ستون عاما من الإنجازات والتطور مرت بها الخطوط الجوية العربية السعودية حتى وصلت إلى تكوين أسطول جوي يغطي معظم أجزاء المملكة، والوصول إلى العديد من دول العالم المختلفة، ولكن نظرا للتطور الهائل الذي تشهده حركة الطيران، وزيادة أعداد المسافرين من مواطنين ومقيمين وزوار وحجاج ومعتمرين، أصبح الضغط على ناقلنا الجوي الرئيس كبيرا جدا، وعجزت خطوطنا الرئيسة عن تلبية احتياجات المسافرين من داخل المملكة وخارجها، وأصبح الحجز من أي مدينة أو محافظة في داخل المملكة أشبه بالمعجزة من شدة الطلب على مقاعد السفر، مع العجز الواضح في توفير الأعداد الكافية من الرحلات من وإلى المناطق المتباعدة في بلادنا الشاسعة. والسؤال الذي يشغل بال الكثير من المواطنين: لماذا تراجع أداء الخطوط السعودية إلى مستويات يمكن أن يقال عنها إنها أقل من طموحات المسؤولين والمواطنين في بلادنا؟ ما الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع خاصة في الخدمات الأرضية التي تشمل: الحجوزات، ومواعيد إقلاع الطائرات، وتكدس المسافرين في المطارات، وتأخر العفش، وغيرها من الخدمات التي يحتاجها كل مسافر؟ لماذا كانت خطوطنا السعودية نفسها قبل عشرين عاما تحتل مراكز متقدمة بين مثيلاتها على مستوى دول المنطقة بل على مستوى الشرق الأوسط، والآن تراجعت كثيرا عن المراكز الأولى التي احتلتها شركات طيران أخرى وفي نفس منطقتنا من الخليج العربي؟ ما الذي ينقصنا حتى تتراجع مستويات الأداء في خطوطنا حتى تصل إلى هذا المستوى الذي لا يرضي الكثيرين منّا كمواطنين أو مسؤولين؟ كل مقومات النجاح متاحة: وفرة المال موجودة، الكفاءات السعودية الشابة التي نهض على أكتافها نمو وتطور الخطوط منذ نشأتها حتى اليوم كائنة ( وإن كانت تناقصت بفعل الشيك الذهبي الذي أفقدها خيرة رجالاتها)، وهذه النخبة تعمل على مدار الساعة بدون كلل أو ملل من قيادة للطائرات، وتقديم خدمات للمسافرين، وعمل حجوزات، وصيانة للطائرات، وغيرها من الخدمات المساندة. إذن أين تكمن المشكلة؟ هل في الخطط الإستراتيجية للمؤسسة وعدم وضوح الرؤية والأهداف الاستشرافية في ظل التنمية المتسارعة التي تعيشها المملكة؟ هل هي في سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه في فترة وجيزة بدلا من الانتظار لسنوات حتى تتماشى مع التطور السريع لخدمات الطيران الذي يعيشه العالم أجمع؟ أو هل هو في أداء موظفي المؤسسة الذين يقدمون الخدمات ويعملون بجد ونشاط ليل نهار وهم المحرك الأساس للخطوط كلها، ومع ذلك تم حذف جزء من الحوافز المقدمة لهم، مما أثر على عطائهم رغم الضغوطات الهائلة التي يواجهونها من الجمهور سواءً في مكاتب الحجز، أو في صالات المطارات، أو في القطاعات الخدمية الأخرى المساندة لحركة الطيران؟ أم هناك مشكلة في برامج الحجز الجديدة التي أدخلتها الخطوط مؤخرا والتي يجهل تعقيداتها حتى موظفو الحجز أنفسهم، والتي أضرت بالناس كثيرا حيث تلغى الحجوزات المؤكدة على الرحلات وتدخل المسافر في دوامة لا يعلمها إلا الله؟ أقول بأننا بحاجة إلى كادر إداري مؤهل قادر على وضع الخطط الإستراتيجية الحالية والمستقبلية، وصياغة الأهداف المرحلية، وأن يضع في اعتباراته مفهوم الجودة والإتقان في تقديم خدماته، وتحويل هذه المفاهيم إلى واقع ملموس يشهده الجميع. إن ضعف أداء هذا المرفق الحيوي المهم يظهر أن هناك فجوة بين الرئيس ومرؤوسيه، والإداري وموظفيه، ولعلنا نوجز ذلك في قولنا: إن الإدارة القوية المؤهلة قادرة على صناعة المعجزات، وهذا ما نحتاجه في خطوطنا السعودية على الأقل في الوقت الحالي حتى النهوض بمقاومة عبء التراجع، ورأب الصدع، وإصلاح ما يمكن إصلاحه. نريد من خطوطنا العزيزة أن تعمل تقييم أداء شاملا لجميع قطاعاتها، والرقي بمستوى الخدمة في مكاتب حجوزاتها، وصالات مطاراتها، وتقديم الخدمات التي ترضي العميل لاسيما وأنها الناقل الرئيس في بلادنا، كما نأمل من وزارة النقل أن تسرّع إنشاء شبكة القطارات السريعة التي تربط بين مدن ومحافظات المملكة ذات الكثافات السكانية العالية، وتكثر فيها حركة الانتقال بين المدن الرئيسة، وربطها جميعا بشبكات سكك حديدية تغطي الأجزاء الباقية من مملكتنا الواسعة وتريحنا من رحلات الطيران المتعبة. [email protected]