداث تحولات إيجابية في المجتمع، بدمج الفقراء في النظام المالي.
هل يعنى ذلك أنكم سرتم في طرق ممهدة ولم تواجهوا صعوبات؟
- أبداً، ولكن وجود التشريعات سهل الأمور، فتوجيهات رىيس البرنامج هي أن نعمل مع الدول التي لديها تشريعات للتمويل الأصغر، ونعمل مع الدول الأخرى لإيجاد التشريعات، وما جعل كثيراً من البنوك المركزية تحجم عن قبول بنوك للتمويل الأصغر هو أن مبادرة بنوك الفقراء تحديداً لا تهدف فقط إلى فتح بنوك للإقراض، بل لتأسيس صناعة التمويل الأصغر وفق الأصول والمعايير التي تحرص على أفضل التطبيقات، وتمارس مهمات ونشاطات مثل الودائع والادخار والتأمين، بمعنى دمج الفقراء في العملية المالية.
وكما هو معروف فالبنوك التجارية تعمل على العكس من بنوك التمويل الأصغر، فهي لا تقرض إلا من كان قادراً، وتشترط ضمانات لإثبات الملاءة المالية، في حين أن بنوك الفقراء تشترط إثبات الفقر ولا ضمانات، والبنوك التجارية لها متطلبات كثيرة وتفرض على العميل أن يأتي إليها، أما بنوكنا فمتطلباتها قليلة، وهي تبحث عن العميل وتذهب إليه وتعرض عليه المنتجات والخدمات التي تناسبه، والبنوك الأخرى تعمل على تحقيق عوائد كبيرة للتوزيع على المساهمين، ونحن نحرص على خلق منتجات تحل مشكلات اجتماعية إنسانية.
هذه الفوارق الكبيرة هي ما يميز بنوك الفقر عن غيرها، وفي البلدان التي أسسنا فيها بنوكنا توافقنا مع البنوك المركزية فيها، وهي أعطتنا الثقة لأننا نعمل في الضوء وتحت رقابتها.
دعني أقول لك، إننا عندما شرعنا في تنفيذ بنوك الفقراء طرحنا سؤالاً مهماً هو: كيف لنا أن نوجد نموذجاً يحقق الاستدامة؟ فكانت الإجابة لمصلحة «العمل مع رجال الأعمال المؤمنين بالأعمال الاجتماعية، كونها مجدية وتخدم الفقراء، وفي الوقت نفسه تشبع رغبة الشركاء الذين يريدون خدمة مجتمعهم، فما تحققه بنوك الفقراء من عوائد تتم إعادة رسملتها للتوسع في تنفيذ مشاريع تخدم الشريحة المستهدفة، والمؤسسون الذين جمعهم الهدف الإنساني لحل مشكلة اجتماعية لا ينتظرون أرباحاً عن مساهماتهم، بل تعود الأرباح للبنك لتحقيق المزيد من التطوير والتوسع والانتشار، وهذا هو الفرق الجوهري بين مبادرة «أجفند» للتمويل الأصغر والتجارب الأخرى، ولذلك فنحن ندعم رجال الأعمال ونحفزهم على الإسهام معنا في بنوك الفقراء، وكذلك الحكومات عندما تشاركنا، فهي تعمل على تحقيق جزء من خططها لمكافحة الفقر واستقرار المجتمع.
