السلطات الأميركية ترجّح «الإرهاب» كدافع لعملية دهس أودت ب15 شخصا في نيو أورلينز    فيصل بن فرحان يجدد موقف المملكة الداعم لأمن واستقرار سورية    «التعليم»: فتح التقديم للإيفاد بالملحقيات الثقافية في 27 دولة    سبب اقتراب رونالدو من البقاء مع النصر    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يعقد اللقاء الأول للجمعيات التعاونية في المنطقة لعام ٢٠٢٥    الدفاع المدني يؤكد أهمية اتباع إجراءات السلامة عند استخدام وسائل التدفئة    ضبط إثيوبيين في جازان لتهريبهما (89550) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    ضبط مواطن مخالف لنظام البيئة لدخوله بمركبته في الفياض والروضات في محمية الملك عبدالعزيز الملكية    السعودية تأسف لحادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيتينيي بالجبل الأسود    مدرب يوفنتوس : التفاصيل الصغيرة ستكون عامل الحسم بمواجهة ميلان غداً    قرية "إرث" بالواجهة البحرية بجازان.. وجهة سياحية وترفيهية وثقافية في موسم شتاء جازان 2025    الأمير سعود بن نهار يفتتح مشاريع تعليمية في الطائف    3702 نشاط ودورة تدريبية نفذتها أكاديمية و تدريب صحي جازان    الفتح يواصل استعداداته ومروان والموسى في برنامج علاجي مكثف    خبير عسكري مصري ل«عكاظ»: الأزمات النفسية تعصف بجيش الاحتلال الإسرائيلي    غدًا.. انطلاق رالي داكار السعودية 2025 بمشاركة أكثر من 800 رياضي يمثلون 70 جنسية    وزير الإعلام اليمني: مشاريع ومبادرات «إعمار اليمن» تحقق أثرًا إيجابيًا مباشرًا وتدعم التنمية المستدامة    فيصل بن مشعل يشهد توقيع مذكرة تفاهم لدعم النزلاء المعاقين بسجون بالقصيم    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم أهالي البكيرية لأبنائها الأوفياء    الأربعة أعوام الماضية ترفع نسبة التوطين بين الحرس الوطني والشركات إلى 100%    الذهب يواصل مكاسبه في العام الجديد مع ضعف الدولار وتوقعات الحذر لأسعار الفائدة    «الجوازات» تعاقب مخالفين ب19914 قراراً إدارياً    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة يُطلق معجم مصطلحات الخطوط الحديدية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب السوري    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السلطة الفلسطينية توقف بث قناة الجزيرة    تشغيل مهبط طائرات الإخلاء الطبي ب«أملج العام»    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    خطر ثلاثي يهدد الدماغ    5 عادات شائعة تُسرّع شيخوخة الدماغ    حماية التوحيد منذ فجر التأسيس إلى العهد المجيد    قلوب متحجِّرة    قليل من الكلام    الملك عبدالعزيز وفلسفة التوفيق    حديقة الحيوان بين التراث والحداثة    أحسن إلى نفسك    توافق سوري - مصري لتحقيق الاستقرار    عامٌ جديد وصفحةٌ نخطُّ فيها العمل والبناء    لماذا تراجع الأخضر كثيراً ؟    حصاد رابطة أندية الدرجة الأولى للمحترفين في 2024    القيادة تهنئ رؤساء السودان وسويسرا وكوبا وسلوفاكيا    6200 دولار سعر شريحة خيار مخلل    صندوق تنمية الموارد: توظيف 169 ألف مواطن خلال 3 أشهر    5 مجمعات جديدة للاستثمار التعديني    أمسية شعرية في ختام فعاليات «عام الإبل» في جدة    وزارة الثقافة تدشن مبادرة «عام الحرف اليدوية 2025»    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    «الثقافة» تُطلق «هاكَاثون الحِرَف» ضمن مبادرة «عام الحِرَف اليدوية» 2025    «الداخلية