د. مرزوق الرويس الاقتصادية - السعودية الشرعية هي الحق لسن القوانين التي يجب أن تتبع، ودون قوانين تشريعية لن تقبل الحكومة كمنظمة تشريعية، والشرعية هي أساس أي نظام سلطة، حيث يجب أن تتكون السلطة من تشريع يقوم بسن القوانين وقوة تضمن تطبيق هذه القوانين؛ لذلك فإن الشرعية متطلب أساسي لأي حكومة لبناء مشروعية دستورها ومن ثم القيام بأعمالها. والشرعية تنقسم إلى قسمين: شرعية تقليدية وشرعية عقلانية قانونية. فالشرعية التقليدية تتكون غالبا من الأعراف والعادات الاجتماعية التي تحدد معايير الثقافة لمجتمع ما. والقانوني العقلاني هو التشريع المعتمد على قوانين تنفيذية وعادة ما تكون القوانين المشرعة من الحكومة. وحتى لا تفقد الحكومة تشريعها غالبا ما تعمل الحكومات على موافقة هذين القسمين ما ينعكس في النهاية على مدى ثقة المجتمع "المواطنين" بحكومتهم فيما يسمى بالولاء. وأي اختلاف بين هذين القسمين سيؤدي إلى اضمحلال هذه الثقة وتزعزع التشريع الحكومي للمجتمع. وحيث إن معايير الثقافة غالبا مبنية على الأعراف، فإنها عادة تكون عنصرا ثابتا في معظم البيئات السياسية. وبهذا فإن اختلاف البيئات السياسية يعتمد غالبا على المعايير القانونية العقلانية؛ فالشرعية تسعى لتقديم المصالح العامة لإيجاد مجتمع متجانس اجتماعيا واقتصاديا. والمعايير القانونية تتكون من أربعة قوانين أساسية، هذه القوانين غالبا هي ما يحدد الاختلاف الجذري في البيئات السياسية للدول المعاصرة وهي: (1) القانون الإسلامي الذي يستمد مبادئه من القرآن الكريم والسنة النبوية للمصطفى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. (2) القانون الشيوعي أو الاشتراكي الذي يستمد مبادئه من النظرية الماركسية للاستحواذ على جميع المصادر. (3) القانون الإنجليزي الذي يستمد مبادئه من الأغلبية. (4) القانون الروماني الذي يستمد مبادئه من الأعراف والعادات. وبذلك فإن للشخص أن يلاحظ اختلاف البيئات السياسية من دولة إلى أخرى يعود إلى أسس ومبادئ الشرعيات لهذه الدول، وأغلب دول الشرق الأوسط تنتهج من القانون الإسلامي ومبادئه كأساس لبناء شرعية حكوماتها، كما أنه يوجد بعض الاختلافات في تشريع بعض هذه الدول، ولكن هذا يعود إلى معايير الثقافة التي لا تناقض معايير القانون الإسلامي. ومع الأسف فإن بعض الدول كإيران مثلا تزعم تطبيقها للقانون الإسلامي وأن شرعيتها مستوحاة من المبادئ الإسلامية، ولكنها في الحقيقة لا تطبقه. بل إنها تستمد قوانينها من معاييرها الثقافية التي تعود إلى الثقافة الفارسية وتمحورها بغطاء إسلامي، وتستغل ذلك في الخلط ما بين المعايير الثقافية الفارسية والمعايير القانونية الإسلامية، ما أوجد عدم تجانس اجتماعي إسلامي أدى إلى نزاعات وحروب ولنا في قصص التاريخ الإسلامي عبرة، من القرامطة إلى حرب العراق ثم زعزعة التجانس لبعض الدول العربية الإسلامية. فالنظام التشريعي الإيراني، كما ذكرنا يستمد شرعيته من معايير الثقافة الفارسية الموازية للفكر الماركسي، الذي يسعى للسيطرة على جميع المصادر للحكومة، والذي بدأ واضحا جليا بعد الثورة الخامنئية التي قدمت جميع المصادر إلى رجال الدين والدولة، وأخذت إيران في العمل على ما تسميه تصدير الثورة، الذي هو تصدير لمعايير الثقافة الفارسية بغطاء المعايير الإسلامية إلى الدول العربية، محاولة في ذلك الاستحواذ على المصادر في هذه الدول لتوسيع الثقافية الفارسية، مستغلين خلط معايير هذه الثقافة التي يزعمون أنها معايير القانون الإسلامي للتشكيك في السلطات التشريعية للدول العربية، وغالبا ما تكون تحت مظلة الحقوق. في اليمن، نجحت إيران في خلط مفاهيم المذهب الزيدي الجارودي بمعايير الثقافة الفارسية التي تبنتها الجماعة الحوثية. وقامت هذه المجموعة باسم الحقوق بالتمرد على الشرعية الحكومية اليمنية من خلال محاولة قمع هذه الشرعية ومحاولة تبديل مبادئها القانونية الإسلامية بمبادئ الثقافة الفارسية. استخدم الحوثيون القوة دون وجود شرعية تمنحهم الحق لتغيير مبادئ السلطة التشريعية، ما أدى بالحكومة اليمنية إلى الاستنجاد بمقر الإسلام السعودية لحماية مبادئ الإسلام في سلطتها التشريعية، فبادرت السعودية على الفور مع دول التحالف لإحقاق الحق، الذي هو ردع القوة الحوثية غير الشرعية الخارجة عن السلطة وتعزيز القوة الشرعية للحكومة الحالية. وسنقف بعض الوقفات في سبب استنجاد اليمن بالسعودية. المملكة لها مكانتها السياسية والإقليمية في المنطقة؛ فهي تعد أم العالم الإسلامي والحضن الدافئ للدول العربية، ويبين لنا هذا أن سياسة المملكة الخارجية مؤثرة في التركيبة العالمية. وليس هذا إلا ردا على من استخدموا أدواتهم للتقليل من مكانة السعودية؛ فاستنجاد اليمن بالسعودية يدل على أن المملكة تتمتع بمكانة إقليمية مرموقة في نصرة الإسلام وإحقاق الحق؛ فالحلم لا يعني الضعف، والحلم السعودي أتاح جميع الفرص للميليشيات الحوثية للتفكير وإعادة النظر فيما يفعلون، ومع هذا كله إلا أن هذه الميليشيات زعمت أن الحلم السعودي هو ضعف وتردد لمجابهتهم وأخذوا بالقيام بمناورات بأسلحة ثقيلة بمقربة من حدود أرض الحرمين، ما أدى إلى قلب حرف "اللام" في كلمة حلم إلى حرف "الزاي" لتصبح حزم، وهاجت بهم عاصفة الحزم. فالمملكة بعد عاصفة الحزم لجمت جميع المغرضين والمشككين في منزلتها السياسية والإقليمية، وليس هذا إلا قطرة من غيث؛ فللواحد أن يلاحظ ردة الفعل العالمي بعد قيام قوات التحالف بقيادة المملكة بضرب الميليشيات الحوثية المتمردة على الشرعية. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على ثقل مكانة المملكة عالميا ومدى استراتيجية سياسيتها الخارجية في القيام بما تراه صحيحا لنصرة الإسلام، وهذا يبين موقف السعودية بأنها تمتاز بالحزم في وقت الشدة والحلم في وقت الرخاء، ما يقودنا إلى الجزم بأن المملكة تقودها قيادة حكيمة بحمد الله. ويكفينا أننا ننتمي لهذا الوطن وتحت راية الإسلام في ظل حكم سلمان.