انقسم حضور ورقة العمل "ثقافتنا إلى أين؟ جدلية المحافظة والانفتاح" التي قدمها رئيس قسم الرياضيات في جامعة حائل الدكتور عبدالله البطي بنادي حائل الأدبي الأحد المنصرم بين مرحب بالليبرالية إن كانت حريتها "منضبطة"، وقابل بالاختلاف والوسطية للبعد عن التطرف، ومحذر من قراءة كتب تشارلز ديكنز، ومتهم لمعد الورقة بمغازلة التيار المحافظ والتيار المنفتح وأنه سعى لتحسين صورة نادي حائل الأدبي. وبدأت الورقة التي قدمها البطي وأدارها سالم الأحمدي بالتأكيد على أن الثقافة تبدو كنوع من الرأسمال الحضاري والروحي يكون المجتمع مستودعه، والدولة حارسه، والمثقفون أبطاله، والناس المستفيدين منه. ووصف البطي السجال بأنه يخفي في ثناياه صراعا يطفو على السطح أحيانا، ويتدثر بالمناورة أحيانا أخرى. وتابع: أصبح فعل التأمل لهذه القضايا أكثر إلحاحا في وقت يشهد بذور صراع متنام، مشيرا إلى أن الساحة لم تخلُ لتياري المحافظة والانفتاح، بل برز هناك تيار ثالث، قد يكون ردة فعل لمؤيدي هذين التيارين، وقال: ثمة فريق من المثقفين يرتؤون منحى وسطا بين الفريقين. وقدم البطي رؤيته حول الفريقين قائلا: لقد رأى التيار المحافظ ما آلت إليه الأمور في بلدان أخرى انفتحت على الغرب فأصابها الانحراف في عقيدتها وفي أخلاقها، فتوصل إلى أن أهم أسباب انحرافها هو انفتاحها على الغرب، وفتح الباب على مصراعيه لمنتجه الفكري والأخلاقي، وتوصلت إلى أنه يصعب غلق هذا الباب إذا تم فتحه، فالأولى إبقاؤه موصدا. وعرض البطي مآخذ تيار الانفتاح على التيار المحافظ ومنها الميل إلى رفض الجديد، والمبادرة إلى تحريم كل ما هو قادم من الخارج، وليس لديه إلا آلية الممانعة ومقاومة التغيير، وتضخيم باب سد الذرائع حتى أصبح سدا أمام المباح وادعاء النزاهة وتخوين الآخرين وتجريمهم والشدة والغلظة في التعامل قد تصل إلى الغرور والكبر وممارسة النقد للغير، وعدم تطبيقه على ما عندهم من أخطاء، وتضخيم الخطاب الوعظي, وميله إلى التهويل والعناية بالشكليات وإهمال الجوهريات. أما مآخذ التيار المحافظ على تيار الانفتاح فحددها البطي فيما سماه القفز على المبادئ والقيم الإسلامية، وتجاوز الخطوط الحمراء، وانتهاك المصطلحات الشرعية، وسوء الأدب مع الله, والعدوان على جلاله وعظمته، والتنصل من الواجبات الشرعية قولا وفعلا ومظهرا وسلوكا، والمطالبة بالحرية بلا حدود، والدعوة إلى أنسنة النص الديني، والضرب على وتر الإنسانية ومحاولة جعله بديلا عن الهوية الدينية. ورأى البطي أن الكل ينادي بالحرية، لكنها الحرية التي هي إبداء الرأي بحثا عن الحق، لا انفلاتا منه. كما دعا البطي في ورقته للمصارحة: إذا كان التيار المحافظ يريد الانكفاء على ذاته، والانزواء عن التعامل مع من حوله، والتواري عن الأنظار فليس هو التيار الذي يمكن أن يقدم الثقافة الإسلامية التي تصلح لكل زمان ومكان. وأضاف: وإذا كان تيار الانفتاح يريد أن ينفتح على الآخر بلا ضوابط ويستجلب كل ما لديه من غث وسمين فليس هو التيار الذي سيحافظ على أسسنا وقيمنا، وليس جديرا أن يحمل رسالتنا ويضطلع بمسؤوليات أمتنا. وأكد أنه لن ينتصر التيار المحافِظ، إذا لم يعتن بالحياة وإدارتها لإقامة حضارة مدنية راقية. ولن ينتصر تيار الانفتاح إذا لم يتخذ مرجعية شرعية تؤسس لأعماله وتشرعن لمشاريعه. وبدأ مخلد عبيد المداخلات بتساؤل عن منهج الورقة والكيفية التي توصل بها مقدمها لانتقاد كل تيار؟ فرد البطي أن ما ورد من مآخذ هو ما يطرحه كل تيار عن الآخر وأضاف لقد قمت بقراءة مسحية للكتابات ولا أدعي الحصر. أما مداخلة الدكتور سليمان خاطر فجاءت عن أن استخدام مقدم الورقة لمصطلحات أجنبية ليس له ما يبرره ثم سأل عن الثقافة في العنوان هل هي العربية أو السعودية أو غيرها وقال: إن معد الورقة جاهد ليكون محايداً في طرحه فوافقه الدكتور البطي قائلا: أنا أعمل في حقل مليء بالألغام فحرصت أن أقول ما يراه كل تيار عن الآخر وهذا جهد أعتقد أنه يقدر ولم أقصد الوصول إلى نتائج بقدر ما كنت أقصد إثارة الموضوع الشائك والحدث عن الأشياء المرتبة. وتساءل نايف المهيلب عن ثقافة المصطلح مطالباً بتقييده وعن حدود مصطلح المحافظ والمنفتح والانفتاح والانغلاق وأضاف أن الاختلاف ظاهرة صحية وتساءل عن رأي البطي في وصف إبراهيم البليهد اللبرالية بأنها هي الحرية المنضبطة فرد البطي إذا كانت اللبرالية هي الحرية المنضبطة فأهلاً بها. وأوضح: المصطلح له أثره في التعاطي مع الفكرة فقد يكون الانفتاح على حق وقد يأتي بالطامة الكبرى. وفي مداخلته رأى شتيوي الغيثي أن الورقة لم تتعمق في نظرتها للمحافظة والانفتاح وحاولت إظهار الخطابين كأنهما تياران وقال: إن كل خطاب تحته عدة تيارات والذين تركوا المحافظة إلى الليبرالية تربوا على كتب التراث مثل كتب ابن تيمية وابن القيم. فعلق البطي أن كل تيار فيه أطياف متعددة وما ترمي إليه الورقة هو التشريح العام والخلوص لكلمة سواء وهذا لا يعني التماثل بقدر ما يعني التقارب. فيما ورأى سعود الشغدلي أن النادي قدم الانفتاح في هذه الورقة ثم حذر من قراءة كتب تشارلز ديكنز فرد البطي أن على الشباب أن يقرؤوا لتشارلز ديكنز وغيره من خلال مرجع ديني وأضاف لا يمكن أن نمنع، فقد خلعت كل الأبواب. وانتقد سالم الثنيان الوسطيين واصفا إياهم أنهم وعلى مر الحضارات لم يغيروا ولم يأتوا بجديد، حسب قوله مضيفا: الوسطية تكتيك ناتج من الخوف من التعبير وأن الاختلاف ظاهرة صحية. بينما اعتبر مساعد هادي الورقة مغازلة بين التيارين، وأضاف أن مقدمها حاول في طرحها تحسين صورة النادي الأدبي بحائل، فقال البطي: بل هي طرح لوجهة النظر ودعوة إلى التقارب. وأضاف أن من يهرب من الحوار ليس التيار بل بعض من يمثله ربما لنقص في العلم، ردا على متعب الهذال الذي قال: إن من يرفض الحوار، هو من بيته من زجاج، و التيار المحافظ هو من يهرب من الحوار. واقترح البطي أن ينطلق التعامل بين التيارين من المشتركات وهي كثيرة وعدم التركيز على نقاط الاختلاف فهذا الأمر هو المولد للصدام على حد قوله. وختم البطي ورقته بقوله: ما لم نصل إلى التضاد فأهلاً بالاختلاف والوسطية ليست خوفاً من التعبير لكنها رفض المنهجين المتطرفين.