د. محمد آل عباس الاقتصادية - السعودية وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني من أحد القراء المتابعين لمقالاتي، وهو كما يقول يتعرض لضغوط كبيرة من أجل عزله وإبعاده عن إدارة المراجعة الداخلية وقد أرسل جميع الوثائق المؤيدة له وعلى الرغم من أنه خريج بكالوريوس محاسبة وقد حصل على ما يكفي من تأهيل في علم المراجعة بشكل عام وعلم المراجعة الداخلية على وجه الخصوص. فصديقنا العزيز هذا يعمل حاليا في شركة سعودية مساهمة صناعية كمراجع داخلي منذ ستة أشهر، وهو السعودي الوحيد كالعادة في تلك الإدارة وقد تعرض وفقا لرأيه إلى ضغوط من مديره المباشر "وهو من جنسية عربية" الذي منحه تقييما ظالما وتم إصدار قرار بنقله إلى قسم المحاسبة. ولدى صديقي تساؤل مهم وكبير وهو لماذا معظم الشركات السعودية تحرص على الخبرات الأجنبية في مجال المراجعة الداخلية وتبذل جهودها لإقصاء وإبعاد السعوديين عن هذه المهنة؟ صديقنا يتعرض إلى ضغوط هائلة لإخراجه تعسفيا من القسم بدلا من السعي الحثيث إلى تطوير مهاراته وقدراتها في هذه المهنة الحيوية جدا، التي سترتكز عليها الأسواق المالية ومتخذو القرار في العقود المقبلة. وهذا السؤال موجه إلى هيئة السوق المالية المسؤولة عن تطبيق معايير الحوكمة في الشركات وموجه إلى وزارة العمل التي عليها أن تفرض فرضا وجود سعوديين في إدارات بعينها سواء في الشركات أو في الجهات الحكومية. هيئة السوق المالية تتحدث كثيرا عن الحوكمة لكنها ترى أنها غير مسؤولة "أو لنقل إنها تنأى بنفسها عن التورط" مع أولئك المسؤولين عن الحوكمة، منهم وما خبراتهم ومؤهلاتهم؟ وزارة العمل من جانبها تصدع رؤوسنا بالحديث عن التوطين والسعودة وألوانها لكنها غير معنية بنوعية هذا التوطين ومن يعمل في الوظائف العليا والمهارية والفنية، والنتيجة أن وضع الشركات المساهمة في السعودة والتوطين مأساوي ومهما قيل عن هذه القضية، فإننا أمام حقيقة مرة وهي أن السعوديين بعيدون عن سدة الوظائف الفنية والمهنية المهمة، وإذا كنت أريد الدقة قلت في معظم الشركات. لقد رأيت وعاينت بنفسي مدى تأخر الشركات السعودية في توطين السعوديين، خاصة الوظائف المحاسبية والمالية والائتمان ووظائف المراجعة بأنواعها، كان هذا أثناء جمع بيانات أبحاثي، فلقد تطلب مني الأمر زيارة الكثير من الشركات وكنت أعاني كثيرا إذا أردت الدخول إلى مجمع الإدارة نظرا لوجود الكثير من الحراسات الأمنية التي يعمل بها سعوديون بلا شك، لكن ما إن تفتح لك الأبواب حتى تصبح في إحدى شركات شرقي آسيا، وهذا في الإدارة المالية وما يتبعها من إدارات مثل الحسابات، هناك المئات من المحاسبين غير السعوديين ولكن بالكاد تقف عيناك على سعودي هنا أو هناك ومن الواضح أنه في مكان غير ذي أهمية. لقد استقبلت من الرسائل الكثير وهي تشكو حال معظم الشباب السعوديين الذين يتعرضون للضغوط الهائلة من المديرين الأجانب حتى يتخلى الموظف السعودي عن وظيفته وينتقل إلى إدارة أخرى، وهكذا تتقاذفه الإدارات كأنما فيه الجرب أو أنه الجرب نفسه. ولا شك من جانبي أن هناك من المديرين الأجانب من يرى في الموظف السعودي تهديدا كبيرا على منصبه لذلك فهو يبذل جهده للتخلص منه من خلال البحث وراء أخطائه والتقييم المجحف له، وعدم منحه فرصة التعلم أو منحه دورات معتبرة تساعده وتؤهله، ومن الجانب الآخر يتم تشجيع الموظف السعودي على مغادرة الإدارة والانتقال إلى غيرها. وهذا ما يتعرض له صديقنا المراجع الداخلي الذي أرسل رسالته ويطلب إنصافه من الهيئات المسؤولة. وإذا تجاوزت قضية السعودة والتوطين فإن مسألة المراجعة الداخلية بالذات يجب أن توليها الهيئات المختصة ومنها هيئة السوق المالية عناية خاصة وألا يعمل في هذه الإدارات سوى من يكون مؤهلا تأهيلا كافيا. وفي هذا أتذكر أثناء عملي كمدير تنفيذي للجمعية السعودية للمراجعين الداخليين أننا وضعنا توصية بألا يعمل مديرا للمراجعة الداخلية في الشركات المساهمة إلا من كان لديه تأهيل كاف ويكون حاصلا على الشهادة المهنية المتخصصة CIA. ولقد استطاعت شركة أرامكو أن تضع هذا الشرط فلا يصل إلى منصب قيادي في المراجعة الداخلية إلا من حصل على هذا التأهيل. يجب أن نقضي على ظاهرة المراجعة الداخلية مهنة من لا مهنة له، فلقد أثبتت الكثير من القضايا الدور البارز جدا لإدارة المراجعة الداخلية في اكتشاف التحريفات في القوائم المالية والضعف في أنظمة الرقابة ومن ذلك قضية انرون الشهيرة. فإذا كنا جادين في تعزيز الرقابة والمساءلة في الشركات فعلينا أن نعزز من مكانة واستقلال المراجعة الداخلية ويتعزز الاستقلال في اعتقادي إذا كان المراجع سعوديا بينما يتعرض غير السعودي إلى تهديدات الإدارة من خلال التلويح بورقة نظام الإقامة. وبالعودة إلى شكوى صديقنا المراجع الداخلي السعودي الذي يتعرض للتعسف الإداري فإنني أنصحه بالصبر وتقبل الوضع الراهن كما هو والعمل على الحصول على شهادة CIA المهنية، هذا رأيي فلن يجد من ينصفه من هذا المدير المتعسف والإدارة غير المنصفة وبدلا من مناطحة الحجر عليه أن يدور حوله. هذا رأيي له ولعل لأصدقائي القراء رأيا أفضل منه.