الشرق القطرية أكاديمية قطر لإعداد المربيات بحسب الهوية القطرية والإسلامية ..قد يبدو العنوان مثالياً يعد بالكثير لما تحتاجه الأسرة القطرية والمقيمة على حد سواء في مجال تربية الأطفال ودفع عجلة العمل من خلال تفرغ النساء لحياتهن العملية مع نشر ثقافة الأمان في البيوت بعد سلسلة من الحوادث المروعة التي ترتكب على أيدي الخادمات بحق الصغار والكبار معاً والتي انتشرت مؤخراً وباتت الشعوب الخليجية في خيفة من بعض الجنسيات الآسيوية والإفريقية المستقدمة للعمل في المنازل وهذه من الأسباب القوية التي دفعت بالمعنيين هنا في قطر إلى إنشاء هذه الأكاديمية المتخصصة في تأهيل مربيات ناضجات تتراوح أعمارهن بين 25 و35 سنة سيتم استقدامهن من دول عربية أهمها (السودان وموريتانيا) بالإضافة إلى قبول طلبات العمل من المقيمات العربيات في قطر والموافقة عليهن بعد اجتياز الاختبارات الأولية التي تعتمد على حساب الصحة العامة والنفسية وتوازن الشخصية بالإضافة إلى تمكنها من اللغة العربية الفصحى واللغة الإنجليزية وستكون الأكاديمية بحسب المعلن مجانية وستقدم منحاً مالية للمتدربات مع توفير السكن والتكفل بنفقات السفر من دول الاستقدام كما سيتضمن برنامج التأهيل دورات في اللغتين العربية والإنجليزية والرياضيات والدين الإسلامي والعلوم والتاريخ والجغرافيا وعلوم الحاسب ومهارات البروتوكول وغيرها ما يغري الكثيرات من الأخوات العربيات إلى تقديم الطلبات والالتحاق بهذه الأكاديمية للتمتع بمزاياها والعمل الذي سيعقب كل ما قيل أعلاه !..نعم حتى الآن تبدو الواجهة جميلة وداخل برواز أنيق وباهر ويعطي الفرصة الكبرى لخلق راحة لدى الأسر والتخلص من عناء الخادمات ومشاكلهن مع مكاتب استقدام الأيدي العاملة، والتي تتهرب من مسؤولياتها بعد انقضاء المهلة المحددة لضمانها الشخصي على الخدم ولكن – وأرى أنني بتُ توأماً لصيقاً لحرف الاستدراك هذا – هل ستقدم الأكاديمية المذكورة أعلاه دورة في (الأمومة)؟!..هل ستغرس في قلب كل مربية شعور ومشاعر(الأمومة)؟!..هل ستلقي بذور هذا الإحساس العظيم في قلبها وتطالبها قسراً بأن تسير وفقه وتتصرف بحسب بنوده التي لا تعد ولا تحصى بل ولا يُكتسب ؟!..هل فكر المعنيون بهذه الأكاديمية أن إنشاء مثل هذه الفكرة قد تكون له آثاره السلبية لاحقاً باعتبار أن إرهاصات هذه الآثار موجودة فعلاً ونعاني من لفحاتها الحارة ؟!..هل يتفق معي أحدكم في القول إن الدفع بالأمهات أكثر إلى سوق العمل وإغراقهن في بحوره سيوسع الهوة أو الفجوة بينهن كأمهات وبين أطفالهن الذين سيقضون جُل وقتهم مع (مربية) قد ترافق نموهم وضحكاتهم وخطوة أقدامهم الأولى على الأرض وتعثرها على غفلة من الأمهات أنفسهن؟!..تخيلوا معي هذه المشاهد واحكموا وقولوا لي بعدها أجدتِ يا إبتسام أو جانبكِ الصواب ..حاولي مرة أخرى!.. كيف ستستطيع هذه الأكاديمية أن تدرس شخصية المربية (السوية) في دورة تأهيل لن تتعدى عشرة شهور وهناك من الخادمات اللاتي ارتكبن جرائم في حق أطفال صغار من عاش سنين في بيوت الضحايا وكن أفراداً من العائلة ويشهد لهن الجميع بحسن الخلق والطيبة طوال فترة خدمتها لكنها فجأة وفي ليلة ظلماء يُفتقد بها البدرُ تصبح قاتلة أزهقت روحاً بريئة يجري على لسانها بعد ذلك أعذار ما بين سوء معاملة الأسرة أو ربما لوثة عقلية أو ضغوطاً نفسية أصابتها فهل ستحصن الأكاديمية المربيات من تقلب الأمزجة وتغير النفسيات وكشف الشخصية الحقيقية للبارعات في التمثيل أو اللائي يتم استقدامهن للبلاد