في «أجفند» كيف تعرّفون الفقر؟ وما هي تصنيفاتكم للفقراء؟
- نحن نحدد الفقر بثلاث درجات هي: فقر مدقع وفقير وفقير موقت، أما الفقراء الموقتون فهم مثل الخريجين حملة الشهادات الذين ليست لهم وظائف (أي ما يعرف ببطالة الشباب)، وهؤلاء سهل جداً إخراجهم من هذا النطاق بإعداد برنامج تدريبي قصير لهم، ومن ثم يحصلون على التمويل من بنك الفقراء، ويبدأون مشاريعهم، وكذلك يخلقون فرص عمل لغيرهم، والفئة الثانية هم الفقراء، وهم في منظور البنك القادرون عند إتاحة الفرصة لهم، وعدد كبير منهم لديهم أفكار، وعندما يحصلون على القروض من البنك يبدأون نشاطاً جديداً أو تطوير مشروع قائم، والفئة الثالثة: الفقير المدقع ومنهم من يتلقى «الضمان الاجتماعي»، وهؤلاء يحتاجون برامج لتمكينهم من الحصول على دخل، وبالتالي يتم دمجهم في النظام المالي، ويتوقع بدء عدد كبير منهم بتحديد أهدافهم بالحصول على الخدمات المالية.
وبنوك الفقراء أداة مساعدة لدمج هؤلاء في العملية المالية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
ما هي جهودكم في هذا المجال على المستوى المحلي؟
- على المستوى المحلي كانت هناك دراسة قدمت ورفعت للمسؤولين، لكن إلى الآن لم يصدر ما يفيد بالموافقة على تأسيس بنك للتمويل الأصغر بمواصفات «أجفند» على غرار بنوكه العاملة. واحدة من العقبات التي نواجهها عندما نطرح مشروع بنك الفقراء، أن بعض الناس يفهم أن مشروعنا خيري، بينما هو ليس خيرياً، بل مشروع تجاري بمعايير الأعمال الاجتماعية، كما أن بعض المسؤولين في المملكة يقع في الخطأ نفسه، فهم لا يزالون يعتقدون أن مشروع بنك للقروض متناهية الصغر مشروع خيري يعود أمره إلى وزارة الشؤون الاجتماعية مثله مثل الضمان وصندوق الفقر.
هذا لا يعني أننا ضد أعمال البر أو ضد كل ما هو خيري، ولكننا نؤكد أن التمويل الأصغر صناعة قائمة بذاتها، وهي عمل يهدف إلى تحقيق الاستدامة وحل مشكلات اجتماعية واقتصادية، نحن نريد المقترض أن يرتبط بوزارة التجارة والغرفة التجارية، حتى نقول إنه رجل أعمال أو سيدة أعمال، ونخرجهم من دائرة الارتباط بوزارة الشؤون الاجتماعية، كما نريد أن تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية على تطوير صناعة التمويل الأصغر وتعريف المجتمع عليه، فيجدر بنا أن نفاخر بالأعداد التي تخرج من «الضمان» بدمجهم في النظام المالي، لا أن نفاخر بزيادة هذه الأعداد سنوياً والمبالغ الضخمة التي يحصلون عليها.
ولدينا مثال حي من اليمن، فهناك برنامج جيد نفذناه عبر «بنك الأمل للتمويل الأصغر»، إذ عملنا بالتنسيق والشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وأكدنا لهم أننا سنساعد المواطنين الذي يحصلون على الضمان الاجتماعي في الخروج من الضمان وإدخالهم في النظام المالي بفتح حسابات لهم (حسابات ودائع وادخار)، فيكون لهم الحق في الحصول على قروض، وبالفعل تجاوبت معنا فئات من هذه الشريحة، وكانت النتائج مبهرة، وعندما ارتفعت أعداد المنضمين إلى هذا البرنامج ذهب 50 في المئة منهم بأنفسهم إلى الوزارة يطلبون عدم صرف الضمان الاجتماعي، لأنهم اكتفوا وتحسنت ظروفهم المعيشية، وأجرينا دراسات على هذه الشريحة بينت أن 50 في المئة منهم قالوا: «أصبح لدينا دخل ثابت أفضل لنا من الضمان الاجتماعي ولم نعد في حاجته». انظر كيف تنعكس برامج بنوك الفقر ومنتجاته سريعاً على الفقراء، وتحدث تحولات في حياتهم.
