الاقتصادية - السعودية نسمع ما بين الوقت والآخر عن تصريحات لبعض المسؤولين في بعض القطاعات وكيف أن منظماتهم قد حققت إنجازات قياسية خلال عدة أعوام متتالية تحسدها عليها منظمات مماثلة في دول أخرى. فعلى سبيل المثال صرح نائب مدير الخطوط السعودية للعلاقات العامة أن محطاتها الخارجية حققت معدلا مرتفعا في انضباط تشغيل الرحلات وصل إلى 99.13 في المائة في الإقلاع في الوقت المحدد من خلال تشغيل 3628 رحلة مغادرة. مثل هذه التصريحات تكشف لنا معاناة منظماتنا وكيف أنها ضلت الطريق وفقدت الهوية حتى أصبحت تقيس نجاحها في دولة أخرى غير دولة المنشأ. إن نجاح المنظمات الخدمية في الدول النامية يتمثل في إنجازاتها ورضاء عملائها في دولة المنشأ وليس في دولة أخرى. فلو ثبت أن إحدى المنظمات نجحت خارج الحدود فمعنى هذا أنها تخدم شريحة أخرى غير التي من أجلها أسست. نجاح المنظمات يكمن في تفوقها على نفسها في البلد الذي تحمل اسمه وتخدم مواطنيه. عمل جميل أن نرى منظماتنا تخدم شرائح أخرى في دول أخرى، ولكن يوجد في تلك الدول شركات وطنية وأخرى دولية ذات خبرة عريقة وأظنها لا تحتاج منا إلى التدخل ولم تطلب منا المساعدة. ونحن هنا نتساءل: لماذا تختار بعض منظماتنا الإنجازات الخارجية لتقييم ذاتها؟ هل هو الهروب من الواقع الذي تعيشه في الداخل؟ هل هناك تسهيلات تقابلها في الخارج؟ هل البيروقراطية تقف عائقا أمام تقدمها داخليا؟ فلو أخذنا الخطوط السعودية على سبيل المثال وسألناها عن إنجازاتها في الداخل؟ ما معدل انضباط تشغيل الرحلات الداخلية في الإقلاع في الوقت المحدد؟ ما نلاحظه أن أداء "الخطوط السعودية" يؤرق الجميع بالرغم من تجاوز عمرها التشغيلي لنصف قرن. نحن كمسافرين نعاني الأمرين منذ النية في السفر حتى العودة منه. فمنذ أن تعاملت مع الخطوط السعودية منذ ما يقارب ال30 عاما لا أذكر ألبتة أن رحلة واحدة قد أقلعت في وقتها، فكيف تجرؤ بالتصريح أن الانضباط في التشغيل وصل إلى ما يقارب 100 في المائة. كما أنها لا تتوانى في إلغاء حجوزات الركاب ولو قبيل موعد الإقلاع بدقائق بالرغم من حضورهم إلى المطار بأمتعتهم وعائلاتهم مهما كانت ظروفهم بحجة الحمولة تارة وبحجة تغيير السير تارة أخرى ويتساوى الجميع في ذلك لا يشفع لهم لا المرض ولا العجز ولا الشيخوخة ولا صحبة العائلة ولا المهمة الرسمية، فالكل في الهم سواء وهذه هي العدالة في أجمل صورها. سؤال آخر نريد أن نعرف له إجابة ليس فقط من الخطوط السعودية، بل من بقية المنظمات المحلية وهو: كيف يتم تقييم موظفيها؟ من خلال علاقتنا مع موظفي الشركات الخدمية في بلادنا من مصارف ومستشفيات واتصالات مرورا بالكهرباء نراهم يتعاملون معنا بعلوية وغطرسة لأسباب لا نعلمها وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع أبسط قواعد التسويق وبناء العلاقات مع المستهلك. هذا الجهل بأساسيات التعامل مع المستهلكين كون بيئات تنظيمية شاذة. عندما تذهب لأحد مكاتب الاتصالات أو الخطوط أو حتى المصارف تظن أنك ضللت الطريق وقادتك قدماك إلى أحد مكاتب الإغاثة، فلهجة الموظف الاستعلائية تشعرك بأنك أتيت إليه من أجل لقمة تسد بها رمقك أو أنه سينقلك إلى وجهتك بتذكرة مجانية أو يسدى لك الخدمة بدون مقابل وهو يعلم أو لا يعلم أنك أنت الذي تدفع مرتبه بالرغم من هذا يقدم لك خدمة رديئة بمعاملة رديئة. وإنني أتساءل كيف يمكن لهذه المنظمات أن تنافس في الأسواق الدولية بهذا النوع من الموظفين؟ نعود ونقول، إن هناك عدة طرق يتم على أساسها تقييم المنشآت من أبرزها أخذ رأي المستفيد من الخدمة وهم المشتركون في مجال الاتصالات والركاب بالنسبة لخطوط الطيران والعملاء بالنسبة للمصارف. هذا جانب وهناك جانب آخر للتقييم وهو تقييم المنظمات الدولية كالهيئات الدولية للمواصفات ومنظمات الجودة أما أن تقوم المنظمة بتقييم نفسها فهذا معيار فريد لم نسمع عنه ولم يسبق أن أقدمت على استخدامه أي منظمة سوى منظماتنا المحلية. كما أن المقياس الكمي الساذج الذي تعتمد عليه بعض مؤسساتنا الخدمية في تقييمها لخدماتها لا يعتد به لأنه لا يقيس جودة الخدمة فهو لا يتعدى معرفة أعداد المشتركين بالنسبة لشركة الاتصالات أو أعداد الرحلات المغادرة بالنسبة لخطوط الطيران سواء أكانوا راضين أم ساخطين عن الخدمة، فدرجة رضاء المستفيد لا يمثل أي أهمية هنا. في رأيي أن هناك احتمالين وراء تقييم الذات الذي تمارسه قطاعات الأعمال الحيوية في بلادنا. الاحتمال الأول يتمثل في أن منظماتنا تعلم أنها لو أخضعت خدماتها للمعايير الدولية فإنها لن تحصل على أى اعتراف ولن تظفر بأي شهادة للجودة من أي مركز إقليمي أو دولي، لذا نراها تلجأ إلى تقييم خدماتها بتفصيل معيار يناسب وضعها المترهل وينطبق على ما تعيشه من فوضى وسوء تنظيم. الاحتمال الثاني أن المسؤولين في تلك المنظمات لا يعرفون الوضع الحقيقي لمنظماتهم، لأنهم يتمتعون بخدمات لا يظفر بها بقية المواطنين، حيث يحصلون على الخدمات بأعلى مواصفاتها. فعلي سبيل المثال لا أظن أحدا من مسؤولي الخطوط السعودية قد سهرت عيناه ليلة واحدة في أحد المطارات يفترش الكراسي الحديدية عند التأخير المعتاد للرحلات لساعات طويلة قد تمتد إلى اليوم الثاني أو عند إلغاء الحجوزات بدون إنذار أو اعتذار أو تعويض. بودي من المسؤولين في تلك المنظمات أن يبتعدوا عن وسائل الإعلام ويختفوا عن الأنظار ويتفرغوا لترميم بيئتهم التنظيمية، وتدريب موظفيهم، والاهتمام بجودة الخدمة، وتنظيم المهام والظفر بمعايير الجودة الحقيقية فلا أدري لماذا يعشقون الظهور والإدلاء بتصريحات مبالغ فيها وبعيدة كل البعد عن الواقع المرير الذي تعيشه.