عبدالله المفلح التقرير الكندية من انتصر ومن خسر في عاصفة الحزم؟ أعتقد أن الأيام القادمة، وليس الماضية ، ستكون هي الحكم . فقط راقبوا ما سيحدث على الأرض. ولا تلتفتوا كثيراً للدعايات، فهي لا تنتهي. وأنا أراهنكم، أن حسن نصر الله سيخرج ليبارك انتصار الحوثيين في معركة عاصفة الحزم ، وسيقضي ساعة كاملة من الفاصل الفلسفي السمج مؤكداً أن مجرد بقاء الحوثيين هو دليل انتصارهم الإلهي! المهم هو ما سيجري على الأرض. ما أكتبه في هذه المقالة هي مجرد سيناريوهات للسياقات التي قد تسير عليها قاطرة السياسة السعودية بعد عاصفة الحزم. ............ لا شك أن أحد أكبر المكاسب السعودية التي لا تحتاج إلى تفصيل أو جدال هي " الجرأة السعودية " غير المسبوقة في النزول للساحة والضرب بقوة من دون مساعدة كبيرة من الأمريكان. أثبتت عاصفة الحزم أننا أمام سعودية غير التي عرفناها طوال العقد الماضي، تلك السعودية التي كانت تكتفي بالفرجة ودفع الأموال لأصحاب الجيوب المثقوبة . السعودية التي كانت تملك سلالاً من الجزر، وعصا بلاستيكية لصيد الذباب! السعودية اليوم تضرب فتوجع وتمد نفوذها، وتتدخل في شؤون الآخرين الذين يريدون ضرراً بها وبمحيطها الإقليمي. السعودية اليوم تحسب خطواتها بشكل جيد، ولا تسمح للعدو أو الصديق باستغفالها أو استغلالها. تعرف جيداً من كان سيفه معها وقلبه مع أعدائها، ومن كان قلبه معها وسيفه مع أعدائها. السعودية اليوم لا ترضيها حبة الخشم. ولا تخضع لابتزاز حليف مصري أو باكستاني. إعجابي بالجرأة السعودية على المستويين العسكري والسياسي لا ينفي خشيتي من حصول فشل في استثمار مخرجات عاصفة الحزم. فكل تغيير كبير يحتاج إلى "رغبة " و"قدرة". وقد استطاعت المملكة أن تثبت "قدرتها" على إحداث تغييرات كبيرة، وأخذ زمام المبادرة. السؤال هو هل لديها "الرغبة" لفعل ما هو أكثر من عاصفة الحزم؟ وحتى نجيب على سؤال الرغبة يجب أن نتذكر حساسية السعودية المبالغ فيها من التعاون مع أي جماعات إسلامية، سوءاً أكانت معتدلة أو متشددة؟ إن من الخطأ الفادح أن تكتفي السعودية بما جرى من تقليم جزئي لأظفار الحوثيين، ذراع إيران في اليمن. وهو ما يعني صحة دعوى من قال أن السعودية لا تريد القضاء على الحوثيين بل إضعافهم وإعادتهم لطاولة المفاوضات ، الأمر الذي يعني أنَّ السعودية تعطيهم فرصة لالتقاط الأنفاس ، والتعلم مما جرى في عاصفة الحزم، والتحضير لجولة جديدة من الانقلاب العسكري "المدروس". ولعل شرط عدم إدخال الإخوان المسلمين في العملية السياسية في يمن ما بعد عاصفة الحزم، إن صح، يدعم مثل هذه الدعوى التي تريد الحوثيين أقوياء للحد الذي يهدد الإخوان المسلمين ولكن ليس للحد الذي يهدد السعودية! على السعودية إذا أرادت أن تكون حدودها الجنوبية بأمان، أن تعيد الحوثيين إلى صعدة. فالحوثيون سيكونون الخطر الأكبر في يمن ما بعد عاصفة الحزم ، فالعاصفة التي لا تكسر الظهر تقويه. إذاً ما الذي أرادته السعودية إن لم يكن كف يد الحوثيين وتلقينهم وعلي عبدالله صالح درساً أليماً؟ هل يمكن أن تكون هناك استراتيجيا واضحة تأتي "عاصفة الحزم" في إطارها؟ إذا كان الهدف هو الأول، كف يد الحوثيين وحليفهم وتلقينهم درساً، فهو هدف قد تحقق، لكنه هدف هامشي، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها المملكة، خصوصاً تلك المرتبطة بالتمدد الإيراني. أما إن كانت عاصفة الحزم تأتي في إطار أوسع، واستراتيجيا أبعد، تبدأ باليمن ثم سوريا ثم العراق ثم لبنان، وتنتهي بإسقاط نظام الملالي في إيران، فهنا نقول أن عاصفة الحزم كانت خطوة على الطريق الصحيح. الأقوياء يختارون خصوماً أقوياء كي يأخذوا جزءاً كبيراً من الكعكة، وأما الضعفاء فيبحثون عمن هو أضعف منهم كي يأخذوا لقمته. عاصفة الحزم أثبتت "القدرة" السعودية على اتخاذ القرار الجريء. المهم الآن هو "الرغبة" في تفعيل هذه الجرأة وتطبيقها وتوسيع مداها ومزاحمة الإيرانيين في كل مكان يصله نفوذهم، وإنهاكهم، ودعم خصومهم، وسحب الأوراق المهمة من أيديهم. عاصفة الحزم أثبتت أن إيران أضعف مما نتصور وأقل شجاعة مما كنا نعتقد. ولذا هي معتادة على أن يحارب عنها وكلاؤها، وأن تكتفي بالفرجة من بعيد وإطلاق التهديدات. ولو كانت إيران صادقة في تهديداتها التي سمعناها طوال 3 عقود ونصف من حكم الملالي لكان خامنئي يشرب الآن الشاي في تل أبيب! إيران مدعومة من الغرب. هذه هي الحقيقة. وهذا الغرب يريد أن تبقى إيران بعبعاً يخيفنا كي نطلب حمايته . فالمنطق البسيط يقول أن من يريد السيطرة على العالم الإسلامي لن يدعم الأغلبية السنية، لأن دعمه ذاك سيجعل الأغلبية السنية تقضي على الأقلية الشيعية ، وبالتالي لا يعود هناك حاجة لحماية غربية ما دام الخطر غير موجود. المنطق البسيط يقول أن هذا الغرب سيدعم الأقلية ويحميها كي تبقى المناوشات بينها وبين الأغلبية قائمة مع أفضلية عسكرية لهذه الأقلية تدفع الأغلبية لطلب مساعدة الغرب. مصالح الغرب تتوافق جيداً مع مصالح إيران. فليس من صالح الغرب وجود عالم إسلامي وعربي سني يملك أدوات المقاومة المشتركة من دين وتاريخ وهوية ومصادر ثروة متنوعة. على السعودية أن تدرك هذه الحقيقة البدهية بينما تمضي قدماً في كنس إيران من المنطقة العربية. على السعودية الجديدة إذا كانت تخطط للعودة إلى نفوذها الإقليمي المعتاد أن تعيد ترتيب أولوياتها بدقة ، وأن تبدأ بالتفكير براغماتياً بدل التفكير الرغبوي الهزيل الذي حكم سياستها طوال عقد. وبوضوح شديد، على السعودية إذا ما أرادت أن تصبح دولة إقليمية كبرى أن تشغل مكائنها السياسية والعسكرية والإعلامية والدينية بطاقتها القصوى، وأن تعود تلك الأيام التي كانت فيها الرياض محطة لزيارات وزراء خارجية الدول الكبرى للاستماع إليها وأخذ المشورة منها. لن يحصل شيءٌ من ذلك ما لم تنفض السعودية عن كاهلها تلك الحساسية تجاه الإسلاميين فتفكر بشكل براغماتي ، فتفتح قنوات مع الجماعات الإسلامية المسلحة في سورياوالعراق، فهذه الجماعات هي اليوم، شاءت السعودية أم أبت، رأس الحربة في مواجهة التمدد الإيراني في العراق والشام . ومن يريد أن يكسر الظهر