مسلمات وهن في الحقيقة عكس ذلك؟!.. فنحن وعوضاً عن المساهمة في زيادة أواصر العلاقة الأسرية نسعى وتحت غطاء مشروع وملون إلى تفكيكها وربما اختلاق مشاكل أكبر تتمثل في بروز ظواهر مستورة ستجد نفسها آنذاك وقد تكشف سترها وبانت عورتها مثل إقامة علاقات غير مشروعة أو زيجات خفية أو معلنة داخل هذه البيوت الذي قد يجد فيها رب البيت أيضاً في مربية أطفاله ما يفتقده في زوجته الغارقة في سوق العمل والمنشغلة بما يضمن نجاحها العملي لكنها سترسب وبجدارة في دورها كأم وزوجة !..فلماذا لا تعطى الأم العاملة والمضطرة إلى العمل إجازات مدفوعة وساعات عمل أقل بالإضافة لدورات تأهيل للتعامل والتعايش مع أطفالها في بيئة مثالية لا تتدخل المربية في خصوصيات الأم مع طفلها؟!..ثم ما هو الأهم لدينا وفي هذا العصر المتسارع الإيقاع أن تعمل المرأة أم أن تربي أطفالها بما سيتم تعليم أبجديته لهؤلاء المربيات؟!..وإن كان العمل ضرورياً فقد كان من الأولى أن تُفتح في مقرات العمل دور حضانة على مستوى عال من الحرفية وبنفس الكوادر التي سيتم تخريجها من هذه الأكاديمية ولكن ليس لاقتحام البيوت ولكن لمراعاة الأطفال على مرأى من الأمهات داخل مقر العمل حيث سنضمن إنتاجية العمل والأمان الأسري على حد سواء!..ومن رأيي أن فتح أكاديمية لإعداد فتيات مقبلات على الزواج ممن سيكن أمهات المستقبل على أصول تربية الطفل وتنشئته والوقوف على احتياجاته هو التصرف الأنسب والأفضل والأكثر مثالية وأحقية لأن هذا هو الدور الأول والثاني والثالث للأم وتأتي باقي المهام لاحقاً !..ولا يجب أن ننسى فعلاً أن وجود مثل هؤلاء المربيات الخريجات سيزيد من مظاهر (الرفاهية المجتمعية) وسيضاعف تواكل الأمهات عليهن في كل شاردة وواردة وستنشئ ما يسمى ب (الغربة الأسرية) داخل المنزل الواحد فهل يعقل هذا التباعد الذي يأمله من فقد نعمة بعد النظر لما ستتكبده هذه المنازل لاحقاً وتلك العلاقات التي بتنا اليوم نفتقد حرارتها فكيف سنتحمل حرقتها بعد ذلك؟!..ولذا دعوني أقلها لسنا بحاجة لمن يصلح الخلل القائم بيننا في البيوت بخلل أكبر يختل منه ركن مهم من أركان المنزل..ولسنا تحت غيبوبة الأفكار الطارئة التي تجعلنا نصرف الأموال بصورة غير مدروسة وغير محسوبة لأننا ( بتنا في زمن وصفه أحد المغردين في تويتر يجب أن نقوم فيه بتربية الأمهات ليقمن بتربية الأطفال ) فمع وجود خادمات بسيطات غير مؤهلات مع الأطفال الآن تبقى الأم غائبة عن مسؤولياتها ودورها فكيف نأتي بمن سيجعل من الأم لاحقاً مجرد ضيفة في البيت؟!.. فلتساعدوا الأم العاملة بما يجعلها لصيقة بحياة طفلها لا أن تسلبوا هذا الحق منها وتحت مظلة شرعية لا ترتكب جريمة لكنها تشارك في ارتكابها بلا شك حتى وإن أدى الأمر إلى منح الأمهات رواتب في منازلهن لمن هن بحاجة فعلية للعمل لكن مسؤولية تنشئة أطفالهن تبدو المسؤولية الأكبر والأهم لدينا ولديهن!..فنحن نبحث عن أجيال قطرية وعربية تنهض على أيدي أمهاتها بعد أن قامت أرحامهن باحتضانها فهن الأجدر أن يتحملن معاناة التأهيل ليحصلن على كرم التحصيل في أبنائهن ومن الأنسب أن تقلل ساعات الأم العاملة لتتمكن من تربية أطفالها ..وعليه فإن ما أعلنت عنه أكاديمية تأهيل المربيات للبيوت القطرية والمقيمة أشبه بمن يطفئ ناراً مستعرة بزيت حار ويقول يا نار كوني برداً وسلاما !!. فاصلة أخيرة : الأم مدرسةٌ إذا أعددتها .... أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ ... بيت شعري يحمل في كل كلمة منه مقالاً !