الاقتصادية - السعودية لا نختلف على أهمية المنشآت المتوسطة والصغيرة للاقتصاد الوطني، فهي تساهم في توفير الوظائف لأكثر من 50 إلى 60 في المائة من مجموع القوى العاملة في جميع أنحاء العالم، وكذلك الإضافة الواضحة إلى الناتج المحلي، ولكن المتتبع لمسيرة تلك الشركات، خصوصاً على مدى السنوات الأخيرة، يجد الكثير منها يكافح من أجل البقاء، حيث إن الكثير مع الأسف لا يستطيع الصمود أمام المتطلبات التشغيلية المتزايدة. ودعونا نركز في مقالنا هذا على المصاريف الحكومية وأثرها في تلك الشركات. بالنسبة لشركة ذات مسؤولية محدودة تعمل في أحد المجالات التي تتطلب عدد عمالة مرتفعا كما المقاولات أو التموين الصناعي، فإن المصاريف الحكومية التي تشمل مكتب العمل، الجوازات، أضف إلى ذلك السعودة الوهمية للحصول على عدد التأشيرات المطلوبة تشكل في مجملها تكلفة باهظة على المنشأة، وتؤثر بلا شك في ربحيتها بل حتى في استمراريتها في القطاع. وقد يعلق البعض أن تلك الشركات لديها الكثير من العمالة، وبالتالي فإن هذا هو السبب الرئيسي لتحمل كل تلك المصاريف الحكومية، وردا على مثل تلك التعليقات نقول وببساطة، إن طبيعة تلك الأعمال تستلزم وجود عدد كبير من العمالة بأجور منخفضة بشكل كبير، لغياب البديل والتكلفة المرتفعة فيما لو افترضنا وجود سعوديين قادرين على شغل تلك الأعمال، وهذا بدوره يؤثر في جدوى المشروع وجاذبيته الاستثمارية. وباستقراء القوائم المالية لإحدى تلك الشركات ودراستها دراسة تفصيلية، لوجدنا أن المصاريف المذكورة أعلاه قد تجاوزت حاجز ال 200 ألف ريال سعودي، وبحسبة مالية بسيطة، بافتراض هامش الربح الإجمالي 17 في المائة، ما يعني أن المنشأة التي تعتمد بشكل كامل على إيراداتها التشغيلية من النشاط الأساسي دون وجود إيرادات أخرى، تحتاج إلى تحقيق مبيعات بستة أضعاف المبلغ أعلاه تقريبا أو 1,176,000 ريال فقط لتغطية تلك المصاريف، دون احتساب المصاريف التشغيلية الأخرى. وطبعا يزداد هذا الرقم بزيادة المصاريف الحكومية أو انخفاض الهامش الإجمالي أو كلاهما معا. وبالنسبة لشركة صغيرة في سنواتها الأولى، فإن هذا يعني حتمية قيام الشركة بضخ المزيد من الأموال من قبل الشركاء، هذا إذا كان لدى الشركاء قدرة على ضخها. ومن ناحية أخرى فنحن نعلم جيدا أن المصارف التجارية تشترط إعداد قوائم مالية مدققة لآخر ثلاث سنوات على الأقل مع وجود ضمانات أخرى، وحتى إن وجدت فالصعوبات التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة للحصول على تمويل مصرفي هي جمة، فمصارفنا التجارية تعتمد بشكل رئيس في إقراضها على الأسماء الكبيرة، التي تمثل مخاطر أقل لتلك المصارف على حد زعمها. ومع الأسف، ومع ضعف العديد من الصناديق الداعمة للمنشآت المتوسطة والصغيرة وكذلك عدم قدرتها على تلبية ولو نصف المتطلبات التمويلية لتلك المنشآت، فإن تلك المنشآت تصبح بين نارين، إما براثن الشركاء الجدد الطامعين والمتطلعين إلى تحقيق أرباح عالية، هذا في حالة أنهم رأوا جدوى الشركة وقدرتها على تحقيق أرباح كبيرة على المديين القريب والمتوسط، وإما رفع الرايات البيضاء مبكراً وترك المجال لكبار اللاعبين في القطاع باعتبارهم الوحيدين القادرين على تحمل مثل هذه التكاليف. وأخيرا لقد استبشرنا مرارا بإعلان مجلس الشورى إنشاء هيئة للشركات الصغيرة والمتوسطة وما زلنا ننتظر. كما نوجه رسالة لصناع القرار أن أخذ الاختلافات في أحجام الشركات بعين الاعتبار ضرورة حتمية حتى لا تضيع تلك الشركات.