الإيراني في العراق والشام لا مناص له من التعاون مع هذه الجماعات، ولو في السر. من المفيد للسعودية أن تكون الجماعات المناهضة لإيران في العراق أقوياء كي يستنزفوا القوة الإيرانية لوقت طويل. ومن المفيد أيضاً للسعودية أن يسقط نظام بشَّار. سقوط نظام بشار سيكسر الظهر الإيراني. ستختفي ورقة حزب الله من طاولة المفاوضات بعد أن اختفت ورقة الحوثيين بفعل عاصفة الحزم . وستنسحب حماس من الحضن الإيراني. ولن يكون أمام إيران سوى العراق " الغني بالنفط " ، ليكون ورقتها الوحيدة. وستتكفل الجماعات المناهضة لإيران، فيما لو أحسنت السعودية وقطر وتركيا استغلالهم ، بجعل العراق " الغني بالنفط " بمثابة جهنَّم بالنسبة للإيرانيين. نظام بشَّار يتداعى . ومن الخطأ الكبير أن لا تشارك السعودية في إسقاطه، كي تضمن لها موطىء قدم في سوريا ما بعد بشَّار. فحتى الآن يشعر السوريون في الداخل أن الحكم السعودي السابق قد خذلهم حين دعم الثورة في بداياتها ثم تخلى عنها! وما لم يروا دعماً قوياً يساعدهم في الإطاحة بالطاغية ، فستحتاج السعودية لوقت طويل حتى ترمم علاقتها مع الداخل السوري. الدعم السعودي للشعب السوري عسكرياً وسياسياً وإغاثياً سيجعل من سوريا ما بعد بشار حليفاً استراتيجياً مهماً جداً في عملية استعادة النفوذ السعودي وقطع الحبل السري للهلال الشيعي الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية في لبنان مروراً ببغداد ودمشق. إسقاط نظام بشَّار سيدفع بالسعودية كلاعب إقليمي كبير على قدم المساواة والندية مع تركياوإيران. وسيعيد تشكيل كل شيء، بدءاَ من مناطق النفوذ والتحالفات السياسية والعسكرية، مروراً بالوعي الذهني للجماهير وصورتها عن نفسها ومحيطها ، وانتهاءً باختفاء خطاب المقاومة والممانعة الابتزازي من وكلاء فارس في لبنانوسوريا. على السعودية أن تتعلم من خطئها في الاستماع إلى الأمريكان حول ضرورة وجود إيران قوية قابلة للاحتواء كي يمكن للقيادة السعودية العزف على الوتر التحشيدي" السعودية السنية " في مواجهة "إيران الرافضية ". فتلك الوصفة الشيطانية هي التي قادت المنطقة لما نراه اليوم من تمدد إيراني عريض وكارثي أودى بحياة أكثر من مليون قتيل في العراقوسوريا ، وتسبب في تفسخ بنية الأنظمة والدول واستبدالها بكيانات وجماعات ليس لديها ما تخسره. على السعودية أن تقلل كثيراً من استماعها لوجهة النظر الأمريكية، وأن تأخذ نفوذها الإقليمي المستحق غلاباً. السعودية الجديدة يجب أن تكون سريعة ومحترفة. وعليها أن تتجهز من الآن لصيف ساخن جداً. فنظام بشار سيسقط. والعلويون سيهربون إلى لبنان. وحزب الله سيسلحهم ، وسيدفع باتجاه تهجير السنَّة من لبنان رداً على سقوط بشار. إيران ستحاول أن تحافظ على ما تبقى من ماء وجهها فتدفع بقواتها إلى داخل العراق لإحكام السيطرة وتحقيق انتصار ما ضد السعودية. يجب أن تكون الخطط والخطط البديلة للتعامل مع هكذا أوضاع على طاولة وزير الدفاع السعودي الآن . يالها من تركة ثقيلة، لكن الجيد أنها على طاولة قوية، لوزير جريء.