في وقت تحسم المحكمة الدستورية العليا في مصر اليوم مصير قرار الرئيس محمد مرسي إعادة البرلمان تزامناً مع استئناف جلساته بناء على دعوة من رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني، كشف قيادي بارز في جماعة «الإخوان المسلمين» أن قرار مرسي «كان متفقاً عليه بين الرئيس وقادة الجيش». وقال ل «الحياة» القيادي «الإخواني» القريب من الرئاسة: «طالبنا المجلس العسكري باستصدار القرار، لكنهم فضلوا أن يخرج من الرئاسة». وأضاف أن «القرار سيمرر بليونة بعد هدوء العاصفة وكل الأطراف ستتعايش معه». وبدا تأكيد المصدر منسجماً مع رد الفعل الهادئ للمجلس العسكري على القرار وكذلك الوئام الذي ظهرت عليه علاقة مرسي ورئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي خلال عرض عسكري حضره الرئيس أمس، وتبادلا خلاله حديثاً ودياً تخللته ضحكات قبل ان ينضم إلى الحديث رئيس حكومة تسيير الأعمال كمال الجنزوري. وعلى صعيد المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة والفريق الرئاسي، علمت «الحياة» ان رئيس المصرف المركزي السابق محمد أبو العيون ونائب رئيس مجلس إدارة «البنك التجاري الدولي» هشام رامز مرشحان بقوة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، وان مرسي يفاضل بينهما. واعتبر مصدر من «الإخوان» مطلع على المناقشات أن «المرحلة المقبلة تحتاج إلى رجل اقتصادي بلا ميول سياسية، وهي أمور تصب في مصلحة أبو العيون ورامز»، مؤكداً أن «الحكومة الجديدة سيغلب عليها التكنوقراط، وليست الانتماءات السياسية». ولفت إلى «اتصالات أُجريت بين الرئيس ومقربين منه مع المرشح السابق للرئاسة الديبلوماسي المخضرم عمرو موسى لتولي منصب نائب الرئيس للشؤون الخارجية». ويأتي ذلك في وقت تحسم اليوم المحكمة الدستورية مصير قرار إحياء البرلمان، عندما تنظر في دعاوى أقامها مواطنون أمامها أمس للمطالبة بوقف تنفيذ القرار الجمهوري بعودة مجلس الشعب الذي كانت المحكمة قضت بحله. وطالب مقيمو الدعاوى بالاستمرار في تنفيذ حكم حل مجلس الشعب. وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدر قراراً بحل مجلس الشعب منتصف الشهر الماضي، تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مواد في قانون ينظم انتخابات البرلمان، قبل أن يلغي الرئيس أول من أمس قرار المجلس العسكري ويقرر عودة البرلمان لاداء عمله في شكل موقت، حتى كتابة الدستور وإجراء انتخابات برلمانية بعد ستين يوماً من الاستفتاء الشعبي عليه. وقال مصدر في «الإخوان» إن «قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب للانعقاد أستند في حيثياته إلى كون المحكمة الدستورية تجاوزت اختصاصها لدى إصدارها حكم الحل، إذ أن المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية تنص على أن سلطة المحكمة تقتصر على الحكم ببطلان النصوص القانونية أو تأييد صحتها ولا تمتد سلطتها إلى تنفيذ القرار، كما استند إلى المعاهدات الدولية التي وقعتها مصر والتي تحصن المجالس التشريعية المنتخبة وتمنع تغول السلطة القضائية عليها، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يسمح للشعوب بتبني نظم انتخابية خاطئة طالما أن تلك إرادتها». وكان جنرالات الجيش عقدوا سلسلة من اللقاءات مع قيادات في جماعة «الإخوان» أبرزهم رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني، كما عقد طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان لقاءين مع مرسي منذ تنصيبه. ويبدو أن القرار الأخير كان محصلة لهذه اللقاءات. ولمح القيادي «الإخواني» الذي تحدث إلى «الحياة» أمس إلى «إمكان تجميد الإعلان الدستوري المكمل الذي كان أصدره المجلس العسكري منتصف الشهر الماضي مع الابقاء على سيطرة المجلس العسكري على الشؤون العسكرية لحين خروج الدستور الجديد إلى النور». وكان المجلس العسكري عقد اجتماعاً طارئاً مساء أول من أمس بعد ساعات من قرار مرسي بإعادة مجلس الشعب إلى العمل، لكن الاجتماع لم يخرج بموقف، ما زاد من التكهنات. وقلل حضور مرسي لحفلي تخريج دفعتين جديدتين من طلبة المعهد الفني للقوات المسلحة والكلية الفنية العسكرية في حضور طنطاوي وعنان اللذين جلسا إلى جانبه من الحديث عن احتمال صدام. وبدا أن الجيش ترك الأمر لساحات القضاء في ظل سيل من الدعاوى القضائية التي تقدم بها محامون أمس للطعن في قرار إحياء البرلمان مجدداً. واعتبر عضو مجلس الشعب القريب من المؤسسة العسكرية مصطفى بكري أن حضور