الكويتية»: القبض على متهم هارب صادر بحقه 11 حكماً بالحبس واجب النفاذ    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل    أبو منذر وباحويرث وبن سلمان يحتفلون بزواج محمد وطلال    "ضمان" العاصمة المقدسة يكرم كشافة الشباب    جازان: نجاح أول عملية كي للعصب الكلوي    القصيم: إطلاق مبادرة «نقطة تواصل» لتبادل الخبرات الطبية    مستشفى القطيف يناقش أمراض الأطفال الشائعة    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعويض عن أضرار إصدار القوانين
نشر في أنباؤكم يوم 14 - 11 - 2014


د. عبد اللطيف القرني
الاقتصادية - السعودية
في الأصل يعد القانون كل ما يصدر عن السلطة التشريعية، ويحتوي على قواعد قانونية عامة مجردة، وللجهة التشريعية الكلمة العليا في تنظيم المجتمع بواسطة التشريعات المختلفة باعتباره يهدف دائما إلى تحقيق المصلحة العامة من خلال سن قوانين تساعد على نمو المجتمع وتقدمه، إلا أن هذه التشريعات بالرغم من استهدافها المصلحة العامة إلا أنه قد يترتب عليها مصادرة نشاط معين، أو الحد من حرية بعض نشاطات الأفراد، مثل: حرية التجارة أو حرية الصناعة وهذا التقييد قد يلحق أضرارا ببعض الأفراد، ومن ذلك أن يصدر قانون باحتكار نشاط معين، أو إلغاء امتياز معين كان يتمتع به بعض الأفراد، وهنا يثور التساؤل عن مدى إمكانية حصول هؤلاء الأفراد على التعويض من الدولة لجبر الضرر الناتج عن هذه التشريعات.
في البداية كان القضاء الفرنسي حتى وقت قريب يقرر عدم مسؤولية الدولة عن الأضرار التي ترتبها القوانين إلا في حالة إذا نص المشرع ذاته على التعويض، أو عندما يكون الفرد متعاقدا مع الدولة، وتحصل أحوال نظرية عمل الأمير أو الظروف الطارئة، ففي مثل هذه الحالات يجوز التعويض عن الأضرار التي تسببها القوانين، وهذان الأمران من الأمور التي تتفق عليها كل التشريعات، وليست محل إشكال، وهي خارج نطاق كلامنا هنا.
فالاتجاه بعدم التعويض عن إصدار القوانين هو الذي ما زال يعتنقه القضاء الإداري المصري حتى وقتنا الحاضر، وهو المستقر عليه في قضاء ديوان المظالم، فلا تعويض عن القوانين حتى لو ثبتت مخالفتها الدستورية؛ بل يتم إلغاء هذه القوانين دون تعويض، استنادا إلى فكرة عدم وجود مسؤولية في الأساس عن القوانين، وكون السلطة التشريعية ذات سيادة، وأيضا إقرار مبدأ التعويض يؤدي إلى تعطيل سبيل الإصلاح والتشريع، وتطوير القوانين ما يجعل الدولة تتردد كثيرا إذا كان هناك احتمال لرفع دعاوى تعويض.
ونظرا لكون القضاء الإداري في فرنسا هو المؤسس لكثير من النظريات القضائية، فنوضح للقارئ الكريم أن هذا القضاء قد تطور وعدل عن فكرة عدم التعويض، ففي حكم لافلوريت الذي صدر عام 1938م، الذي قرر مبدأ قضائيا يؤسس أن صمت المشرع عن التعويض في قانون معين لا يعني بالضرورة رفضه لمبدأ التعويض؛ بل يكون الأمر متروكا للقضاء تقديره، ويتدخل القضاء ويحكم بناء على أساس فكرة الخطأ أو أساس فكرة المساواة أمام التكاليف والأعباء العامة، وتطورت الأحكام القضائية بناء على تطور الفقه القانوني الذي حاول تقرير مسؤولية الدولة عن إصدار القوانين من خلال تحديد معايير يتم البناء عليها في التعويض من عدمه، فبعضهم أسس معيار التفرقة بين القوانين الأصلية والقوانين التكميلية، فالقانون الأصلي لا تعويض فيه، وإن تسبب في أضرار على البعض، مثل قانون يمنع إصدار بعض الصناعات الضارة بالمجتمع عموما، بينما أجاز التعويض عن القانون التكميلي، مثل: قانون تنظيم بيع الحديد فهو يضر بمصلحة البعض، وهو تكميلي للمجتمع، ولكن في الواقع التطبيقي حصل خلاف كبير حول بعض القوانين هل هي أصلية أم تكميلية؟ ما جعل هذا المعيار لا يتلاءم مع المبادئ المستقرة، وبعضهم أسس معيار الإثراء بلا سبب، وهذا أضعف من المعيار السابق لكون إصدار القوانين يعد سببا صحيحا، واستقر الفقه القانوني على اعتبار معيار تحمل التبعة، فالدولة مسؤولة من باب تحمل التبعة، وليس على أساس فكرة الخطأ استنادا إلى مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، وهذا المعيار في تحديد الحكم بالتعويض من عدمه هو أكثر المعايير منطقا، وهو الذي لاقى القبول وما زال متماسكا، فمتى وجدت الضوابط للتعويض، فيتم التعويض بناءً على فكرة تحمل التبعة، ولكن القضاء الفرنسي لم يترك الاجتهاد القضائي بلا ضوابط؛ بل وضع ضوابط مبثوثة في أحكام مجلس الدولة، وهي على النحو التالي:
1 - أن يكون المشرع قد سكت عن مبدأ عدم التعويض، فإذا وجد نص بعدم التعويض عن إصدار هذا القانون، امتنع القاضي عن الاجتهاد، ووجب عليه أن يحكم برفض الدعوى، والسلطة التشريعية تحاول الابتعاد عن هذا النص غالبا؛ بل تترك تقديره للقضاء.
2 - أن يكون الضرر خاصا بمجموعة معينة، فلا يقبل أن يكون التعويض عن كل المجتمع؛ بل لا بد أن يثبت أن هناك ضررا خاصا في مجموعة وإن اتسعت، والمهم أن يثبت أن هناك ضررا خاصا.
3 - لا بد أن يكون الضرر مباشرا وجسيما بحيث يتجاوز بشدته التضحيات العادية التي يجب على المواطنين تحملها، فلا تعويض عن أضرار يمكن تحملها وتصنيفها في دائرة الأعباء العامة التي يتعرض لها الأفراد عند حدوث أي تشريع يحقق المصلحة العامة؛ وذلك لأن التشريعات قد تقيد الحريات والتصرفات، وهذه في الأساس أضرار يمكن تحملها ما لم يتعد الأمر إلى نشوء ضرر جسيم فوق المستوى العادي عن الجميع.
4 - لا بد أن تكون المصلحة التي نشأ عنها الضرر مشروعة في الأساس، وغير مخالفة للنظام العام، فإذا صدر قانون بمنع مراكز الدعارة أو بيع المخدرات أو منع تهريب السلاح، فهذه القوانين لا يتم التعويض عنها حتى ولو نشأ ضرر جسيم لبعض المنتفعين من هذه الممارسات؛ لأن هذه التصرفات غير جديرة بالحماية في الأساس لكونها غير مشروعة من حيث المبدأ، وهذه الضوابط الأربعة متوازنة لكونها تقوم على مبادئ المشروعية وأسس العدالة، وتتوافق مع القواعد العامة للقانون، ومع الأسف أن عجلة التطور في القضاء الإداري المصري توقفت من تأريخ 1938، فلم يقم القضاء الإداري بمراقبة هذا التطور، ولم يعالج بقناعة التطبيقات التي حصلت نتيجة صدور قوانين؛ بل ظل متمسكا بالرفض والسبب في ذلك أن هذا التطور هو توسع في الاستقلال القضائي للمحكمة الدستورية، ومراقبتها لمبادئ المشروعية، بينما السلطة التنفيذية تحارب هذا التوسع، وانعكس هذا الأمر على كثير من الدول التي تأثرت بالمدرسة القضائية في مصر ما جعلها متمسكة بالمبادئ القديمة في عدم التعويض عن الأضرار الخاصة الناشئة عن إصدار القوانين، وبالنظر إلى التشريع الإسلامي نجد قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» أسست هذا الموضوع، وهي أكبر دليل على التمسك بشمولية قواعد التشريع الإسلامي، والتخلف عن التطور القضائي الحاصل في مجلس الدولة بفرنسا، فلا نظرنا لمدى الشمولية في قواعد الشريعة الإسلامية، ولا سرنا في ركاب التطور الحديث للنظريات القضائية النابعة من مجلس الدولة في فرنسا؛ بل بقينا على هذا الجمود من عام 1938.
وفق الله الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.