سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المستشار محمد فؤاد جادالله: مرسى لم يكن يثق فى المجلس العسكرى واستغل أول فرصة للإطاحة به بعد مذبحة رفح.مذكرات المستشار القانوني للمعزول تروي قصة الإطاحة بطنطاوي وعنان.
فى الجزء الأول من ملفها الخاص بمناسبة مرور عام على إصدار الرئيس السابق محمد مرسى للإعلان الدستورى فى 22 نوفمبر 2012، نشرت «الشروق» تفاصيل جديدة من اعداد محمد بصل عن طريقة صياغة وأسباب وضع مواد هذا الإعلان، والأحداث التى تبعته حتى إلغائه جزئيا والمحافظة على ما ترتب عليه من آثار، وهى تفاصيل كانت كفيلة بشرح طريقة اتخاذ القرار داخل مؤسسة الرئاسة فى عهد الإخوان عندما يتعلق الأمر بإعلان دستورى كهذا. وفى الجزء الثانى، تنشر «الشروق» مقتطفات تنشر للمرة الأولى من المذكرات الخاصة بالمستشار محمد فؤاد جادالله، المستشار القانونى السابق للرئيس السابق محمد مرسى، والذى استمر فى منصبه منذ 2 يوليو 2012 وحتى 23 أبريل الماضى عندما تقدم باستقالته لمرسى. هذه المقتطفات تروى تفاصيل مهمة عن الأزمات القانونية التى شهدتها 150 يوما هى الأولى من عهد مرسى، وكيف ولدت فكرة إصدار الرئيس المدنى المنتخب للبلاد إعلانات دستورية، كما تكشف الأسباب التى دفعت مؤسسة الرئاسة إلى المخاطرة وخوض هذه المعارك القانونية المتوالية منذ إصدار قرار عودة انعقاد مجلس الشعب المنحل بموجب القرار الجمهورى رقم 11 لسنة 2012 الصادر فى 8 يوليو والذى ألغته المحكمة الدستورية العليا بعد أقل من 72 ساعة، ثم إصدار الإعلان الدستورى الأول فى 11 أغسطس والذى ألغى الإعلان الدستورى المكمل الذى سبق أن أصدره المجلس العسكرى فى 17 يونيو 2012. وكانت فترة الشهور الخمسة الأولى من حكم مرسى قد شهدت جدلا قانونيا واسعا حول أحقيته فى إصدار إعلانات دستورية، وانقسم الفقهاء الدستوريون حول هذا الأمر، فأيده البعض وعلى رأسهم المستشاران حسام الغريانى وأحمد مكى، وعارضه المستشار طارق البشرى، الذى كان يرى بطلان أى إعلان دستورى صدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو الرئيس المنتخب بعد انتخاب البرلمان وتشكيله، وأن إصدار الرئيس للإعلانات الدستورية يعتبر «انقلابا سياسيا وحكما بشرعية الأمر الواقع وليس الشرعية التى جاء بها رئيسا». وتكشف لنا المقتطفات التالية من مذكرات جادالله المبررات القانونية والسياسية التى اندفعت بها رئاسة الجمهورية فى مطلع عهد مرسى إلى أتون هذا الجدل، الذى تكلل فى النهاية بإصدار إعلان 22 نوفمبر الذى نال انتقادات واسعة وأدى لأزمة سياسية طاحنة. كيف ولد الإعلان الدستورى الأول؟ بعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز الدكتور محمد مرسى، مرشح حزب الحرية والعدالة، برئاسة الجمهورية، اتصل بى يسألنى المشورة فى أمر قانونى لم يكن مرتاحا إليه، وهو أداء اليمين الدستورية لتولى الرئاسة فى المحكمة الدستورية العليا بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى 17 يونيو 2012 عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما كنت وما زلت أصفه ب«المكبل وغير الشرعى». وكانت علاقتى المباشرة بمرسى قد بدأت فى اجتماعات فيرمونت الشهيرة بين مرسى والإخوان من جهة والتيارات والشخصيات الثورية.. كنت واحدا من