جسر المحبة    الجنف.. عدو العمود الفقري    منجزات مشروعات «أمانة تبوك» على طاولة خالد بن سعود    دعم القطاع الخاص للبحوث والدراسات العلمية    الشرع يفتخر بما فعلته السعودية لمستقبل سوريا    القيادة تعزي رئيسة الجمهورية الهيلينية    أمير نجران يكرّم قائد الأفواج الأمنية بالمنطقة سابقاً    أمير حائل يدشن مهرجان العسل    عشاق الزيتون    الذهب يرتفع وسط انخفاض الدولار.. والأسهم إيجابية    مترو الرياض الأول عالمياً    سلمان بن سلطان: زراعة أشجار العود والصندل تعزيز للاستدامة البيئية    أهمية قائمة الطعام وتصميمها    انحراف المدرج .. تحديات وحلول    مطار جدة.. حالة جوية طارئة !    سعود بن نايف يطلع على جهود «أصدقاء السعودية»    الذكاء الاصطناعي ليس عبقرياً    الخارجية الفلسطينية تدين التصريحات التحريضية الإسرائيلية    محاكمة محمد سامي بتهمة الضرب والقذف    واشنطن: موسكو تمول طرفي حرب السودان    شاحن لتشغيل 5 أجهزة حاسوب في وقت واحد    أكل النقانق «خيانة» في كوريا الشمالية    عوائق العلاقات الطبيعية بين لبنان وسورية    العميد يقصي الزعيم بالترجيحية.. والقادسية يلتهم السكري    في انطلاق كأس السوبر الإسباني بالجوهرة.. برشلونة في اختبار أتلتيك بيلباو    «الآسيوي» يعلن مواعيد وملاعب كأس آسيا «السعودية 2027»    القادسية يتغلب على التعاون بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي كأس الملك    البطل السعودي عبد الله القحطاني: حزام بطولة PFL حلم تحقق بالتعب وأعد جمهوري بالمزيد    "اتحاد القدم" يدعو الأندية للاجتماع الدوري لمشروع التوثيق    خيسوس مدرب الهلال : الفريق الأفضل لم يفز الليلة والنتيجة لم تعكس واقع المباراة    اعتزلت الملاعب    مجلس الوزراء: الموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية وتعديل نظام المرور    أمر ملكي بتعيين 81 "مُلازم تحقيق" بالنيابة العامة    136 محطة ترصد الأمطار.. و«منى» تسجّل الأعلى    حرس الحدود بجازان يقدم المساعدة لمواطن تعرض لأزمة صحية في عرض البحر    نجاح.. شهرة.. ثقافة    أمر ملكي بتعيين (81) عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    «حياكة السدو» تستوقف زوّار «حرفة»    جازان تستضيف النسخة الأولى من معرض الكتاب 2025    جائزة الملك فيصل تعلن الفائزين للعام الحالي    أساس الألقاب في المجتمع السعودي    احسبها صح .. بعيداً عن الفوضى    محتوى الإعلام الدولي.. ومؤتمر سوق العمل !    الأفلام والدخل الوطني    لماذا بطولة بولو العالمية في صحراء العلا ؟    هيئة الأوقاف تعرّف بخدماتها في تبوك    أمير الشمالية يتفقّد مبنى إدارة الأدلة الجنائية الجديد    «تخصصي المدينة المنورة» يحصل على «الآيزو» في إدارة المرافق    «HMPV».. فيروس صيني جديد يثير هلعاً عالمياً    طريقة عمل المكرونة بالتونة والريحان    نائب وزير الداخلية يستقبل السفير المصري لدى المملكة    تعديل نظام المرور والموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية    ابتسم تختتم العام بتوعية وعلاج أكثر من 58ألف مستفيد ومستفيدة بمكة    136 محطة ترصد هطول أمطار في 9 مناطق    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    بلسان الجمل    العداوة الداعمة    حماية البذرة..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاكتفاء بالفقر
نشر في أنباؤكم يوم 14 - 11 - 2014


الاقتصادية - السعودية
بعد أن أنهى فيصل دراسته الجامعية، أصبح يعمل في جهة حكومية، وبعد الدوام، تمتلئ أحاديثه اليومية بأشكال السخط والتذمر. لا يرى تطويرا وظيفيا كافيا في مقر عمله ولا فرصا مغرية في السوق، يظن أن الفرص الموجودة لا تقترب منه، هناك من يتعمد إبعادها عنه. يقول في نفسه: "لو لم يوفقني ربي بهذه الوظيفة لأصبحت في عداد العاطلين، تماما كبقية الأصدقاء!" بهذه العبارة يبدي فيصل رضاه ويوقع تعهد اكتفائه بالفقر.