نحن نبدأ بنقاط واقعية جداً، وأهمها أن الفقراء لهم حقوق مثل أولئك القادرين الذين تفتح لهم البنوك أبوابها بلا تحفظات أو شروط، فالقادر على العمل نساعده في الحصول عل قرض لبدء نشاطه، وغير القادرين نضع لهم برامج للتأهيل للوصول إلى مرحلة القدرة وبدء النشاط، أبسط ما نقوم به هو استيعاب الفقير في العملية المالية، فمن حقه أن يكون له حساب في البنك يودع فيه ما تتاح له من مدخرات مهما قلت، وبعد ذلك نعرض عليه محفزات مثل إقراضه أضعاف ما يدخره في حسابه، وهذا ما حدث في بنكنا باليمن.
إذاً ما هي الخطوات التي فعلتموها لتأسيس بنك في المملكة؟
- عندما نتحدث عن المملكة نعلم أن القيادة لديها الرغبة في تصحيح الخلل الاجتماعي والاقتصادي الناتج من الفقر في أوساط بعض الشرائح، وهناك جهود في هذا الاتجاه، ولا ننسى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو أول من أعلن ضرورة مواجهة ظاهرة الفقر في البلاد، وزيارته التفقدية لمساكن الفقراء مشهورة. لا ننكر أن جهوداً تبذل، ولكنها لا تتقدم بالشكل المطلوب لتواكب تطلع القيادة، والسبب في اعتقادنا هو عدم إيجاد البيئة التشريعية المناسبة التي تتيح إبراز الأدوار التنموية والاجتماعية للتمويل الأصغر.
المشكلة في المملكة أنها ليست لديها حتى الآن التشريعات التي تسمح لهذه البنوك بأن تعمل. تلاحظون الإعلانات المنتشرة عند أجهزة الصرف الآلي، هذه الإعلانات يقدم أصحابها قروضاً بسيطة تبدأ من 5 آلاف ريال وفكرتها قروض متناهية الصغر. وهذا يعكس الحاجة لوجود التمويل الأصغر، والحاجة هنا في المملكة موجودة، لكن يجب أن توضع التشريعات لتقنين هذا النشاط. ونحن بانتظار هذه الخطوة للبدء فوراً، فالمملكة هي الداعم الأكبر ل«أجفند»، فلابد من أن يستفيد أبناؤها من مثل هذا المشروع.
وهنا قصة بسيطة، فقبل أيام كنت في عشاء لدى أحد الأصدقاء وأخبرني أن الطعام الذي قدمه تم إحضاره من إحدى الأسر التي تعمل من بيتها وتسوق عملها، تلك الأسرة حصلت على قرض ب10 آلاف ريال، وتم تجهيز مطبخ متكامل لها في منزلها، فأصبحت تحضر الوجبات الطازجة، وزاد الطلب عليها كثيراً حتى أصبح من يريد منها وجبات لا بد أن «يحجز»، ويقدم طلبه قبل أسبوع فنحن ندعم مثل هذه الحالات».
ولتأكيد مثل هذا التوجه فإن «أجفند» بحرصه على إفادة المجتمع السعودي والمجتمعات الأخرى النامية، قد خصص جائزته المعنية بالمشاريع الريادية في العام 2014 لموضوع «تسويق المنتجات المنزلية»، وبنوك «أجفند» تشارك في تعزيز هذا التوجه من خلال إقراض النساء الراغبات في العمل من منازلهن وتسويق منتجاتهن.
مثل هذه الحالات منتشرة في المملكة، فلو تمت متابعتها وإقراضها وتقديم تجهيزات متكاملة لها والترخيص لها، سنجد أننا انتشلنا الكثير من الأسر السعودية من قاع الفقر إلى مستوى آخر يغنيها ويوفر لها دخلاً ثابتاً. وهناك مشروع ل«أجفند» في هذا المجال يجرى الإعداد له ضمن مشاريع تمكين المرأة، والحد من الفقر في أوساط النساء في المملكة.