مرسي وطنطاوي للعرض العسكري أمس يشير إلى أن «الطرفين راضيان بقرار عودة البرلمان». وقال ل «الحياة» إن «صمت الجيش يضع علامات استفهام كثيرة». واستبعد زعيم كتلة «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، في مجلس الشعب حسين إبراهيم أن يحدث صدام بين الرئيس والمجلس العسكري. وقال إن حزبه «يحترم احكام القضاء ويتعهد تنفيذها»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن قرار مرسي «نابع من صلاحياته ولا يوجد أي تعد على حكم المحكمة الدستورية العليا». ورغم أن المحكمة الدستورية عقدت أمس اجتماعاً، إلا انها لم تخرج بقرار حاسم، وان اكتفت بالتأكيد في بيان لها أن «أحكامها ملزمة لكل جهات الدولة». لكنها لم تتطرق إلى صحة قرار عودة البرلمان من عدمه، مؤكدة أنها «ليست طرفاً في أي صراع سياسي». وأضافت المحكمة في البيان أن «عدداً من ذوي الشأن وأصحاب الصفة اقاموا منازعات» أمامها لوقف تنفيذ قرار مرسي باستعادة مجلس الشعب لسلطاته التشريعية وانها «ستفصل» في هذه المنازعات «تطبيقاً للقانون». وشدد البيان على أن «أحكام المحكمة وكل قراراتها نهائية وغير قابلة للطعن بحكم القانون، وهذه الأحكام في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة»، علماً أن مقربين من مرسي يؤكدون أنه التزم بقرار المحكمة عندما أكد في القرار أنه سيجري انتخابات لمجلس الشعب عقب الاستفتاء على الدستور. وشددت المحكمة الدستورية على أنها «ماضية في مباشرة اختصاصاتها التي عقدها الدستور لها وفي مقدمها أنها تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح». وقالت إنها «كما سبق أن فعلت مراراً، ليست طرفاً في أي صراع سياسي مما عساه أن يثور بين القوى السياسية، ولا شأن لها بما تتخذه هذه القوى من مواقف أو تتبناه من آراء، وإنما تظل حدود نطاق مهمتها المقدسة هي حماية نصوص الدستور ودرء أي عدوان عليها أو انتهاك لها». وأوضحت المحكمة أن «عدداً من الشخصيات السياسية تقدم (أمس) بدعاوى تطالب بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية (باستعادة البرلمان لصلاحياته) وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا» بحل مجلس الشعب. وأكدت أنه «إعمالاً لحكم المادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا، تفصل المحكمة من دون غيرها في كل المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها، وانه نفاذاً للقانون ستنظر المحكمة منازعات التنفيذ المقامة أمامها على النحو المقرر قانونا». وعقد المجلس الأعلى للقضاء اجتماعاً أمس خرج بعده ليؤكد في بيان أنه «لما كان هذا الأمر (عودة البرلمان) يتصل بشأن من شؤون القضاء، فإن المجلس يتدارس حالياً تداعيات هذا القرار من كل جوانبه وسيصدر القرار المناسب في حينه». وحددت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار عبدالسلام النجار نائب رئيس مجلس الدولة جلسة اليوم للنظر في 17 دعوى قضائية تطالب ببطلان قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب. وبين مقيمي هذه الدعاوى النائب اليساري أبو العز الحريري والمحامون وائل حمدي وإبراهيم فكري والروبي جمعة وعاصم قنديل ونبيل غابريال ومحمد عامر حلمي وأشرف مصيلحي. وأكد محركو الدعاوى أن «هذا القرار خالف حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب، وأن قرار الدكتور مرسي يعد انتهاكاً لدولة القانون والدستور التي أقسم عليها عند أدائه اليمين الدستورية، وانتهاكاً لنص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية والتي أكدت أن أحكام المحكمة ملزمة لجميع سلطات الدولة». إلى ذلك، عاد صباح أمس أعضاء مجلس الشعب إلى قاعته للمرة الأولى منذ 15 تموز (يوليو) الماضي عندما أصدر المجلس العسكري قرار تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان المجلس. وسمح حرس المجلس للنواب بالدخول بعد تلقي الأمانة العامة للبرلمان قرار مرسي بعودة المجلس إلى الانعقاد ودعوة الكتاتني إلى انعقاده اليوم. وأوضح الكتاتني أن جلسة اليوم «ستدرس كيفية تطبيق منطوق حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب المتعلقة بمزاحمة الحزبيين على المقاعد الفردية». وأعلن أنه سيكلف لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية «تقديم تصوراتها القانونية والدستورية في شأن كيفية تنفيذ منطوق الحكم والحيثيات المرتبطة به في ضوء قرار الإحالة من محكمة الموضوع على المحكمة الدستورية العليا».