مكة أون لاين - السعودية ظاهرة التعصب الرياضي عرفت منذ اشتهرت كرة القدم، وهي ظاهرة طبيعية إذا كانت بين مشجعي المدرج، ولكنها غير مقبولة للانتشار إعلامياً، فالإعلام يعد مسؤولاً عن تخفيف الاحتقان الجماهيري والتصرفات غير الأخلاقية. حراك الجماهير الذي صاحب أجواء مباراة الهلال وسيدني في الأيام الماضية مؤشر لكارثة «اجتماعية» وليست فقط رياضية، فما شاهدناه من سب وشتم، وقذف في الأعراض، واتهام في الانتماءات الوطنية والدينية، هو بمثابة تغذية للكراهية والتعصب في قلوب جيل بأكمله، تقوده هذه المرة بامتياز مؤسسات إعلامية وصحفية عبر جملة من كتابها وصحفييها المتعصبين لأنديتهم، كما أن بعض البرامج الرياضية هي الأخرى تشارك في بث سموم التعصب وإن كانت تظهر عبر مذيعيها براءة النية، وأنها فقط تنقل ما يحدث وما يكتب، لكنها في الطرف الآخر تستضيف محللين رياضيين ممن يجيدون «صب الزيت على النار». المؤسسات الإعلامية والصحفية يجب أن تلتزم بالمعايير المهنية، وتضع معايير كحد أدنى لا يسمح بتجاوزها، فالمقال الذي يُرصد فيه أي نوع من التعصب يفترض ألا ينشر، وينبه الكاتب على ذلك. كما أنه من الضروري أن تُعقد دورات يتم توعية الصحفي المبتدئ على أن يكون انتماؤه للمؤسسة الإعلامية، وليس للنادي الذي يتواجد فيه كمراسل. أصبح بعض الصحفيين «يدخلون كرت الدوام» في النادي وليس في الصحيفة وهذه حقيقة، وهنا ما كنا نحذر منه دائما وهو فتح المجال لكل «من هب ودب» لدخول مجال الإعلام الرياضي دون أي مؤهلات تسمح له بممارسة النقد أو التحليل أو صياغة الخبر في أبسط حالاته. أنا أعلم أن التعصب الرياضي أمر كبير ومتشعب، وليس حصراً على المؤسسات الإعلامية، لكنني أكتب عن دورها بحكم انتمائي وتخصصي في هذا المجال، وثانياً ليقيني أن الإعلام هو الوسيلة المؤثرة التي باستطاعتها كبح جماح هذا المارد الذي يسمى التعصب الرياضي. وما شهدناه في ليلة «الشماتة الكبرى» للهلاليين عقب هزيمتهم، كان نتيجة حتمية لما تناقلته وسائل الإعلام الرياضي قبل المباراة، فقد كانت بمثابة التأجيج والتجهيز لحفلة الشماتة الكبرى، فقد بلغ مجمل التغريدات المتداولة في هاشتاق #الهلال-سدني 1.1 مليون في تلك الليلة. الوسيلة الإعلامية التي تعنى بإعطاء الفرصة للمتعصبين بالتأجيج، بهدف الكسب المادي، وكسب القارئ والمشاهد، تتطلب المرحلة الآن توقفهم عن هذا الفعل «المشين». أخيرا أتعجب ممن يعرف نفسه على أنه كاتب رأي أو صحفي في «تويتر» وهو «يغرد» ويعيد التغريدات والصور التي تسخر من النادي الآخر في مشهد أقل ما يوصف بالانبطاح التام أمام هوى المدرج، وأمام رضا رئيس النادي الذي ينتمي إليه.