ونحن نتحاور مع أكثر من جهة، ونعقد ندوات للتعريف وللتوعية. و«أجفند» لديه علاقات جيدة مع الشؤون الاجتماعية وبنك التسليف ووزارة التجارة ومجلس الغرف، ولكن توجهات «أجفند» أننا لا نستطيع أن نفرض مشروعاً أو فكرة على دولة أو جهة ما لم تكن مقتنعة قناعة كاملة. وفي هذا الموضوع التشريعات المطلوبة لن تصدر إلا عندما يقتنعوا.
معدلات الفقر في المملكة، كم يقدرها برنامجكم؟
- للأسف ليست هناك إحصاءات رسمية دقيقة يمكن الاطمئنان إليها تحدد عدد الفقراء ونسبتهم في المملكة، هذه هي الحقيقة. عادة نسمع عن دراسات لكنها لا تكشف عن إحصاءات دقيقة، ولكن بالنسبة لمشروعنا المقترح لبنك التمويل الأصغر في المملكة فنحن نستهدف في البداية 100 ألف فقير، ومتيقنون أن أعداد الفقراء أكثر بكثير، ولكن الأعداد التي نستهدفها هي بداية وخطوة أولية لمشروعنا.
هناك من يرى أن من يقل راتبه عن 3 آلاف ريال هو تحت خط الفقر، وقد يصل الرقم إلى مليون فقير في المملكة لديهم القدرة على الخروج من دائرة الفقر إذا تم إقراضهم قروضاً بسيطة تساعدهم في العمل والإنتاج، وبخاصة في أوساط النساء والشباب. ولا بد من أن يترافق ذلك مع خطط واضحة للوزارات الخدمية وبخاصة الشؤون الاجتماعية تحدد فيها الأعداد التي يستهدفون إخراجهم من خط الفقر.
هل ترون أن الترخيص لبنوككم بالعمل في المملكة قد تأخر أكثر مما يجب؟
- نعم تأخر كثيراً، وذلك في تقديرنا ناتج عن عدم إدراك مفهوم بنوك الفقراء أو البنوك متناهية الصغر بصورة صحيحة، وكذلك غياب التشريعات والأنظمة.
اليوم أوروبا وأميركا بدأت تتحدث عن هذا النوع من البنوك ويوجد في نيويورك بنك «غرامين» وهو بنك مماثل لبنوكنا. فالولايات المتحدة وهي القوة العظمي اقتصادياً أولت اهتماماً متعاظماً بآلية الإقراض متناهي الصغر التي أثبتت فاعليتها في الحد من الفقر، وأخذت بتجربة البروفيسور محمد يونس. وقد كرّم الكونغرس يونس لأن أميركا استفادت من تطبيقات فكر هذا الرجل. ففي أميركا اليوم ما يفوق 24 مليون مشروع متناهي الصغر أسهم في توظيف نحو 18 في المئة من العاملين في القطاع الخاص.
والبروفيسور يونس هو الشريك الاستراتيجي ل«أجفند» في مشروع بنوك الفقراء.
أقول لقد تأخرت المملكة في دخول هذا المجال من أبوابه الصحيحة، فلو بدأت منذ عام 2002 عندما تم إعداد استراتيجية مكافحة الفقر التي نتج منها تأسيس الصندوق الخيري لكانت المملكة اليوم في مقدم الدول التي تطبق التمويل الأصغر على وجهه الصحيح. ففي ذلك الوقت لم يكن بالمنطقة بنك واحد للفقراء. وأذكر أننا في ذلك الوقت قدمنا لهم رؤية من نقاط عدة، ولعل أهم ما أوصينا به في تلك النقاط العمل في إطار التوجهات التي بدأت في مطلع التسعينات لمحاربة الفقر، والسعي إلى إيجاد الآليات والأدوات الفاعلة والمؤدية لهذا الهدف، إذ تم التوصل إلى أن القروض متناهية الصغر تعد الأداة الأمثل لمكافحة الفقر، وأكدنا لهم أيضاً ضرورة إنشاء البنوك والصناديق لتقديم القروض متناهية الصغر.
