الاقتصادية - السعودية صدر الأمر الملكي رقم (أ/20) بتاريخ 7/2/1436ه، بتكون لجنة شرعية لإعداد مشروع "مدونة الأحكام القضائية"، حيث تصنف على شكل مواد بناء على أبواب الفقه الإسلامي ومواضيعه، وذلك من أجل تدوين المواضيع الشرعية التي يحتاج إليها القضاء. وسيعتمد لصياغة هذه المدونة على حصر المواضيع المتداولة في نزاعات القضاء، وتدوين الراجح من أقول العلماء في المسائل الثابتة والمستقر عليها على شكل مواد محددة. وتتكون اللجنة من عدد من أصحاب الفضيلة والعلماء بمختلف المجالات الفقهية إضافة إلى الخبرات المرتبطة بالقضاء وإجراءاته. والهدف من هذه المدونة هو تقنين أحكام القضاء على شكل مواد محددة ومرقمة متفرعة بناء على أبواب الفقه الإسلامي، ليسهل على القاضي الاستناد في حكمه على مواد هذه المدونة. وحقيقة أن هذه المدونة لا تمنع القاضي من حق الاجتهاد، فإذا ما وصلت قناعة القاضي إلى خلاف ما نصت عليه مواد المدونة، فله الحكم باجتهاده مع التسبيب في عدم الأخذ بمواد المدونة وكذلك تفنيد حجة اجتهاده لكي تكون مقبولة أمام المحكمة الأعلى درجة، وقبل كل شيء أمام الخصوم. وبذلك تسقط حجة أن التقنين يغلق باب الاجتهاد، فباب الاجتهاد دائما مفتوح. على سبيل المثال نجد أن الدول الأنجلوساكسونية تطبق مبدأ السوابق القضائية كمصدر ملزم وأساسي في التشريع، ولكن ذلك لم يمنعها من تعديل بعض المبادئ القانونية المستقر عليها لمدة تزيد على ال 100 سنة، رغم أن هذا المبدأ القانوني نشأ بناء على رأي معتبر من قاضِ في محكمة عليا، قام بدعم أسباب قراره بمسببات وحجج قوية حتى أصبحت كمبدأ قانوني يؤخذ به فيما بعد، ويستند عليه في القضايا المشابهة، لكن ذلك لم يمنع من أن يؤخذ بمبدأ قانوني آخر يناسب الزمان والمكان في قضية أخرى، واُسند بحجج قانونية أكثر قوة. جدير بالذكر، أن مجلس الشورى وافق عام 1433ه على إعداد مدونة الأحكام القضائية لتشمل على الأحكام الفقهية في مجالات الأحوال الشخصية والأسرة والمعاملات المالية والحدود والجنايات والعقوبات والتعزيرات. ويعتبر الأمر الملكي حاسما لجدل طال به الزمن دون أسباب مقنعة، وهي خطوة مهمة لتطوير مرفق القضاء، والاستعجال في نظر القضايا العالقة، والتسهيل على القضاة في حسم القضايا التي تم الاجتهاد فيها سابقا، مع حفظ حقهم في الاجتهاد إذا وجدوا عدم تطابق للحالة المنظورة مع مواد المدونة. وما تم اعتماده لا يعتبر أمرا مستحدثا أو جديدا، فقد صدرت "مجلة الأحكام العدلية" في عام (1293ه) وكانت مواده بعدد (1851) مادة، وتم الاعتماد على القول الراجح في المذهب الحنفي. ثم بعد ذلك تمت صياغة "مجلة الأحكام الشرعية" بناء على توجيه المغفور له الملك عبد العزيز، وقام بإعدادها قاضي مكةالمكرمة الشيخ أحمد بن عبد الله القارئ رحمه الله ، بناء على قواعد المذهب الحنبلي، وكانت مواده بعدد (2382) مادة، ولم يتم العمل بها لوجود اختلاف بين العلماء ذاك الحين. وختاما، تجدر الإشارة إلى أن مشروع "تدوين الأحكام القضائية" سيكون خطوة إيجابية في تطوير مرفق القضاء، وأثره المستقبلي المتوقع إيجابيا بإذن الله . وسيعين القضاة في أعمالهم، وسترتفع جودة تسبيب الأحكام القضائية، وسيسهل على الخصوم معرفة مصير نزاعهم. ولا شك أن المشرع كان حصيفا عندما استخدم مصطلح "تدوين" بدلا من تقنين، نظرا لحساسية المصطلح الثاني، وذلك مماثلة لاستخدام مصطلح "نظام" بدلا من "قانون"، والنتيجة في الحقيقة واحدة.