في مقالة ظهر فيها العطف على المساكين والدعوة لترشيد المال والمحافظة على الممتلكات كتب عبده خال في زاويته بصحيفة عكاظ مقالة دينية استثنائية تحتوي على الدعاء والنصيحة وعدم الإسراف مهديها إلى الشيخ عائض القرني الذي وضع جائزة المليون ريال لمن جارى قصيدته إلا أن هذا الفعل من القرني لم يرق لخال الذي عد هذا الشئ من التبذير . ونص المقال هو : ما في داعي.. يا محمد عبده عندما كتب سعيد عقل قصيدته الرائعة (غنيت مكة) وهو مسيحي الديانة لم يقل أن لا أحد سيكتب مثلما كتبت، ولم يضع جائزة بمليون ريال لمن يجاريه في نهجه، فالتغني بحب الله عز وجل ليس مقتصرا على أتباع ديانة دون بقية الديانات السماوية وليس محصورا على من امتلك ناصية الكلام، فهناك غناء وترتيل دائم بهذا الحب على ألسنة البشر والشجر والحجر.. «وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم». والشيخ عائض القرني شغل الناس بقصيدته التي سينشدها الفنان محمد عبده والتي أراد من عنوانها أن يخرس الألسن المعترضة على فنية القصيدة. ولو أردنا إخضاعها للنقد الأدبي بعيدا عن مضامينها الدينية فلن تستطيع تلك القصيدة أن تتجاوز وصفها بالنظم وتهاويها في رحاب الشعر، فهي قصيدة تفتقر لروح الشعر وأخيلته وصوره الجمالية غير المستنسخة أو المستهلكة، أو المكررة، والعرب حين تزن الشعر لا تزنه بميزان النية بل تزنه بميزان الجدة والتحرر من الصور البالية، وتقييم الشعر من باب صادق المشاعر لا يقيم قصيدة، فليس كل صادق مشاعر شاعرا، ولا يستطيع كل صادق أن يكتب قصيدة تحرك الوجدان ما لم يكن شعره قادرا على حمل صدقه إلى مرتبة وهج الشعر. ولو كنت في مكان الفنان محمد عبده لرفضت غناء أو إنشاد مثل قصيدة الشيخ عائض لأنها قصيدة لا ترتقي لمستوى الشعر، والفنان محمد عبده ليس بالفنان الغر الذي يسيل لعابه بعرض صحن حلوى لم يطه جيدا، فإن كان محمد مقدما على الإنشاد فعليه أن يختار الكلمات التي تهز الوجدان من خلال القصائد الشعرية الحقة وليس من خلال نظم لا يبتعد كثيرا عن الكلمات التي يمكن أن تقال من أي ناظم يجيد وزن القصيدة لكنه لا يجيد شعرية القصيدة. وهذه نصيحة محب لمحمد عبده فليس كل قصيدة شعرا، ومحمد بحاجة إلى قصيدة كقصيدة غنيت مكة (مكبلهة) تبقي ترنيماته مدى الدهر كصوت يحيي الروح النائمة في غفوتها وهو ليس بحاجة لأن ينشد كلاما صادقا في جانب وميت الروح في جانب آخر. أما جائزة المليون ريال التي وضعها الشيخ عائض فإني أسجل استغرابي لضخامة المبلغ، فإن كان الواهب لهذه الجائزة هو الشيخ نفسه فأقول ما شاء الله تبارك الله، وأدعو للشيخ بزيادة الرزق وأن يفتح الله على عبيده كما فتح الله عليه، فمن يتبرع بمبلغ مليون ريال كجائزة فهذا يعني أن المليون ريال من فائض المتاع، فلو توجه الشيخ بتكوين لجنة للبحث عن فقراء المسلمين وسد حاجتهم لكان أجدى من تكوين لجنة لتقييم الشعر وإعطاء الشعراء الذين يجارون قصيدته ذاك المليون (والذي لن يكون مقطوعا بالضرورة).. فمليون ريال من الممكن أن يسد جوع ألف أسرة لا تجد كسرة خبز تسد رمقها، هذا إذا أعطيت كل أسرة ألف ريال، أما إذا أعطيت وحبة فقط بعشرة ريالات، فالمليون ريال سيشبع بطن مائة ألف أسرة سيحسون بها بدلا من إحساسهم بقصيدة ميتة لن تبقى طويلا حتى وإن أنشدها الفنان محمد عبده.