د.صلاح بن فهد الشلهوب الاقتصادية - السعودية لم يكد العالم يجمع حسب علمي القاصر على موقف تجاه حرب مثلما أجمع على موقفه من عاصفة الحزم، فالإجماع لم يقتصر على موقف دولي فقط بل على موقف الشعوب العربية والإسلامية، فالمعارك التي تمت مع بعض الدول خلال التاريخ المعاصر كما حدث في العراق أو ضد بعض المجموعات التي تصنف بأنها إرهابية، قد يكون الإجماع عليها دوليا لكن مع عدم المبالاة من قبل بعض الشعوب أو العكس ولكن هذه الحرب بالذات شهدت أشبه ما يكون بإجماع من الطرفين. ولعل سر ذلك هو في التوقيت الذي تمت فيه العملية إذ إن الحكومة في المملكة انتظرت وقتا كافيا دون جعجعة، أو كثرة كلام وأخذت وقتها في استقطاب أقطاب المنطقة لتوضيح الوضع، ولم تعلن أي نية لخوض حرب بل لم يكن نقاش موضوع اليمن أمرا يتردد بصورة دورية حتى ظن الطرف الآخر أن المملكة في حالة ضعف، وأنها ضحية تنتظر دورها بل تمادى البعض في الحديث عن خطة تلي الانتهاء من الوضع في اليمن للوصول إلى مكة. ولكن حكمة ودهاء حاكم وحكماء المملكة اختارت ساعة الصفر التي وفقهم الله لها، لكسب الإجماع الدولي والشعبي كما أن الثقة الزائدة التي وصلت إليها ميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع كشفت الأمور أمام العالم، وبعدها تكون المملكة معذورة في كل خطوة تتقدم بها، بل إن الإخوة المخلصين في اليمن فرحوا بهذا الدعم من المملكة بعد أن وصلوا إلى حالة أشبه باليأس بسبب أن عدن التي تعتبر الحصن الأخير ويقيم فيها الرئيس الشرعي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وبدأت الميليشيات تستخدم القوات الجوية بما يشير إلى أن هناك تمكنا وقدرات عسكرية تفوق أي إمكانات للقوى الوطنية الداعمة للشرعية في اليمن. هذا الإجماع الشعبي كان له الأثر الواضح إيجابا في القوات المسلحة السعودية، وسلبا في المتمردين على الشرعية في اليمن، كما أن الطلعات الماضية لم يشعر بها المواطنون اليمنيون الأبرياء الذين كانوا بعيدين تماما عن مواقع القصف، بل كان أثرها إيجابيا في الخروج لنصرة الشرعية في اليمن، وتغيير ميزان القوة لمصلحتهم. الأيام الماضية التي تزامنت مع الحرب شهدت نوعا من التأثر لأسعار النفط في البداية ثم بعد ذلك أصبح يميل إلى الاستقرار، بل يميل أحيانا إلى هبوط الأسعار وهو مؤشر إيجابي واضح على أنه لا يوجد قلق بسبب هذه الأزمة في اليمن وأن الأمور تسير بإذن الله كما هو مخطط لها، فكما نعلم أن منطقة الخليج عموما تعتبر المستودع الأضخم لاحتياطيات النفط في العالم والمملكة تعتبر المصدر الأول في العالم والأكثر أو من الأكثر إنتاجا للنفط في العالم أيضا، ولم يتأثر سوق النفط بما توقعه المحللون بأن هناك ما قد يؤدي إلى زعزعة الأمن في المنطقة، ومن هنا نجد أن الأيام الماضية لم تشهد تقلبات كثيرة لأسعار النفط، كما أن مسارات إمدادات النفط لم تتأثر بهذه المعركة، فالسوق يشهد وفرة في المعروض بدلا من النقص وهذا ما يعزى إليه استقرار الأسعار وميلها أحيانا إلى الانخفاض. هذا الواقع يدعو إلى الاطمئنان والثقة بقيادة المملكة وفي إمكانات قوات المملكة المسلحة، كما أنه أيضا يدل على قدرة المملكة السياسية التي تم بناؤها على مدى عقود ومكنت من حشد هذا التوافق رغم وجود مصالح لأطراف أخرى في المنطقة. هذا الإنجاز الذي تحقق بحمد الله لا يعني بالضرورة أنه لن تكون هناك آثار سلبية على الاقتصاد، فالحروب ليست خيرا ولا يلجأ إليها إلا في أحلك الظروف وعند العجز عن الوصول إلى أي حل ووجود خطر متحقق، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بقوله لا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموه فاثبتوا رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مرارا وتكرارا فضل الجهاد ولكنه ليس هدفا في حد ذاته ولكنه إذا ما حصل عند الاضطرار فإن له فضلا عظيما، وهذا ما نسأل الله تعالى أن يمنحه لجنودنا البواسل على ما يتحملونه لحفظ أمن بلاد الحرمين والانتصار لإخوانهم المؤازرين للشرعية والاستقرار في اليمن. فالخلاصة أن المؤشرات الأولية ل «عاصفة الحزم» تدل ولله الحمد على تحقيق نجاح على المستويين السياسي والأمني للمملكة بصورة خاصة وللمنطقة عموما من أطماع بعض الأطراف في المنطقة، واستقرار أسعار النفط وإن كان ليس جيدا على الإطلاق على المستوى الاقتصادي فإن له دلالات إيجابية من الناحية الأمنية وضعف احتمالات التصعيد للحرب في المستقبل على مستوى المنطقة.