الوطن - السعودية أعتقد أن ما كتبه الأستاذ جاسر الجاسر في "الحياة" عن اكتتاب البنك الأهلي مقال ساخر، فلا يمكن أن يكون الرجل جادا، وأيا كان ف"للمزح حدود"! في مقاله "اكتتاب البنك الأهلي: سطوة (الصحوة) أم سقوطها؟" وصف الزميل الجاسر المضي في الاكتتاب ب"خلع النقاب عن مسار البلد". والحقيقة أنه تحمس لرأيه، فخلع عن الاكتتاب "نقاب" الاقتصاد، وألبسه "برقع" الوطنية! كانت إقصائية حبيبنا الجاسر واضحة بجعل اكتتاب "الأهلي" معيارا للوطنية. ولو سلمنا بتصنيفه لأصبح المكتتب بمليون سهم؛ أكثر وطنية ممن اكتتب بالحد الأدنى المسموح به، أما الفقير الذي لم يكتتب بالكلية فهو "منزوع" الوطنية لا محالة! هناك 4 بنوك محلية تملك الدولة فيها حصصا استراتيجية لن تستلم اكتتاب "الأهلي"، ولو أخذنا بتصنيف الجاسر لعدت "غير وطنية". وبعض من أفتى بعدم شرعية الاكتتاب أعضاء في هيئة كبار العلماء، فهل يعقل أن نصفهم باللاوطنيين؟! لم يدر في خلد الاقتصاديين أن يتحول اكتتاب مصرفي إلى مسألة تقدم أو تخلف، وطنية أو خيانة، ثقة أو إرباك، وجود أو زوال، صحوة أو نوم، لا وسطية بينهما! ولا الحركيون جاء في أذهانهم ربط "الأقنعة الصحوية" باكتتاب ما. كما لم يسعف الساسة بعد نظرهم ملاحظة أن اكتتابا "سيربك البلد ويجعلها تعيش في تخبط" - على حد تعبيره - وفات على علماء الاجتماع أن اكتتابا في بنك سيصبح "دلالة على ثقة المواطن بمؤسسات الدولة"! كما لم يتخيل المهووسون بالاستفتاءات ونتائج الاستطلاعات أن يتحول طرح أولي إلى "دراسة استقصائية للرأي العام". والمراقبون الدوليون صدموا عند تحويل اكتتاب مالي إلى "ممارسة للديموقراطية"، ينتهي بهم المطاف عند مراقبة مكائن الصراف الآلي، والتأكد من عدم تزوير استمارات الاكتتاب حرصا على نزاهة العملية الاكتتابية! أما رجال الدين فلم يتوقعوا يوما أن يتم إطلاق مفردة "النجاة" على الاكتتاب بأسهم بنكية، ومفردة "المصيبة" عند عدم ذلك. والرومانسيون بدورهم انزعجوا من إقحام "العاطفة" في اكتتاب قيمته 45 ريالا للسهم، إذ يرونها أغلى بكثير. حتى وصل الأمر إلى دهاليز أفريقيا التي لم يتنبأ مشعوذوها باكتتاب سيتفوق على بلوراتهم في "الرهان على المستقبل" والتنبؤ به! الاكتتاب في أسهم "الأهلي" أو غيره، حرية شخصية لا تقبل الوصاية من أحد، وربطه بمصير بلد وتوجه شعب مزايدة، وتجييش لطرف على آخر لمجرد أن لا رغبة لدى أحدهما في الاكتتاب. .. كان الأولى دعوة مسؤولي البنك الأهلي التعجيل بحل أزمة شرعيته بدلا من "التحريج" عليه!