حين تدلف لأحد مراكز "طاقات" تشعر لوهلة أنك أمام شيء مختلف، ابتداء من هيئة المركز مرورا ببيئة العمل، وصولا للأفكار التي تنداح على الأرض، وعندما تتعمق أكثر لتعرف عمل هذا المركز، تدرك أن هناك أفكارا عظيمة تسير على قدمين، هذا ما أحسست به حينما دلفت لمركز طاقات في تبوك، فهناك كم هائل من النبل يهيم في الأرجاء، والأهم أن هذا النبل يقوده شباب سعودي عرف جيدا معنى أن يخدم وطنه. ما هو برنامج "طاقات"؟ قابلني في بداية دخولي للمركز نائب المدير علي الركابي، رحب بي بطريقة عصرية، ثم فجأة انطلق كصقر يعرّفني بالمركز والبرنامج، وأنا أنظر له فاتحا فمي، لا ألوي على شيء، قال "تتمثل خدمات مراكز طاقات في المملكة، في تقديم كافة السبل التي يحتاجها الباحث عن العمل، وصاحب العمل، لتيسير مهمة التوظيف والاستمرارية في بيئة سوق العمل" وأخذ يفصّل ذلك بقوله "تتلخص هذه السبل في أربعة خدمات: أولها خدمات الإرشاد المهني، ومن خلال هذه الخدمة يُوفر لكل من الباحثين عن العمل مستشاراً خاصاً به يقوم بإرشاده عن معلومات تفصيلية عن قطاعات العمل والمهن التي تناسبه، وكذلك مساعدته في إنشاء سيرته الذاتية ودعمه لأداء مقابلات شخصية مميزة مما يعزز ثقة الباحث عن العمل بنفسه، وكذلك رضا صاحب العمل عنه". ويكمل الركابي حديثه قائلا "يقوم المركز أثناء هذه المرحلة في توفير جميع ما يحتاجه الباحث عن العمل لدعمه مثل: توفير أجهزة حاسب آلي، وإنترنت مجاني، وفاكس، وآلات تصوير، والصحف اليومية، والمجلات المتخصصة في شؤون التوظيف والعمل، وهواتف ثابتة" ويؤكد أن هناك خدمات تدريبية من خلالها الاحتياجات لطالبي العمل بكافة المركز، وتصميم وإلقاء دورات تتناسب مع حاجة الباحثين عن العمل وطلب السوق، ويقول "على سبيل المثال إن كان هناك طلب على قطاع البنوك، فيقوم المركز بإلقاء دورات تخص هذا القطاع"، ويشير الركابي إلى أن هناك خدمات التوظيف، بحيث يتم في هذه المرحلة عرض الفرص الوظيفية المتوفرة في القطاع الخاص، وتنسيق اللقاءات بين الباحثين عن العمل والمنشآت الخاصة، وفي نهاية حديثه قال لي الركابي "المرحلة الأخيرة التي يمر بها الباحث عن العمل، تكمن في خدمات ما بعد التوظيف، وفي هذه المرحلة يقدم مستشار التوظيف الدعم اللازم للباحث عن العمل، الذي تم توظيفه من خلال المركز بجميع المهارات، وحل مشاكله ومخاوفه المتعلقة في بقائه بأول وظيفة له، مما يضمن خدمة عالية لصاحب العمل، وضمان استمرارية الموظف في سوق العمل". التجربة تتحدث ماهر العلوي "أحد مستفيدي المركز" حكى عن تجربته مع برنامج طاقات وقال "حينما قدمت استقالتي من وظيفتي التي تعد من أمور حياتي المهمة، التي كنت أعيش من خلالها شعرت بالخيبة، بقيت قرابة السنة عاطلا عن العمل، وسجلت اسمي في برنامج حافز"، ويكمل "ذات يوم وصلني اتصال من فرع برنامج طاقات، فحضرت إلى الفرع، وأنا أعتقد في داخلي أن ما سيقدمه لي البرنامج عبارة عن أشياء لا معنى لها، فكنت أقول فيما بيني وبين نفسي سيجدون لي عملا فلن يتجاوز مرتبه 1500 ريال"، وأكد أنه بدأ جلساته مع مستشاره، وسمع منه كل ما كان يريد، وسأله ماذا يحب أن يعمل؟ فأجابه قائلا "لم يكن هناك أفضل من عملي السابق في تلك الوظيفة التي قدمت استقالتي منها"، فعلّمه في البداية كيف يمكن أن يكتب سيرته الذاتية بطريقة صحيحة، وأقام له عدة دورات في الإيجابية، وتكوين الشخصية، وكيف يمكن أن تتحدث أمام الآخرين بدون خجل، وبلا ارتباك، فبدأ يحس فيما بعد بأنه تحول لشاب إيجابي. يقول العلوي "تواصل مستشاري مع الشركة التي كنت أعمل فيها سابقا، وبسؤالهم عني أثنوا عليّ كثيرا كموظف مجتهد، لكنهم تساءلوا لماذا تركت العمل؟