للأسف كثيراً ما تنتظر المملكة أن تبدأ بعض المشاريع المهمة في بلدان متقدمة حتى تسمح بإقامتها هنا وتشرّع لها. وكثير من الأفكار والتطبيقات الجديدة النافعة نمنعها ونضع القيود أمامها ثم ما نلبث أن نسمح بها، ونكون قد أهدرنا وقتاً طويلاً وخسر أناس كثيرون كانوا سيستفيدون من تلك الأفكار، وأعتقد بأنه لن يتم إيجاد تمويل أصغر حقيقي في المملكة خلال الأعوام العشرة المقبلة ما لم يتم تطوير الأفكار تجاه هذه الصناعة ومواكبة التجارب الناجحة.
تجربتنا في اليمن المجاورة لاقت نجاحاً باهراً، نظراً لأنهم في اليمن عملوا على وضع التشريعات التي تخدم هذا القطاع. وللتاريخ أقول إن الفكرة طرحت على المملكة قبل اليمن، ولكن لم يتم تقبلها، فذهبنا بها إلى هناك، وحققنا نجاحات مشهودة، لأن اليمن أصبح من أفضل الدول في التنظيمات والتشريعات التي تحدد عمل بنوك القروض متناهية الصغر ليس فقط عربياً بل عالمياً، و«بنك الأمل» في اليمن من أفضل البنوك العالمية، وحاز جوائز دولية وإقليمية.
وعندما اندلعت الأزمة السياسية في اليمن كان لدى «بنك الأمل» 11 فرعاً تخدم 15 ألف عميل، واليوم تصل فروعه إلى 18 فرعاً تخدم 25 ألفاً، ولم تغلق أبوابها يوماً خلال الأزمة، لأنها بنوك تجارية تقدم خدمة اجتماعية.
وبنوك «أجفند» لا تقدم فقط منتج القروض، وإنما هناك منتجات أخرى مهمة كالادخار والتأمين الصحي والتأمين التكافلي. ففي ما يختص بالادخار هناك حسابات ادخار لأطفال لم يعرف ذووهم طريقاً للبنك. وفي التأمين الصحي تجاوز عدد المؤمن عليهم 20 ألفاً في بنكنا في الأردن بكلفة لا تزيد على 300 ريال، أي أقل من ريال واحد في اليوم. ولنا أن نتساءل: أية دولة يمكنها توفير تأمين صحي بمثل هذا المبلغ الرمزي، وقد نجحنا في طرح المنتج وتسويقه لأننا نقوم بالتأمين على شكل مجموعات.
إذاً لماذا تخلفت المملكة عن مواكبة هذا التطور؟
- في كل البلدان تمر صناعة التمويل الأصغر بمراحل، في البداية تبدأ الحكومات وتفشل، لأن عقلية المقترضين تجاهها يسيطر عليها مفهوم «مال الحكومة»، حتى الصناديق الخيرية. ثم تأتي الجمعيات الأهلية ولا تستطيع الوصول إلى أفضل التطبيقات، وتخلطه بالعمل الخيري. ونصل إلى المؤسسات المالية التي تبدأ بالإقراض ولكنها لا تستطيع تقديم الخدمات الأخرى، ثم دخلت البنوك التجارية في الخط ولم تفعل شيئاً كما في بعض الدول العربية. وعندنا مثلاً بدأت الحكومة في تطوير استراتيجية بنك التسليف وفتحت نافذة للإقراض متناهي الصغر، إلا أنه لم يتم العمل بها، وقد أعطي حق الإقراض للصندوق الخيري الاجتماعي. ولكن للأسف بدلاً من أن يقوم بنك التسليف والصندوق بهذه المهمة أوكلاها لجهات أخرى للقيام به نيابة عنه، ولذلك تأخرنا لعدم استيعاب الحكومة لهذا الموضوع الذي يحتاج إلى تشريعات تمكن من دخول القطاع الخاص هذا المجال، ولا سيما بانتهاج مبدأ الأعمال الاجتماعية.
