مكة أون لاين - السعودية ثمة معركة استراتيجية كبرى خاضتها الرياض على مدى الشهور الستة الماضية، معركة لا تقل أهمية عن تلك التي تخوضها الآن لتقليم أظافر طهران ومساندة عودة الشرعية في اليمن الشقيق جنوبا. فقد قادت المملكة معركة نفوذ مختلفة، ولكن هذه المرة في أسواق النفط، إذ أسهم إصرارها على التمسك بمواقفها المتمثلة في ترك السوق العالمي لعوامل العرض والطلب وإيمانها بحتمية عودة الأمور لنصابها وفق أساسيات السوق، أسهم ذلك في انبعاث روح جديدة تقود منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك». ولم تفلح كل الإرهاصات التي رافقت القرار السعودي، ولا تلك الضغوطات القادمة من المنتجين الآخرين في زعزعة موقفها، كما لم تفلح حيال المنتجين المنافسين من خارج أوبك وصنوف الكيد السياسي الذي مارسوه على الرياض تحت شعارات زائفة تارة من خلال الملف السوري، وأخرى بزعم مواكبة جهود غربية للضغط على موسكو لتقديم تنازلات في ملف الأزمة الأوكرانية، وأخرى بداعي طرد المنتجين الأمريكيين الجدد، كل تلك التأويلات والمماحكات ذهبت أدراج الرياح. وها قد لامست أسعار خام القياس العالمي «برنت» مستويات 70 دولاراً منذ يومين للمرة الأولى منذ 7 أشهر في إشارات تعاف واضحة بدعم من عوامل السوق نفسها، لا بتدخل المنتجين من خلال خفض الإنتاج، وما زلت أتراءى موجة التباكي لدى بعض عواصم القرار النفطي حين وصلت الأسعار إلى القاع في يناير الماضي عند مستوى 45 دولارا. نعم..أثبتت المملكة أنها قائد مؤثر وفاعل رئيس في أسواق الطاقة، وأن جرأتها في تحمل تبعات الانهيار الكبير لم تكن وليدة اللحظة، بل خيار استراتيجي حتمي، ويبقى الأمل معقوداً في أن تتوخى الحكومة السعودية الدرس جيداً، فالاعتماد شبه الكامل على مبيعات النفط ليس إلا «مغامرة» لا يمكن التنبؤ بمآلاتها، ويبقى التاريخ شاهدا على كل لحظة تضيع دون تدارك ما يمكن تداركه، في عصر تتسارع فيه المعطيات ويقوده اقتصاد المعرفة، ذلك الاقتصاد الشاب الرشيق المتوثب أمام اقتصادات النفط الشبيهة بكهل مصاب بأمراض مزمنة! [email protected]