أخبار تركيا صحيفة "حرِّيت" التركية تعد أكبر صحيفة في البلاد وأهمها، مع أن هناك صحفا أخرى أكثر انتشارا منها، ولذلك يطلق عليها "سفينة أدميرال في الإعلام"، لأن ما تنشره هذه الصحيفة يعبِّر غالبا عن رأي القوى العلمانية المؤثرة في تركيا، وهي من الصحف المعارضة للحكومة وحزب العدالة والتنمية. يوم الأربعاء الماضي، نشرت صحيفة "حرِّيت" تقريرا مثيرا، بعنوان "الأُذْن الفي آي بي"، حول عمليات التنصت غير القانوني التي قام بها "الكيان الموازي"، ويشير التقرير إلى تنصت "الكيان الموازي" ما بين عامي 2008 و2009 على مكالمات 160 شخصية كلهم من المشاهير في مجالاتهم من العسكريين ورجال الأعمال والإعلاميين. وكما جاء في التقرير أن عمليات التنصت هذه تمت بناء على طلب استخبارات الشرطة وموافقة القضاء لتبدو بصورة قانونية، بإدراج أرقام هؤلاء الأشخاص ضمن أرقام مشتبهين في قضايا الإرهاب والجريمة المنظمة. ما جاء في التقرير ليس جديدا بالنسبة لكثير من المتابعين، ولم يعد قيام "الكيان الموازي" بعمليات التنصت غير القانوني على نطاق واسع خافيا على أحد، إلا أن نشر صحيفة "حرِّيت" هذا التقرير بعنوان عريض في صفحتها الأولى يعني اعترافا منها بوجود "الكيان الموازي" وجريمة التنصت غير القانوني بهدف التجسس وجمع المعلومات لصالح هذا الكيان، لأن جماعة كولن دأبت على إنكار وجود "الكيان الموازي" التابع لها ومحاولة التنصل من مسؤولية جرائمه والسعى لتصوير ما يجري على أنه استهداف الحكومة للجماعة بتهم ملفقة. صحيفة "حرِّيت" تابعة لمجموعة "دوغان" الإعلامية التي يملكها رجل الأعمال التركي آيدين دوغان، وكانت المجموعة تحالفت مع جماعة كولن وحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ودعمت بقوة مرشح هذا التحالف أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمر الذي يزيد أهمية اعتراف صحيفة "حرِّيت" بوجود جريمة التنصت غير القانوني، وإن جاء هذا الاعتراف متأخرا إلا أنه خير من أن لا يأتي أبدا. الآن، بعد أن أصبحت جريمة التنصت غير القانوني لا يمكن إخفاؤها بأي حال ولم يبق مجال لإنكارها، تحاول جماعة كولن تحميل الحكومة مسؤولية هذه الجريمة، ولكنها تتخبط في هذه المحاولة، وكانت بالأمس تنكر وجود كيان موازٍ وعمليات تنصت غير قانوني، وتقول اليوم إن الاستخبارات التركية هي التي قامت بتسريب التقرير الأخير إلى صحيفة "حرِّيت" وتزعم أن عمليات التنصت غير القانوني المذكورة في التقرير تمت بعلم الحكومة. وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم تحصل على المعلومات بجهود مراسليها، وفي بعض الأحيان المعلومات هي التي تصل إليها من خلال التسريبات، وهذا أمر معروف في عالم الصحافة، وسواء كانت الصحيفة هي التي حصلت على المعلومات بجهودها الخاصة أو المعلومات تمت تسريبها إلى الصحيفة فالمهم مدى صحة تلك المعلومات. ولو افترضنا جدلا أن تقرير صحيفة "حرِّيت" تسريب من جهاز الاستخبارات فهذا لا يعني على الإطلاق أن المعلومات الواردة فيه غير صحيحة. هذا، بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام التابعة لجماعة كولن هي نفسها سبق أن نشرت تقارير عديدة تحتوي على معلومات مسربة من رجال "الكيان الموازي" المتغلغل في أجهزة الأمن والاستخبارات، بل وهناك صحفيون محسوبون على الجماعة كانت بضاعتهم الوحيدة حتى الوقت القريب تلك المعلومات المسربة، ونشروا تقارير ومقالات وألَّفوا كتبا بناء عليها. وسائل الإعلام التابعة لجماعة كولن تزعم حاليا أن عمليات التنصت غير القانوني كلها تمت بعلم الحكومة، في محاولة للتنصل من مسؤولية هذه الجريمة، إلا أن هذا الادعاء بحاجة إلى دليل، وليس هناك أي دليل يشير إلى رغبة الحكومة في إجراء مثل هذه العمليات أو إلى حاجتها لها، ولو كانت الجماعة تملك دليلا يؤكد صحة ما تدعيه لقدَّمته إلى الرأي العام. بل الأدلة كلها تشير إلى أن "الكيان الموازي" قام بعمليات التنصت غير القانوني وأخفاها من الحكومة، لأن هناك شخصيات مقربة جدا من الحكومة ومن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان تم التنصت على مكالماتهم ولا يعقل أبدا أن تتم عمليات التنصت تلك بعلم الحكومة.