عربي 21 زيارة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان للعاصمة السعودية الرياض كانت محطة مهمة في طريق ترميم العلاقات التركية السعودية التي شهدت تدهورا كبيرا، جراء الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، بسبب اختلاف موقفي البلدين من الانقلاب وإسقاط الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي. هناك ارتياح كبير في تركيا من الترحيب السعودي الذي لقيته الزيارة على المستويين الرسمي والشعبي، ونتائج لقاء الملك سلمان وأردوغان، واتفاق أنقرةوالرياض على ضرورة زيادة الدعم المقدم للمعارضة السورية بشكل يفضي إلى نتيجة ملموسة. والمأمول الآن أن يقوم العاهل السعودي بزيارة مماثلة إلى تركيا وأن تتطور العلاقات بين تركيا والسعودية، في إطار المصالح المشتركة ومواجهة المخاطر التي تهدد كلا البلدين. الملفات التي يمكن أن تتعاون تركيا والسعودية في حلها كثيرة، والملف السوري هو الأهم من بين هذه الملفات. وفي الملف العراقي وجهات نظر البلدين متقاربة، وأما في الملف اليمني فأيدت تركيا المبادرة الخليجية وما زالت تؤيد الموقف الخليجي من أحداث هذا البلد. ويمكن لأنقرةوالرياض أن تعززا علاقاتهما السياسية من خلال آرائهما المتطابقة والمتقاربة في تلك الملفات، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية وفقا لمصالحهما المشتركة. ومن الأفضل لتركيا حاليا أن تضع الملف المصري جانبا في علاقاتها مع السعودية، وأن تكتفي بالحفاظ على موقفها الرافض للانقلاب وأن تنتظر ما ستؤول إليه الأمور، لأن الملف المصري بدأ يتحول إلى أزمة بين الرياضوالقاهرة في ظل حاجة السيسي لمزيد من "الرز الخليجي"، وعدم رغبة السعودية في تقديم مساعدات مجانية دون قيد أو شرط، ومحاولة السيسي ابتزاز المملكة بفتح أبواب القاهرة للحوثيين وإطلاق إعلامييه، ليهاجموا سياسة السعودية ورموزها. وقد تعزز معالجة السعودية لهذه الأزمة فرصة توصل أنقرةوالرياض إلى تفاهم لرعاية مصالحة في مصر وتوفير أجواء هذه المصالحة. لا شك في أن الملك سلمان بحاجة إلى مزيد من الوقت للتغيير ومعالجة الأخطاء، إلا أن السعودية يجب أن تبلور وتعلن في أقرب وقت ممكن موقفها من خطوات قائد الانقلاب في أكثر من اتجاه، دون أن يبقى أي لبس أو غموض حتى لا تنقلب مشاعر التفاؤل إلى الإحباط واليأس وخيبة الأمل، وأن تجيب عن أسئلة تنتظر الإجابة، مثل: هل الرياض تؤيد تصنيف حركة حماس منظمة إرهابية وتوافق على تشديد الحصار على قطاع غزة؟ وهل هي ما زالت كفيلة للسيسي كما كانت في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أم لا؟ لأن "الكفيل مسؤول عن تصرفات مكفوله"، ولعل الإخوة السعوديين يعرفون هذه القاعدة أكثر من غيرهم. المأمول من السعودية في العهد الجديد بقيادة الملك سلمان وفي ظل التفاؤل الكبير بالتغيير في السياسة الخارجية السعودية، أن تلجم السيسي حتى لا يسترسل في حربه ضد المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة لصالح إسرائيل وكذلك في تدخله السافر في الشؤون الليبية، وأن لا تسكت على تجاوزاته الخطيرة. بينما تقاطع دول الخليج الحوثيين ولا تعترف بانقلابهم وترفض احتلالهم للعاصمة اليمنية وترسل سفراءها إلى عدن بدلا من صنعاء، يفتح السيسي قنوات التواصل مع الحوثيين على مصراعيها، في تحدٍ صارخ لموقف دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص من إجرام الحوثيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قائد الانقلاب المصري يسعى لإنقاذ النظام السوري وإعادة تأهيله مع بقاء السفاح بشار الأسد في السلطة، الأمر الذي ترفضه السعودية جملة وتفصيلا. حماية العلاقات التركية السعودية من محاولات الإفساد لا تقل أهمية عن ترميم العلاقات بين البلدين، ومن الواضح أن دولة الإمارات منزعجة للغاية من التوجه الجديد الذي تتبناه المملكة العربية السعودية في عهد القيادة الجديدة، ومن زيارة أردوغان للرياض والتقارب التركي السعودي. ولا يخفى على المتابعين امتلاك أبو ظبي أدوات يمكن أن تستخدمها ضد هذا التقارب. ولا يحق لتركيا أن تتدخل في العلاقات السعودية الإماراتية، ولكنها متأكدة من أن القيادة السعودية الجديدة لن تسمح لأحد بإفساد علاقاتها مع تركيا والدول الأخرى.