هؤلاء الذين رأوا أن مساندة مرسى والإخوان فى هذه المرحلة خيار وحيد للمضى بمصر والثورة إلى الأمام، وحتى لا تقع الثورة فريسة للمسار الآخر الذى كان يقوده المرشح المنافس لمرسى الفريق أحمد شفيق، والذى لم يكن يعنى إلا العودة لعصر مبارك وإجهاض أهداف 25 يناير. كان مرسى يخشى أن يكون فى أداء اليمين اعتماد أو اعتراف بإعلان 17 يونيو، فطلب منى رأيا مكتوبا فى هذه المسألة، فأرسلت له قائلا: «إننا الآن أمام أمر واقع هو أن إعلانا دستوريا صدر ولكى تحصل على الشرعية رسميا يجب أن تعترف به ثم تصرف كما تشاء لتحقيق أهداف الثورة.. فيجب أن تؤدى اليمين أمام «الدستورية».. ويمكنك أن تؤديه أمام غيرها إن أردت». وبالفعل أدى الرئيس المنتخب اليمين فى ميدان التحرير ثم فى المحكمة الدستورية ثم فى جامعة القاهرة، وقد أدى هذا إلى تقليل أهمية الحلف فى المحكمة إعلاميا وأمام الرأى العام. تولى مرسى السلطة، ولم تكن هناك ثقة متبادلة بينه وبين المجلس العسكرى.. خاصة أنهم كانوا بعد الانتخابات فى أضعف حالاتهم، وثقة الشارع بهم متضائلة إلى حد بعيد، وهو فى أقوى درجات شعبيته، وهذا الميزان المتبادل للقوى بين الرئيس والمجلس العسكرى دفع فى اتجاه إصدار الإعلان الدستورى فى 11 أغسطس. فمنذ صدور الإعلان الدستورى «المكبل» كنت معترضا عليه لأكثر من سبب، أبرزها لأنه جاء وكأنه يستقرئ نتائج الانتخابات وافترض أن تيارا معينا هو من سيحكم، وهو بالمناسبة يعبر عن قراءة جيدة من المجلس العسكرى للمشهد السياسى، فقد كان يهدف ل«تكبيل» الرئيس القادم لمصلحته أيا كان هذا الرئيس، وكان سيضمن خروج دستور يعبر عن مصالح معينة دون أن يتحدث أحد على عكس ما تم فى الجمعية التأسيسية وبدا المجلس العسكرى وكأنه يريد إبقاء نفسه فى السلطة لأطول فترة ممكنة. ويمكن إجمال النقاط التى ألقت بظلالها على الرئيس المنتخب فى إعلان 17 يونيو فى التالى: استمرار التشريع فى يد المجلس العسكرى رغم عدم صلاحيته تشريعيا أو فنيا، لأنه ليس سلطة منتخبة. عدم نقل هذه السلطة للرئيس المدنى المنتخب الذى من الطبيعى دستوريا وحتى بموجب إعلان 30 مارس أن يتولى هذه السلطة فى غياب مجلس الشعب. تحصين المجلس العسكرى. استمرار المجلس العسكرى متحكما فى تشكيل الجمعية التأسيسية بشكل ما فى ظل الرئيس المنتخب. كل هذا كنت أشعر ببطلانه ومجافاته للمنطق، ومن هنا كان إصرارى على إلغائه أو تعديله، وكان هذا الأمر هو أول ما عملت عليه فور تولى مسئولية المشورة القانونية للرئيس المنتخب محمد مرسى فى 2 يوليو. فعملت من اليوم التالى على إعداد 3 مشروعات لإعلان دستورى بناء على قناعة بأنه يجوز للرئيس المنتخب إصدار إعلانات دستورية فى غياب الدستور. ورؤيتى الخاصة التى أتمسك بها حتى الآن أنه فى ظل عدم وجود دستور، فإنه يجوز لرئيس الجمهورية أن يصدر إعلانات دستورية، وقد تم هذا بالفعل بالنسبة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى لم يكن منتخبا ورغم ذلك تولى سلطة الرئيس والبرلمان وأصدر إعلانا دستوريا فى 30 مارس، وأصبح من باب أولى أن تكون هذه الصلاحية متوافرة للرئيس المدنى المنتخب فى انتخابات نزيهة وديمقراطية. المشروعات الثلاثة كانت تركز على إلغاء الإعلان الدستورى الصادر فى 17 يونيو وإسناد سلطة التشريع لرئيس الجمهورية بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس والذى كان يؤدى كل سلطات المجلس العسكرى إلى الرئيس المدنى المنتخب، وأن يكون من حق الرئيس تشكيل الجمعية التأسيسية فى غياب مجلس الشعب إذا صدر حكم قضائى بحل الجمعية. كما هدفت إلى أن يكون من حق الرئيس تعيين المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، ولم يكن يدور بذهنى حينها أن تتم الإطاحة بأكبر أعضاء المجلس العسكرى، ولم يكن الهدف الإطاحة بالمشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان، بل كانت الغاية أن يمارس الرئيس دوره الطبيعى دستوريا ويتحرر من القيود. وكان المشروع الأول عبارة عن إعلان من مادة واحدة بإلغاء إعلان 17 يونيو. والمشروع الثانى عبارة عن إعلان بتعديل مواد إعلان 17 يونيو على النحو السابق ذكره. والمشروع الثالث عبارة عن إعلان يغلق جميع الثغرات ولا يحتاج إصدار أى إعلان آخر، وهو الذى صدر بالفعل، ويتضمن إلغاء إعلان 17 يونيو، وإسناد جميع اختصاصات المجلس العسكرى المنصوص عليها فى المادة 56 من إعلان 30 مارس للرئيس، وأخيرا تنظيم تدخله لتشكيل جمعية تأسيسية جديدة خلال 15 يوما إذا حدث ما يمنع استمرار الجمعية الحالية، التى كان مطعونا عليها أمام القضاء. عرضت المشروعات على الرئيس يوم 5 يوليو، فاستقبلها بمزيج من الحماسة والسعادة والتخوف وبعض المحاذير السياسية فى الوقت ذاته، وأخذنا ندرسها على مدى الأسابيع التالية ونتحدث فى إمكانية إصداره، واستشار الرئيس حزبه فيه، وطلب منى استشارة آخرين من القانونيين أيضا. وعقب «مجزرة رفح الأليمة» التى وقعت فى 5 أغسطس، شعر الرئيس ومن خلفه الإخوان أن موازين القوى تغيرت تماما، وأن قيادة الجيش فى حاجة إلى التغيير، وأن قيادات المجلس العسكرى فى أضعف حالاتهم وأدنى مستويات شعبيتهم على الإطلاق، فكانت هذه الفرصة المواتية لإصدار هذا الإعلان، حيث تم ذلك بعد نحو أسبوع فقط. ففى مساء يوم 11 أغسطس اتخذ الرئيس قرارا سياسيا بإصدار الإعلان الدستورى، وتغيير وزير الدفاع وإحالة طنطاوى وعنان إلى التقاعد، وفى صباح اليوم التالى دعا 4 شخصيات إلى قصر الاتحادية.. طنطاوى وعنان والمستشار محمود مكى، الشخصية المختارة لمنصب نائب رئيس الجمهورية، واللواء عبدالفتاح السيسى، مدير المخابرات الحربية، المختار لتولى منصب وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة. وبموجب ترتيبات أمنية وسياسية أيضا، حضر طنطاوى وعنان أولا وأجلسا فى صالون انتظارا لمقابلة الرئيس، ولم يكونا يعلمان إطلاقا بالقرارات أو طبيعتها، لا سيما أن لقاءات الثلاثة كانت شبه يومية لمتابعة الموقف العسكرى والأمنى بعد مجزرة رفح. ثم حضر مكى وأدى اليمين، وحضر بعده السيسى وأدى اليمين وتحرك إلى مقر عمله. لم يتم احتجاز طنطاوى أو عنان أبدا، بل تم إخفاء الأمر عنهما لحين إتمامه، ثم دخلا إلى مكتب الرئيس فى لقاء لم يحضره إلا الثلاثة، وأبلغهما الرئيس بالقرار، وكانت المفاجأة كبيرة ومحزنة لهما.. وغير متوقعة على الإطلاق. وقد علمت فيما بعد أن طنطاوى وعنان خرجا من لقاء مرسى وهما لم يحسما أمرهما بقبول الوضع الجديد أو معارضته، واتخذا قرارهما بالتنفيذ بعد قياسهما موازين القوى بين القيادة العسكرية والرئيس المنتخب آنذاك، وكانت آخر مرة يدخلان فيها قصر الاتحادية