يخطط لشراء أرضه الأولى والوحيدة بعد ثماني سنوات، لربما يتيسر له بناؤها بعد ذلك بعقد أو عقدين من الزمان حين يقترب منها العمران، فهو يؤمن بشدة بأن راتبه لن يحظى إلا ببعض العلاوات الروتينية، وسيكون في حال مشابهة بعد عدة سنوات. هو في الحقيقة يرى عشرات العوائق الضخمة جدا بينه وبين أي فرصة لتحسين وضعه الوظيفي، ومع ذلك يعبر عن الرضا ولكن بطريقة مشوهة، يصرح لمن حوله بالقناعة ويلحقها بعد ذلك بالتذمر. يتساءل أحيانا: "هل أستحق هذا الواقع؟ على الأرجح نعم، ما دام أنه واقع، فهو ما أستحق!"
أقنعه أحد أصدقائه بالتقدم للعمل في القطاع الخاص، ولم يرد عليه أحد. تعززت قناعاته السابقة. وبعد كل محاولة يقنع نفسه بالرضا وهو غير موجود، ويبرر لنفسه بالتذمر وهو لا يستحقه.
كانت هذه تفاصيل الحقيقة التي عكستها سيرة فيصل الذاتية حين تسلمها أحد أصدقائي – مشرف التوظيف – أخيرا، عندما كان يقلب السير الذاتية ووصلته تلك الورقة التي تشبه غيرها من أوراق السير. مقاسات مختلفة للخط، بلا تنسيق، أخطاء إملائية، وعبارات متشابهه ومكررة، وغياب تام لأي نشاط جانبي معبر، مثل هذه السيرة الذاتية عبارة عن إثبات مكتوب للجودة المتدنية. يقول لي صديقي المشرف على التوظيف: "نستقبل المئات من هذه السير ولا أستهلك في العادة إلا بضع دقائق لتمضي في طريقها إلى سلة المهملات!"
ولكن بسبب ضغط التوطين وحاجتنا العاجلة نستدعي بعضهم أحيانا للمقابلة الشخصية على الرغم من تردي السيرة الذاتية، لعل وعسى أن نجد ما يسد رمق مشاريعنا وأعمالنا المتسارعة. وهذه المرة كان فيصل ضمن هذه الأسماء. تكمن المفاجأة في أن فيصل الحقيقي – عند لقائه – كان أفضل مما تخبر سيرته المكتوبة بمراحل. يقول لي مسؤول التوظيف: "وجدت أمامي شابا واثقا بنفسه في هندام منضبط وردود ممتازة تعبر عن ذكاء ونباهة، غير أن طريقة الحوار تبدلت كثيرا حينما عبر عن استيائه لغياب الوظيفة التي ترضي طموحه، ثم سارع وبادلني بمشاعر الاكتفاء والاحتياج في تناقض عجيب".
لم يكن هذا الاختلاف إلا واقعا لغياب مهاراته التي تسوق قدراته في سوق العمل. مجموعة التناقضات في حواره وسيرته المكتوبة ليس إلا انعكاسا لتناقضات الواقع في شخصه، فهو يستحق أفضل مما ينال بكثير. مثل فيصل، يعرف ولا يتكلم، يستطيع ولا يحاول، يريد ولا يسأل.إمكانات غير مستغلة وفرص "بالكوم" تضيع بين يديه. يقول لي هذا الصديق: "الكثير من الشباب الذين يبحثون عن الوظائف يستخدمون عملات بالية لا يقبلها أحد! يتعجبون إذا تم رفضهم، ثم يتعجبون من مشاهد الشراء والبيع التي يرونها كل يوم، من المخزي أن يصبح حديثهم: انظر إلى سيارة هذا المقيم!". فعلا، لن ينتظرهم أحد حتى يصحوا من غفوتهم، فالسوق يبحث عن الجاهز الملائم ولا أحد يضيع وقته في تطوير من لم يطور نفسه.
كانت في السابق حجة الواسطة – وهي لا تزال تعشش في عقول وسلوكيات البعض – كافية لتفسير الكثير من الخيارات الصعبة. ولكن اليوم أثبت عشرات الشباب أن الواسطة مجرد طريق غير أخلاقي تنافسه الكثير من الطرق الأفضل والأطيب والأسهل بكثير، سواء كانت تعتمد على العلاقات الضرورية في سوق المهن، أو على المهارات الأهم في تسويق الذات. يعتقد الكثيرون – حتى اليوم – أن فرصة السعودي للبدء من الصفر إلى مداخيل بعشرات الآلاف شهريا لا تحدث إلا بالحظ الذي يفلق الصخر أو الواسطة التي لا ترد، وهذا هراء محض. على الأقل، هناك خيارات أخرى ممتازة وواقعية لمن لا يملك الواسطة.
مهارات بسيطة ولطيفة، يقرأها الشاب في كتاب أو يشاركه فيها مرشده أو يتعلمها في دورة سريعة، كافية لإزاحة الكثير من العوائق الضخمة التي تنتفخ بأحاديث المجالس وترهات الكسالى. بعض التحفيز الذاتي، وبعض الهمة، وشيء من الأمل الذي يفلق الصخر – وليس الحظ – يخرج بالإرادة والعزيمة والجني السريع والدائم للأرباح! وبكل تأكيد رضا حقيقي، ومنزل أفضل، وحياة أتم وأكمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.