مكة أون لاين - السعودية أثار ظهور أحمد الغامدي رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكةالمكرمة سابقاً، وطالب العلم الذي أخذ العلم ودرس وتعلّم في أحضان السلفية الإسلامية اللغة والحديث والفقه والنحو والصرف والتجويد، وأجيز من كبار العلماء، أثار ظهوره وزوجته الكريمة موجة من الآراء المتعارضة بين التأييد والرفض، لا نحتاج هنا للتذكير بها أو إعادة أسباب الاختلاف أو شرحها وتأويلها. الشجاعة التي تحلى بها الغامدي وهو يمثّل تياراً عريضاً يرى أنه أحد رموزه حتى بعد تركه لرئاسة هيئات مكّة بعد فتواه عن الاختلاط التي اختلف فيها مع السائد واجتهد بالأدلة في إبداء رأيه الشرعي حول جواز الاختلاط، وهو ما سبقه فيه رموز المؤسسة الدينية الرسمية «وزير العدل» وبعض الغيورين على صلاح المجتمع وعيشه بسلام، هذه الشجاعة التي يعرف بأن الأذى سيلاحقه إلى باب بيته، ممن يرون بأنهم رعاة الفضيلة بعيداً عن كل القيم التي ينشأ عليها المؤمن السويّ في قبول اختلاف الآراء حول المختلف فيه وعليه، وإخضاعه لقراءات عميقة في الأصول الشرعية والتاريخية والاجتماعية، وبصحيح النصوص والأحداث والروايات. ما أقدم عليه الشيخ الغامدي يفتح باباً واسعاً وكبيراً بصفته أحد أبناء هذه المدرسة النجباء الذين عرفوها من الداخل وخاضوا كافة علومها ومعارفها، أي إن رأيه ليس انطباعياً مثلما فعل ويفعل مجموعة من المعارضين الذي يخوضون الآن دون علم ولا معرفة معركة غير نزيهة مع رجل علم ومعرفة. ولأنه رجل فاضل وابن عائلة كريمة فلن يلتفت لكل ما سيجري وما هو متوقع من أشخاص لا علم لهم غير ما وجدوا عليه آباءهم ومعلميهم. الاختلاف الشجاع هو ما فعله الشيخ الغامدي، وهو ما سيجعلنا نعيد للمرة الألف أن الحياة ليست ملك أحد وأن العلم والمعرفة ليسا ملك أحد، وأننا شركاء حتى بآرائنا، وكل في حقله. الاستسلام الطويل للاجتهادات الفقهية، عليه أن ينتهي، وسبق أن جاءت هذه الدعوة من حوار الحضارات، وهي المشاركة الأهم التي لم نستثمرها محلياً بالرغم من أن الملك بنفسه أعلنها مبادرة عالمية، ولم نستفد منه على مستوى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والذي بلا شكّ قدم نموذجاً مهماً في محاوره التي طرحت في دوراتها الأولى، والتي بسببها تم تأسيسه من أجل أن نختلف ونتحاور ونجتمع لفكّ حالة الاحتقان التي أفرزتها المرحلة، لم نستفد من كل الفرص التي أتيحت لنا منذ الجهاد الأفغاني وحتى آخر حوادث الإرهاب. أفرزنا منذ مواجهة الثمانينات (الجهاد والحداثة) مجتمعاً متعصباً بأفكاره يدخل مسرح الحياة من أجل معركة إقصاء، وإثبات حقيقة ليست ملك أحد، بل هي ملك المعرفة والعلم والحضارة والإنسان. اخترعنا المصطلحات قبل فهمها ومعرفتها، روجناها كشتائم وسموم، اختلفنا في المنابر، واستغلت حتى المساجد من أجل معركة خاسرة بكل المقاييس إذا ما وضعنا اعتبار المجتمع أولا وأخيراً، هي معركة تيارات وفئات وطوائف، وليس معركة معرفة وثقافة. حاصرنا حياة الناس، بالحرام والمنبوذ والمكروه، أقصينا الأدب والثقافة والفنون، حتى خرجنا إلى العالم بجسد أعرج لسنوات طويلة تفككت بفعل غيرنا، بعد أن وجدنا أنفسنا أمام عالم مفتوح من الخيارات والتنوع، ومع ذلك أجدنا استغلاله لإعادة إحياء نفس المعركة! الدين ليس ملك أحد، إنه ملك لله ورهن للبحث والدرس والمعرفة والتفسير والتحليل والقراءات المختلفة، وحياة الناس ليست بهذه البساطة المتخيلة من قبل تابعين ومترددين أمام جرأة مواجهة العلم، والأوطان ليست استسلاماً وخوفاً بقدر ما هي أمان وسلام. الشيخ الغامدي يعيد فتح الأبواب من جديد، وهو يدرك ما سيحدث له، وربما يخمّن ما سيحدث لنا، لا نستطيع أن نسلب منه التفاؤل ولا أن يغلب علينا طابع التشاؤم بالنظر إلى تاريخ المعركة وقادتها وخسائرها. يعيد فتحها لأنه ناهل من العلم ما يكفيه أن يقول، وقال، وعلينا أن نعيد قراءة كل ما اختلفنا فيه، من أجل الحياة ومن أجل السلام، إن كنا نرى في ديننا الذي نحبه ونحييه سلاماً أبدياً.