الحياة - دولي لا حدث في هذا العام سوى اكتتاب البنك الأهلي، ليس لمجرد ضخامة عدد الأسهم المطروح والإغراءات الاستثمارية الكامنة، بل لأن الاكتتاب أيقظ مجدداً جدلاً يقسم المؤسسات المالية في البلد إلى فسطاطين: ربوي وإسلامي، ما يجعل الاكتتاب عملية صراع وتحدٍ تتجاوز محيطها الاستثماري الصرف. سبعة أيام تفصل عن هذا الاكتتاب التاريخي، علماً بأنه لا يمثل سوى 25 في المئة من رأس مال البنك الذي اشتهر بأنه سر الحكومة وموطئ نفوذها، لكن المؤشرات جميعها تدل على أنه سينافس استثمار قناة السويس في إبراز الولاء والثقة. لم تنجح السعودية يوماً في كشف وجهها الصحوي وتمييزه عن ملامحها التنموية، فهي لا تعتمد الدراسات والبحوث، وإنما تتكئ إلى السماع، ما جعلها أحوج البلدان إلى معرفة خطها واستنكاه وجودها واستدراك ما يفوتها، خصوصاً أنها تخوض الآن حرب وجود لم يسبق أن مارست مثلها أو خاطرت إلى درجة تماثلها. اكتتاب البنك الأهلي سيسقط الأقنعة الصحوية أو يربك السعودية، فلا دليل سواه على النجاة أو المصيبة. هو جانب أولي للرهان على المستقبل وتأكيد الوطنية. هو امتحان توجه السعوديين والتعرف إلى بوصلتهم، فإن خابت السعودية في ذلك أكدت أنها دار «الصحوة» ومحطتها التي تفوق مصر وقطر وتركيا، وإن نجحت برهنت على أن أزمة الصحوة علامة على يقين الحكومة وسعة وعيها وقدرتها على تجاوز أزماتها، وأن «الإخوان» وأحلافهم وأتباعهم، رسمياً وشعبياً، مجرد نتاج حالة الارتخاء والثقة والقدرة على الانتفاض. يقول الخبراء إن الاكتتاب سينجح بكل تأكيد، والإقبال سيكون هائلاً، لكن المهم هو نسبة مشاركة الأفراد، فكلما زاد عددهم كشف مدى ثقتهم بمؤسسات الدولة وسلامتها، وأنهم لا يستجيبون خطابات الفرز الحادة والاتهامات العاطفية، فضلاً عن وعيهم الاستثماري ومهارتهم في اقتناص الفرص. اكتتاب البنك الأهلي ليس مجرد استثمار، إنما هو خلع النقاب عن المسار، فإما أن تكون البلد ماضية في طريقها الصحيح، وإما أنها تعيش تخبطاً، وأن الصحوة تمكنت منها وتغلغلت فيها من دون حاجة إلى إعلان. هذا الاكتتاب يخرج من دائرة الفعل الاقتصادي ليمنح مؤشرات وجودية تسقط كل الأقنعة أو تزيدها رسوخاً. مَن الرابح والخاسر في المعركة؟ هل للدولة وجهان ولسانان وسياستان، أم أنها وحدة مكتملة وصوت واحد؟ هل الضجيج الصحوي والصخب الحاد يتكئ فعلاً على أرضية حقيقية أم أنه لا يتجاوز مداه المنبري؟ هل تبدل الحال منذ أول اتهامات ربوية أم أن السكون هو السمة؟ هل نجحت سابقاً مقاطعة الشركات المساهمة المصنفة ربوياً؟ مهما كانت النتيجة ستكون الصورة واضحة التفاصيل، فهيبة الدولة لا تقبل الخيارات والشراكة، فلا مندوب سامياً ولا شراكة، أما إن صمتت فهي تتجاهل خطراً يفوق ما عداه. في السعودية لا انتخابات ولا ديموقراطية، لكن هذه التجربة هي الممارسة الديموقراطية الحتمية والنهائية. وهي الدراسة الاستقصائية للرأي العام، من دون أن تطرح أسئلة وتحلّل إجابات، لكن صدقها حاسم. [email protected] للكاتب