الاقتصادية - السعودية رمضانيات - 9 حرية الخيار تتمحور حول ألا يمكن أن تتنبأ بما سيحصل في نتائج الخيارات. حرية الخيار تجعلنا لا نتوقع بالأكيد ماذا ستكون تصرفات الناس، ولا ردود أفعالهم إزاء أمر ما. حرية الخيار تعني أني لا أقرأ قلبك خصوصا في النواحي العاطفية، فتجد دوما المحبين يسأل بعضهم بعضا: "أتحبني حقا؟"، "أتحبيني حقا؟"، فالخيارات أمامنا أن نصدق أو لا نصدق، أو بين بين. والإسلام وجد حلا لهذه المعضلة التي تبادلها الناس من الزمن البعيد.. وهي الجملة العبقرية والمنطقية: "أشققت عن صدره؟!"، فنصدق الظاهر؛ لأننا لا نشق القلوب. ولو طبَّق سكان هذا الكوكب هذه الحكمة، أكاد أحلف أن السلام سيلف الأرضَ كما يلفها الهواء. إن حرية الخيار محسومة للبشر، فكل ما عدانا محكوم بقانون الفيزياء والعلوم. فلا خيار للخلية في أجسامنا أن تعمل غير ما تعلمه بحسب القانون الفيزيائي الذي وضعه الله بها ولن تحيد عنه.. ولا خيار أمام ذرة كربون إلا الترابط مع ذرة كربون أخرى، أو التفاعل مع ذرة أكسجين. ولأن الإنسان في الماضي ملك خيارات مفتوحة، احتجنا إلى نظام كي لا تسود الفوضى، فاختار الإنسان أن يكون عنده قانون، والقانون به مواد تنص على أوامر حتمية لا بد أن يتبعها من يخضع لسلطة هذا القانون. القوانين تحد من خياراتنا التي تؤدي إلى الشقاء والجريمة. ومن أنواع خيارات الجريمة مخالفة أنظمة المرور، فالمخالفون قتلة محتملون، أو نُذُر خطر على البشر تلهب الأسفلت.. ومع الأسف أن مجرمنا الأول الحوادث المرورية؛ لأن شقيًّا اختار أن يخالف النص القانوني. حرية الخيار من أجمل السعادات البشرية. الإنسان من دون خيارات، كمن يوضع في حجرة تضيق عليه وتضيق حتى تعصره، فكان مُهمًّا أن يحفظ القانونُ المساحاتِ المرنةَ للناس كي تتعدد الخيارات أمامهم، ويختارون ما يشاؤون من دون أن تمنعهم السلطة، بشرط ألا تكون خياراتهم فيها تعدٍّ على آخرين، أو مَسٌّ بأمن المجتمع. وكنت أقول إن الحتمية؛ أي القدرة على التنبؤ الدقيق، من صفات الفيزياء، ولم أكن دقيقا، فحتى في علم الفيزياء ليست كل المظاهر حتمية. فالنظرية الكمية، أو الكوانتم نظام فوضوي عجيب، يخالف ويختلف عن كل ما عرفته العقول العلمية من قوانين ثابتة، ونظريات مثبتة؛ يعني أن عالم الفيزياء لا يمكنه التنبؤ بما سيكون بعلم الكوانتم، والكوكب الصغير بلوتو لا يتبع مدارا منتظما دقيقا كما هو حال باقي الكواكب في مجموعتنا الشمسية، فيستحيل تنبؤ ما سيؤول إليه بعد أحقاب وأحقاب. أؤمن لو طبَّقنا في خياراتنا قوانين الكون الرياضية ومنطقه الفيزيائي الذي وضعه الله على شؤون حياتنا وطرائق تفكيرنا لقادتنا إلى أفضل النتائج. مَنْ غَيَّر العالم ليسوا النمطيين الذين يخضعون لنظام معين صارم، بل الذين ثاروا على نظام متبع رأوه خطأ وأتوا بأنظمة جديدة أرقى، كالرسل والأنبياء والمصلحين. والعلماء الذين ثاروا مثل كوبرنكس وجاليلو غَيَّروا فهما أو نظاما استمر مئات السنين عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس. الخيارات الحرة التي يقصد بها الارتفاع بالنفس أو الناس أجمل فوضى؛ لأنها جسر مؤقت ينقلنا من مكان إلى مكان أفضل. انتبه لخياراتك لنفسك؛ كي تحسب من السعداء، ولا تجعل أحدا يملي خياراته عليك، وإلا أخرجك من نظامك الذاتي.. وهذا الشقاء بعينه.