فهل من الحكمة أن ننتظر حتى نمر بكل هذه المراحل؟ أليس من الأفضل الاستفادة من التجارب، والبدء من حيث انتهت إليها تلك التجارب. وهذا ما نرغب تطبيقه في المملكة بالشراكة مع رجال الأعمال وبتسهيلات حكومية. ولكن ذلك لم يحدث للأسباب التي سقناها.
ماذا عن تجارب التمويل الأصغر الموجودة في السعودية؟ كيف تقومونها؟
- مع تقديرنا لما تبذله بعض الجهات من جهود فأستطيع القول إنها لا تدخل في نطاق أفضل الممارسات للتمويل الأصغر، فضلاً عن أنها جهود مشتتة.
والمؤسف أن الأموال التي تتحرك في إطار هذه الجهات على رغم ضخامتها ليس لها مردود واضح كالذي نلمسه في بنوك الفقراء. فالسؤال الذي نطرحه هو: هل توجد مؤسسة واحدة في المملكة تعد تقاريرها وتفصح عنها باستخدام أداة التحليل المالي (سيب) Report SEEP. فالمملكة إلى الآن لم تشهد «صناعة التمويل الأصغر» ولو تحققت كما نود ستكون قوة ضاربة في هذه الصناعة الصاعدة عالمياً. بنوك «أجفند» منذ بداية المبادرة قدمت أكثر من 840 مليون ريال سعودي قروضاً، واستثمارات «أجفند» فيها لا تتجاوز ال50 مليون ريال. ولك أن تلاحظ أن كل ريال تم استثماره استقطب أكثر من 20 ريالاً، سواء من القروض من البنوك التجارية أم الودائع أم الأعمال التشغيلية أم إعادة الرسملة. انظر لمشكلة العمالة في الوقت الراهن، ألم يحدث فراغ كبير في بعض المجالات جراء تصحيح الأوضاع، ورحيل الآلاف؟ هل استطاع الشباب السعودي ملء الفراغ؟ لو كان هناك تمويل أصغر حقيقي لتم شغل هذا «الفراغ» في وقته من خلال خلق منتجات تحل المشكلة، وليس من بعض الأعمال الاجتهادية. بعض الشباب يريدون دخول السوق، ولكن من يقرضهم؟ وهنا يحضرني ما قام به بنك الفقراء في اليمن خلال الأزمة، فعندما حدث خلل في الوقود واضطربت حركة النقل بشدة أوجد البنك بسرعة منتجاً يواكب الحدث فقام بتمويل «دراجات التوك توك» التي أسهمت في تقليل المشكلة وخدمت أصحاب المشروع. وأذكر أن البنك قدم 356 قرضاً لذلك. وهذا المنتج تم تصميمه خلال أسبوع. فبنوكنا تخدم الفئة في إطارها الاجتماعي، ولذلك يمكن بسرعة عمل منتج يخدم هذه الفئة في النطاق الاجتماعي. ولو كان لدينا صناعة للتمويل الأصغر بالمواصفات التي ذكرناها لاحتفلت المملكة بتأمين أكثر من 500 ألف فرصة عمل، من خلال إنشاء مؤسسات متناهية الصغر، في فترة تصحيح أوضاع العمالة.
خذ مثلاً أسواق الخضراوات عندنا، لو تم تقديم قروض للشباب الراغبين في العمل لأصبحوا ملاكاً لمحال، وأوجدوا فرص عمل لآخرين. والمثال نفسه للمحال التي أصبحت شاغرة في الصناعية. وكذلك يطبق ذلك في أسواق مثل سوق العويس أو مركز طيبة وغيرهما، يتم إيجاد منتج خصيصاً للذين يستهدفون هذه الأسواق فيتملكون محالاً.
لا بد من أن نشير إلى أن للتمويل الأصغر طبيعة خاصة، فهو يحتاج إلى جهود فكرية كبيرة ومتابعة حثيثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.