عبدالقوي المنصري مكة أون لاين - السعودية كعادته كل يوم، كان الفتى البالغ من العمر تسعة عشر عاماً يجوب شوارع فيينا لممارسة هوايته في رسم اللوحات الطبيعية لمتذوقي الفن، وكانت القروش القليلة التي يجود بها مقتنو هذه اللوحات ضرورية لدفع إيجار غرفته الصغيرة، نسيت أن أخبرك إن اسم هذا الفنان «الحساس» هو أدولف هتلر الذي أشعل فتيل الحرب العالمية الثانية لاحقاً، وكان سبباً في إزهاق أكثر من ستين مليون روح. فما الذي افتقده هتلر ليصبح من أكبر سفاحي التاريخ؟ فرعون وهتلر وجنكيز خان وقائمة طويلة من سفاحي الدماء الذين صبغوا صفحات التاريخ باللون الأحمر، افتقدوا ذلك الإحساس الداخلي الذي «يُضمره» عقل الإنسان للتمييز بين الصواب والخطأ، وهو ما يطلق عليه الضمير. فالضمير هو المحرك الأساسي الذي يقود الشخص لعمل ما يتفق مع المبادئ الإنسانية السليمة أو «الفطرة»، وهو ما يحرقه مرارةً وندماً عند ارتكابه الخطأ، فلو فرضنا أن شابين شاهدا حادث سير خلّف مصاباً ينزف، فإن أحدهما قد يمد يده لمساعدته، بينما يشرع الآخر في تصويره لمجموعته في الواتس أب. هل يموت الضمير؟ بالطبع نعم ، وعادة ما يكون القاتل هو الغرور أو ما يدعى في علم النفس بالإحساس المتعاظم ب»الأنا»، فهذا فرعون يعلن لملأه «أنا ربكم الأعلى» ثم يأمر بقتل أطفال بني إسرائيل في أحضان أمهاتهم، أما الصاحب السيئ الذي يزين الخطأ ليبدو أكثر إغراءً فهو المتهم الثاني بقتل الضمير، فيرى الشاب أن مضايقة عامل النظافة المغلوب على أمره «كول» بدلاً من «حرام». وموت الضمير يسلب الراحة فهو وسادة كما يقول الفرنسيون، وهذا يذكرنا بقصة الملك عمرو بن تبّع الذي قتل أخاه حسان فلم يستطع النوم بعدها حتى مات، وكان أحد أعوانه قد حذّره «ألا من يشتري سهراً بنوم/ سعيدٌ من يبات قرير عين». قد تكون الأمثلة السابقة شديدة التطرف، لكنها تقودنا إلى المدى الذي يمكن لفاقد الضمير أن يصله غير عابئٍ بمن حوله. وأخيراً إن أردت معرفة إن كان ضميرك حياً يرزق أو ميتاً يُتَرحّم عليه فاستفت قلبك كما قال رسول الله «يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون». aalmansari@