عند تكريمهما يوم الثلاثاء 14 أغسطس. لم يعترض أحد على إعلان أغسطس لأنه كان على هوى الشارع، وهذا يكشف تناقض تقييم الناس للأمور، لأن أصواتا قليلة جدا تحدثت آنذاك عن عدم أحقية الرئيس فى إصدار إعلان دستورى، على عكس ما حدث بعد ذلك فى إعلان 22 نوفمبر، رغم أن الآلية واحدة، ورغم غياب البرلمان فى المرتين، بل إن المرة الأولى أصعب نظريا لأن المجلس العسكرى كان باقيا كجزء من السلطة وبيده صلاحيات التشريع. الصدام الأول مع «الدستورية» بقرار عودة البرلمان خلال الأسبوع الأول من عملى برئاسة الجمهورية جمعت بينى وبين الرئيس مناقشات كثيرة حول أهمية عودة مجلس الشعب للانعقاد، والمضى قدما فى تطبيق الجانب الصحيح من حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى 14 يونيو 2012 بحل مجلس الشعب، والمتمثل فى بطلان النصوص المنظمة لانتخاب الثلث الفردى وعدم اقتصاره على المستقلين مقابل اقتصار الثلثين المخصصين للقوائم على مرشحى الأحزاب. كان الإخوان يعتبرون أن المحكمة الدستورية متربصة بهم، وتحديدا منذ صدور هذا الحكم، وقد ألقى هذا الأمر ظلاله على جميع الأحداث التالية خلال عهد محمد مرسى. ولا أنكر أن هناك أخطاء متبادلة، فحكم «الدستورية» بحل مجلس الشعب فى 14 يونيو هو باطل وغير صحيح فيما نص عليه من حل المجلس، لأن المحكمة من حقها أن تبطل بعض مواد قانون الانتخاب، ولكن ليس من حقها أن تتجاوز ذلك وأن تحل نفسها محل إرادة الناخبين وتبطل مجلس الشعب كاملا، وكأنها محكمة موضوعية.. هذه سابقة لم تحدث فى العالم، فالمحاكم تترك عادة للبرلمان سلطة تعديل القانون وتحديد أثر الحكم. وقد وضعت المحكمة العليا فى بلجيكا عام 2003 فى قضية مماثلة مبدأ مهما هو أن إرادة الناخبين تصلح ما شاب القانون من بطلان. أكدت للرئيس أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا محدد فى النظر فى مدى دستورية القوانين واللوائح دون إمكانية إلغائها أو تجاوز ذلك للقضاء بحل البرلمان من عدمه، فحكم الدستورية يتوقف عند القضاء بعدم دستورية نصوص المواد فقط ويترتب عليه عدم جواز تطبيق المواد المقضى بعدم دستوريتها أى وقف العمل بها فورا ويلتزم الجميع بعدم اعمال هذه المواد المقضى بعدم دستوريتها. ولم نكتف برأيى الشخصى فقط، بل استشرنا عددا كبيرا من الفقهاء على رأسهم المستشاران حسام الغريانى، أحمد مكى، محمد أمين المهدى، د.عاطف البنا، ود.ثروت بدوى، وكانت لهم رؤى ووجهات نظر مختلفة، استمع لها الرئيس بعناية. وحاولت دعوة المستشار طارق البشرى لهذه الجلسة إلا أنه اعتذر وقال إن آراءه القانونية فى النقاط محل الجدل منشورة ومعلنة. وبعدها أخذنا نفاضل بين الآراء المختلفة بناء على عدة معايير أهمها على الإطلاق إبراز احترامنا لإرادة الناخبين، ولم نكن نفكر نهائيا أن تكون عودة مجلس الشعب سبيلا لإصدار قانون تحصين الجمعية التأسيسية ومعايير تشكيلها، أو التخلص من المجلس الأعلى للقوات المسلحة كسلطة تشريعية بموجب إعلان 17 يونيو، لأن مرسى كان مطمئنا من هذه الناحية، فهو صاحب القرار الأخير فى إصدار القوانين من عدمه، وكان بإمكانه إيقاف أى قانون لا يرضى عنه. ولعل ما يثبت احترامنا لحكم «الدستورية» أيضا هو أن القرار كان يتضمن نقطة لم تنل حظها من الشهرة الإعلامية هى إجراء انتخابات