د. عبدالرحمن الطريري الاقتصادية - السعودية لا أحد ينكر أهمية وقيمة وسائل المواصلات في تنمية المجتمعات، والنهوض باقتصادها، إذ إنها تمثل شريان الحياة الذي تنقل بواسطته البضائع والركاب من المصانع والمزارع والمستودعات إلى الأسواق والمستفيدين، وقد عنيت بلادنا خاصة خلال سنوات الطفرة الأولى بالطرق البرية وتم ربط مناطق المملكة كافة بطرق سريعة، ما يسر نقل البضائع وحرك الاقتصاد وزاد التبادل التجاري بين مناطق ومدن وقرى المملكة. السكك الحديدية لم تتسع مع أهميتها لحركة الاقتصاد، وقلة حوادثها، مقارنة بما يحدث على الطرق البرية السريعة، لكن المؤمل أن يتم السعي لإيجاد شبكة قطارات تربط بين جميع مناطق المملكة لتسهيل نقل البضائع، وإيجاد وسيلة سفر أسرع للركاب، وأكثر أمانا بدلا من السيارات التي تحصد الأرواح على الطرق البرية نتيجة السرعة، والزحام الذي حوّل الطرق إلى ما يشبه شوارع داخلية في المدن لكثرة السيارات التي تطرقها على مدار الساعة. الاعتماد على ناقلات الشحن له سلبياته الكثيرة، فإضافة إلى ما تحدثه من أضرار مكلفة في بنية الطرق، وما يترتب على ذلك من أعمال صيانة مستمرة، ونفقات باهظة، تكثر حوادثها، ومن قدر له السفر يلاحظ الشواهد على جانبي الطريق ما بين شاحنات محترقة إلى أخرى منقلبة، كما أن عدم التزام السائقين بالسرعة، وبالمسار الأيمن جعل الشاحنات مصدر تهديد لحياة المسافرين الآخرين. في ظني أن التوسع في شبكة قطارات بين مناطق المملكة ليس خيارا، ولا هو ترف، بل ضرورة تفرضها الحياة المعاصرة ومتطلبات التنمية السريعة التي تشهدها المملكة متمثلة في المدن الصناعية والاقتصادية التي شرع في بنائها في مناطق المملكة كافة، وحركة بناء المساكن، ووفرة الإنتاج وقوة الاستهلاك التي تشهدها السوق السعودية. كما أن نتائج التوسع في شبكة القطارات لن تقتصر على نقل البضائع، والركاب فقط، بل تمتد إلى إمكانية استخدامها أثناء الأزمات، والحروب، إذ يمكن نقل الأسلحة، والتجهيزات من مكان إلى آخر متى ما لزم الأمر دون تأخير، أو تعطيل للحركة على الطرق البرية. النقل الجوي له أهميته، ولا أحد ينكر ذلك، لكن هذه الأهمية تبقى محدودة، خاصة في نقل البضائع الثقيلة، كما أن نقل الركاب في وضعنا الراهن المتمثل في ارتفاع عدد المسافرين، والزيادة السنوية في ذلك، مع قلة شركات الطيران العاملة في السوق المحلية أصبح يمثل هاجسا مزعجا لكثير من الناس، لما يواجهونه من صعوبة في الحجز، وتأخير في الرحلات، وقلة تسهيلات في المطارات من الخطوط السعودية. المملكة باحتضانها الحرمين الشريفين، ورعايتها لهما، وبمساحاتها الشاسعة، المترامية الأطراف، وبتضاريسها المتنوعة، كل هذه عوامل تزيد من فرص حركة السفر من مناطق المملكة كافة، ومن خارجها إلى مكة، والمدينة، وفيما بين المناطق، والمدن خلال السنة، واقتصار الخدمة في السفر الداخلي على الخطوط السعودية يضاعف من المشكلة مع الوقت، لذا فإنه لا مناص من التوسع في شركات الطيران، إضافة إلى القطارات السريعة للتسهيل على الناس، ما يزيد من الحركة الاقتصادية في البلد ليخلق فرص عمل للشباب الذي يعاني البطالة. في جولة على الإنترنت، في كل من اليابان، وكوريا الجنوبية تبين لي توافر جميع وسائل المواصلات الحديثة في كل من البلدين، فاليابان بمساحتها البالغة 330 ألف كيلومتر مربع وسكان يبلغون 127.7 مليون نسمة توجد فيها طرق برية سريعة، وخطوط جوية، وقطارات تخدم فيما بين المناطق، إضافة إلى قطارات المدن، ولعل اللافت أن متوسط التأخر في حركة القطارات 18 ثانية في اليوم، أما سرعة القطارات فبعضها يصل إلى 500 كيلو متر في الساعة. الأمر ينطبق على كوريا الجنوبية البالغ سكانها ما يقارب ال 50 مليونا، إذ تتوافر فيها الطرق البرية السريعة والقطارات ذات السرعة العالية، إضافة إلى الخطوط الجوية، والغريب في الأمر أن أول شركة خطوط كورية تأسست عام 1962 تتمتع بكفاءة تشغيل عالية رغم قصر عمرها إذا ما قورنت بالخطوط السعودية التي تأسست عام 1945 لكن لم تتمكن من تجاوز كثير من المشكلات التشغيلية، رغم أنه مضى على تأسيسها 70 سنة. ما من شك في أن الجهات المعنية في البلد أدركت أخيرا أهمية التوسع في شبكة القطارات كما في قطار الحرمين، وقطار الشمال، إلا أن مساحة المملكة الشاسعة تستوجب ربط جميع المناطق لما في ذلك من تسهيل في نقل البضائع، والمسافرين، ولما فيه من إيجاد قاعدة مصالح مشتركة تقوي الوحدة وتزيد من التماسك.. فهل نزيد في سرعة إنشاء هذه الشبكة؟ هذا ما نرجوه.