، وهم لا يعلمون بأن وراء استقالتي أم مريضة بالفشل الكلوي، وأن كليتي التي تبرعت بها لأمي كانت تسبب لها مشاكل صحية، وأوجاعا لا تطاق، فلم أستطع أن أبقى بعيدا عنها، فكما قررت في البداية أن أهديها إحدى كليتي، فقد قررت في النهاية أن أبقى معها إلى أن تعود إلى صحتها"، معلقا على اجتهاد المستشار في التواصل مع الشركة، وإقناعهم به كطالب عمل يستحق أن يُعطَى فرصة أخرى، ويقول "ذات صباح اتصل مستشار توظيفي بمدير عملي السابق يسأله عمّا وصل إليه موضوع إعادتي إلى عملي، فقال له ذلك المدير: لقد كتبت خطاب تزكية لماهر، وأنا أطلب منك أن تطلب منه زيارتي ليكمل أوراق إعادة تعيينه"، حكى العلوي كيف ذهب بعد ذلك إلى مديره السابق، وكيف احتضنه وقبّل رأسه، وها هو ماهر الآن قد عاد لوظيفته السابقة. قصة نجاح جلست بجانب مستشار التوظيف فيصل العيسى، وبدأت أسمع منه حكايته الغريبة تلك، بدأها بقوله "صحيح أن نجاحي في الحصول على وظيفتي الآن كمستشار توظيف في مركز طاقات في مدينة تبوك ليس بالأمر الصعب، لكنني أعتقد أن وصولي إلى هذه المرحلة يعد أمرا هاما في مسيرتي العملية"، وأخذ يتحدث عن نفسه، فهو طالب بكالوريوس محاسبة، تخرج بعد 6 سنوات من الدراسة في جامعة الملك سعود، وبقي عاطلا عن العمل لأربعة أشهر، وقال "حينما سجلت في برنامج حافز، لم تكن الإعانة التي يقدمها برنامج حافز ذات أهمية بالنسبة لي، فأنا لم أسجل إلا لأنه تنامى إلى علمي أن برنامج حافز بالتعاون مع برنامج نطاقات يوفّر وظائف تناسب قدرات الباحثين عن العمل"، وأضاف "جاءني الاتصال من طاقات، فذهبت وجلست مع مستشار التوظيف، وأنا مبهور بجو العمل في هذا المركز، ونظرا لأن تخصصي في المحاسبة، فقد حاول مستشاري أن يجد لي وظيفة في أحد البنوك، لكنني رفضت ذلك، لأن العمل في قطاع البنوك له محدودية وبلا طموح"، وأوضح أنه ترك مستشاره في اليوم الأول، وعاد له مرة أخرى، وثالثة، ورابعة، وشعر أن هذا المركز جزء منه، يقول العيسى "مع مرور الوقت أصبحت صديقا لمستشار توظيفي، وتقابلت معه خارج العمل عدة مرات، حتى إنه دعاني مرة لزيارته، حينما تجمع هو وزملاؤه في العمل يثرثرون ويضحكون في إحدى الاستراحات، فانداحت الأحاديث فيما بيننا ولم أشعر بالغربة معهم" ويؤكد أنه بعد أيام جاءه اتصال من مستشار توظيفه يخبره بوجود وظيفة شاغرة في مركز طاقات بمدينة تبوك تحت مسمى (مستشار توظيف)، وسأله هل يود خوض مسابقة وظيفية عليها؟، يقول العيسى "شعرت بالفرح ليس لأن الفرصة سنحت لي بأن ألتحق بالعمل في مركز طاقات، إنما لأنني شعرت بأن مستشار توظيفي آمن بي، وآمن بموهبتي وإبداعي، إنه شعور المنجِز في هذه الحياة، وفي اليوم التالي ذهبت إلى المركز، ودخلت المقابلة الشخصية"، ويوضح أنه بعد يومين اتصل به مستشار التوظيف يطلب منه الحضور لإجراء اختبار عملي للوظيفة، فذهب واختبر برفقة متقدم آخر يملك مؤهلا دراسيا أعلى منه، لكنه لم يشعر بأن مؤهلات المتقدم الآخر ستكون سببا في استبعاده عن الوظيفة، يكمل العيسى "خرجت من ذلك الاختبار وقد كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا، لكنني تفاجأت باتصال مستشار توظيفي في تمام الخامسة عصرا، يخبرني فيه أن أرتدي غدا أفضل ثيابي وأباشر عملي كمستشار توظيف في المركز بعد أن تم قبولي". "طاقات" يوضح للناس من جانبه قال مدير مركز طاقات بمدينة تبوك والدمام عبدالله العتيبي "إن تجربة مراكز طاقات تجربة ناجحة جداً، فمراكز التوظيف الاحترافية موجودة في دول العالم الأول منذ عشرات السنين، ونحن كشركة أجنبية بكادر سعودي 100٪ قبل افتتاح المراكز، زرنا المملكة المتحدة لإلقاء نظرة عن قرب على ما هي هذه المراكز والخدمات التي توفرها" ويؤكد العتيبي، أنه بعد زيارة مراكز التوظيف بلندن قاموا بنقل الخبرات الأجنبية للمملكة، مراعين القيم الإسلامية والثقافة العربية، وأضاف "نحن هنا نقدم ما تقدمه هذه المراكز في المملكة المتحدة وأميركا وأستراليا والسويد وألمانيا، كما أننا وضعنا بعين الاعتبار اختلاف مستوى الباحثين عن العمل، وراعينا كل الجوانب حتى النفسية منها، وذلك باختيار تصاميم وألوان تساهم في تحفيز الباحثين عن العمل للعمل"، موضحا أنهم استطاعوا توظيف نحو 5 آلاف شاب وفتاة في مجالات مختلفة، منهم 700 بمدينة تبوك في أكثر من 300 منشأة في القطاع الخاص، وعن العوائق التي واجهتهم في المركز يقول "يواجهنا عدم جدية والتزام بعض الباحثين عن العمل، وشح الفرص الوظيفية، وتدني الرواتب في المدن الصغيرة" وتمنى العتيبي، في نهاية حديثه من كل شاب وفتاة الاستفادة من مراكز طاقات، والحرص على العمل الشريف المتوافق مع القيم الإسلامية والعادات الاجتماعية، كما دعا كل رجالات الأعمال والشركات، لدعم الشباب والشابات وتوفير وظائف مناسبة لهم برواتب مجزية.