مبكرة لمجلس الشعب، وكانت النية تتجه فعلا إلى أن يعدل المجلس قانون الانتخاب وفقا لحكم «الدستورية» ثم تجرى الانتخابات البرلمانية فور إقرار الدستور الجديد، وليس الانتظار لحين إتمام مدة المجلس المقدرة بخمس سنوات. توتر العلاقة بين الإخوان والقضاء مقدمة إعلان نوفمبر ولقد أدى انعقاد المحكمة الدستورية بشكل طارئ لنظر دعوى إلغاء قرار عودة مجلس الشعب، إلى تفاقم حالة انعدام الثقة المتبادل بين الإخوان من جهة وجميع مؤسسات القضاء من جهة أخرى. هذه الحالة لعبت دورا أساسيا فى دفع الرئيس للاقتناع بإصدار الإعلان الدستورى الذى تسبب فى الأزمة السياسية الطاحنة يوم 22 نوفمبر، وتضمينه المادتين 2 و5 الخاصتين بتحصين قرارات الرئيس وإعلاناته الدستورية ومنع جميع المحاكم من نظر دعاوى بطلان الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، وهما المادتان اللتان أعلنت معارضتى لهما منذ البداية وقبل صدور الإعلان رسميا، وحذرت من أنهما سيسببان انقساما فى الشارع. ولقد مرت علاقة الإخوان بالقضاء بالعديد من المحطات، فرغم أن معظم أحكام القضاء الإدارى فى قضايا الانتخابات قبل ثورة يناير كانت تصب فى مصلحة مرشحى الجماعة، إلا أن المحاكم الابتدائية غير المختصة كانت توقف تنفيذ هذه الأحكام. وجاء حكم حل الجمعية التأسيسية الأولى فى 10 أبريل 2012 ثم حكم حل مجلس الشعب ليشعر التيار الإسلامى بأن القضاء متربص به، وحاولت مرارا أن أؤكد لقيادات هذا التيار عدم وجود أى تربص من القضاء بهم، إلاّ أن خوض بعض القضاة فى السياسة وإعلان خصومتهم الفكرية مع الإسلاميين كان يمنح فرصة أكبر لمدعى نظرية التربص. ولذلك، فمنذ حددت المحكمة الدستورية جلسة 2 ديسمبر لنظر دعويى حل مجلس الشورى وبطلان قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية، ساد اعتقاد فى أوساط قصر الرئاسة وحزب الحرية العدالة والأحزاب المتحالفة معه بأن المحكمة سوف تحل المجلس والجمعية فى جلسة واحدة. ورغم أنه كان من المستحيل من الناحية القانونية أن تصدر المحكمة الدستورية حكما بحل الجمعية التأسيسية، لأن القضية المعروضة عليها كانت بشأن قانون المعايير فقط، ولأنها شكلت وفقا للمادة 60 من إعلان 30 مارس ولأن هذه المادة منحت سلطة التشكيل خالصة لأعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين بمنأى عن أى سلطة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، إلا أن المناخ السائد فى دائرة الحكم كان رافضا لأى محاولات للطمأنة، وتسيطر عليه فكرة تكرار سيناريو 14 يونيو. كما كانت هذه العلاقة المتوترة سببا فى تكرار مطالبة الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها الإخوان للرئيس مرسى بالتدخل لتمرير مشروع متكامل لخفض سن تقاعد القضاة. بادر الرئيس لسؤالى عن رأيى فى ذلك، فقلت له «إن هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذه القرارات، رغم أن هذا مطلب قديم لشباب القضاة كنا نرفعه فى الظروف العادية، لكنى لن أقبله منك، وسيعتبره كل الوسط القضائى تدخلا فى شئونهم ورغبة فى السيطرة على هذه السلطة كاملة». واقتنع الرئيس فعلا بوجهة نظرى، خاصة بعدما أوضحت له خطأ وعدم معقولية ادعاء بعض مروجى هذا المشروع بأن كل من هم فوق سن معينة فاسدون أو معادون للثورة.