الاقتصادية - السعودية مع تطور المعاملات التجارية وتنوعها ووعي المجتمع القانوني أضحى العقد محل اهتمام الكثير لما يترتب عليه من حفظ الحقوق وسد أبواب النزاع، والعقد بما يتضمنه من المعقود عليه وشروط يشترطها المتعاقدان وما يخضع له من ظروف واختلاف من حيث القوة والضعف بالنسبة لهما، فالأصل فيه أن العاقد قد ألزم نفسه بهذا العقد وشروطه وهو بمثابة العهد الذي قطعه على نفسه فلا ينقض ولا يغدر وقد أوصى الله -سبحانه- بذلك بقوله، "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود..." وفي الحديث، "المسلمون على شروطهم..."، وقال عمر -رضي الله عنه- مقاطع الحقوق عند الشروط لكن هذا على إطلاقه. إن صياغة العقد بشكل واضح ودقيق ومن متخصص لها أهمية كبرى فمن الشروط ما يكون سببا في مشكلة أو مثيرا للنزاع سواء بسبب الصياغة أو التضارب مع أحد بنود العقد أو من حيث مخالفة الشرع أو النظام، فمع أن الأصل في الشروط اللزوم والصحة إلا أن الشرط قد يكون باطلا في ذاته، وقد يتعدى لإبطال العقد من أصله، كما أن بعض العقود باطلة من أساسها ومحصلة ذلك بطلان آثارها وما ترتب عليها وفي الحديث، "من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق" ولا أنسى مكلوما زارني وبيده قرار قضائي ضده، حيث اشترى من شخص أمرا بمنحه أرضا على أن يطبق الأرض ويستخرج الصك إلا أن البائع ماطل سنوات في إفراغ الأرض فأقام دعوى ضده ليفاجأ برد دعواه لبطلان العقد من أصله كون البائع باع ما لا يملك ولو كان العقد حول بيع الاستحقاق لجاز ذلك وبذلك أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- رئيس مجلس القضاء الأعلى ولو شاء الله له الاستشارة قبل العقد لكانت الصياغة قد أسعفته، وقد اطلعت على حكم قضائي صدر أخيرا في دعوى بين شركتين أبرمتا عقد شراء والثمن والمثمن مؤجل وتراجعت المشترية عن العقد مع دفع البائع عربونا لوكيل البضاعة وقد حكم برفض الدعوى، حيث نظرت المحكمة لصحة العقد قبل النظر في موجبه وآثاره. إن العقد وصياغته من حيث المهارة والقدرة على سبكه بشكل صحيح يحتاج لمزيج من الخبرات العلمية والعملية، إضافة إلى معرفة التوجه القضائي في المسائل المراد إدراجها، فالمسألة الفقهية قد يتنازعها الكثير من المذاهب والأقوال وحكم القاضي هو الفصل في هذا الخلاف فليس من الحكمة المغامرة في جزئية في العقد ولو تبناها علماء معتبرون إذا كانت تخالف المذهب أو القول الذي استقر عليه القضاء أو النظام في البلد محل العقد. يذكر أن هذا العمل ليس في الشريعة الإسلامية فحسب ومن ينسب أن العقد شريعة المتعاقدين في القانون الوضعي على إطلاقه فقد وهم فكل شرط يخالف نظاما فسيحكم ببطلانه، وقد اطلعت على حكم من محكمة بريطانية حول شرط خالف مقصود العقد وقد أبطله القاضي لنص مادة من مواد نظام بيع السلع على العمل بخلافه والقول بهذا يتفق مع العقل والنقل. إن من أهم القواعد المقررة أن الأمور بمقاصدها وأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني فليس كل ما يدون في العقد مع ما يعتريه من ركاكة في الصياغة أو عدم وضوح للمقصود أو خطأ ظاهر كل هذا لا يوجب العمل بما ورد في العقد وهذه حاله، كما أن الشرط الفاسد قد يتعدى لإفساد العقد أو يكون فاسدا في ذاته، ومن هنا نعلم أن للقاضي السلطة في إمضاء الشرط والحكم بصحة العقد من عدمه وهذه السلطة محكومة ومحددة وليست مطلقة، كما أن العقد يحتاج إلى دراسة موضوعه دراسة عميقة ووضع ما يناسبه من شروط وصياغة سدا لكل ما يفضي إلى نزاع مستقبلي، كما أن لكل عقد ظروفه من الإملاء والإيماء ومع كل هذا يبقى الجهد البشري عرضة للنقص.