الاقتصادية السعودية ربما تندلع حرب العملات في العام الجديد من جديد، لكنها لن تكون طويلة الأمد، كما يعتقد المراقبون. كما أنها لن تكون حربا مفتوحة، فالبيئة الاقتصادية العالمية لا تتحمل حربا من نوع طويل، لا يترك مجالا للتراجع السريع عنها. كما أن أغلبية الاقتصاديات العالمية مرهقة بصورة يصعب على القائمين عليها، فتح حرب من هذا النوع. يضاف إلى ذلك بالطبع، أن حرب الأسعار ستنتج تضخما مرتفعا في البلدان التي تخفض قيمة عملاتها، وهذا أيضا جانب سلبي كبير، فيما لو خرج عن السيطرة. وحرب العملات، تهدف في الواقع إلى تحقيق هدف واحد فقط، وهو زيادة معدلات الصادرات الوطنية، في محاولات لكسب أسواق جديدة. قامت بها بلدان عدة، لعل أشهرها الصين، وحققت مكاسب كبيرة في السنوات الماضية. يتذكر المراقبون أزمة الثلاثينيات كلما جرى الحديث عن إمكانية نشوب حرب عملات عالمية. فهذه الأزمة أسهمت بالفعل في أزمة اقتصادية عالمية، في أعقاب بدء خفض قيمة الجنيه الاسترليني، وبدأت العملات الرئيسة الأخرى دخول الحرب على الفور. وكما هو معروف، فإن العامل الأهم والمباشر لخفض قيمة العملات هو تخفيض معدلات الفائدة. ويرى مراقبون، أن هذه ظاهرة أعمق من الصدمات العنيفة والمتقطعة المرتبطة بانخفاض أسعار النفط، الذي أدى إلى انهيار الروبل الروسي، والنايرا النيجيرية. إنها حرب أكثر عنفا من أي حرب اقتصادية أخرى، ليس فقط لأنها مرتبطة بمستوى الصادرات، بل لأن لها صلة مباشرة بالمستويات المعيشية المحلية.. فضلا عن أنه لا يمكن (وفقا لمجلس الخبراء الاقتصادي الفرنسي)، أن يكون لدى الجميع عملة ضعيفة في وقت واحد. فإذا انخفض سعر عملة يرتفع سعر أخرى. وهذا صحيح إلى أبعد الحدود. فليس من المؤكد أن التسابق إلى خفض قيمة العملة، سيحقق كل النتائج الإيجابية المرجوة منها، بل إن المخاطر في هذه الخطوة تكون عادة أكبر من مساحات الأمان فيها. ويرى المشككون في جدوى خفض العملات، أن بداية الخفض قد لا تشهد مؤشرات سلبية، ولكن غالبا ما تكون نهايتها سيئة. صحيح، أن الكل يعمل لمصلحته. وهذا من البدهيات، لكن الصحيح أيضا، أن المخاطر تكمن في عمليات تحقيق هذه المصلحة أو تلك. وحرب العملات في الواقع لا يمكن أن تكون إقليمية فقط. فإذا ما اندلعت في منطقة جغرافية معينة، فسرعان ما تنتشر على الساحة العالمية. ولذلك ظهر خوف من الأفعال وردود الأفعال بين كوريا الجنوبيةواليابان، بهذا الخصوص، فالبنك المركزي الياباني قام بخفض أسعار الفائدة على الين مرتين في غضون ستة أشهر، لاحتواء آثار انخفاض قيمة الوون الكوري. وتتجه منطقة اليورو لجعل الفائدة في حدود الصفر. على عكس الولاياتالمتحدة التي رفعت الفائدة وارتفعت قيمة الدولار بشكل مطرد في الأشهر القليلة الماضية. يعتقد أولئك الذي يتابعون بتوتر حراك العملات الرئيسة أو تلك التي تشكل تأثيرا ما في الساحة الاقتصادية العالمية، بأن هناك مناورات تقوم بها الحكومات المختلفة بين الحين والآخر، لتفادي ما يمكن أن نطلق عليه حرب عملات مباشرة. وفي مقدمة هذه المناورات الإفراط في شراء الأسهم من قِبل هذه الحكومة أو تلك. هكذا فعلت الولاياتالمتحدة في الأشهر الماضية، وكذلك اليابان. ومن المرجح أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بذلك. إنه في الواقع حراك بديل عن حرب عملات مكشوف، خصوصا أنها حرب قد تصعب السيطرة عليها فيما لو وصلت إلى مراحل خط لا رجعة عنه. إن العالم الآن، لا يحتمل أي حرب اقتصادية كانت. صحيح أن الكل يعمل لمصلحته، ولكن التاريخ أظهر أن المصلحة المستدامة أفضل كثيرا من مصلحة سرعان ما تنتهي، بل تتهدد من هذا الطرف أو ذلك. قد لا تندلع حرب عملات، ولكنها بالفعل ربما تندلع بأشكال أخرى، لا دخل لها مباشرة بالعملات.