العربي الجديد اللندنية لم يكن قرار المقاومة الفلسطينية الذهاب إلى القاهرة لبحث وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي قراراً صائباً. وعلى الرغم من وجاهة ما قد يساق في هذا الصدد، من أن المقاومة حاولت تفويت الفرصة على القاهرة وتل أبيب، حتى لا تتهم بالتملص أو الهروب من وقف إطلاق النار، إلا أن الوقائع التي شهدناها طوال الحرب على غزة تؤكد أن مصير أية مفاوضات لن يكون في صالح المقاومة، أو أهل غزة. ناهيك عن التوظيف السياسي والإعلامي الذي يستخدمه النظام المصري الحالي، لتحسين صورته، وتأكيد دوره فى إدارة الأزمة الراهنة. ولم يعد من قبيل المبالغة، أو الخيال، أو التهكم، القول إن القاهرة وتل أبيب تقفان في المعسكر نفسه، المناهض للمقاومة الفلسطينية. ولم يعد سراً أن النظام المصري الحالي يرى فى الحرب على غزة فرصةً لا يجب تفويتها، أو إهدارها، من أجل تقويض المقاومة وإضعافها لمصالح خاصة به، ولبقائه في السلطة. لذا، لم يعد غريباً أن تأتي الإشادة بالموقف المصري من كبار المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، على الرغم من الدمار والخسائر الفلسطينية الهائلة، في حين تمتلئ الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، يومياً، بتعليقات عديدة حول التشدد المصري الحالي في المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية، إلى الدرجة التي وبخ فيها أحد المعلقين الإسرائيليين حكومته بأنها تسير وراء مصر التي ترفض التهدئة، وليس العكس. من الواضح أن القاهرة لا تريد تحويل النجاح العسكري للمقاومة، وصمود الفلسطينيين، على الرغم من الخسائر المدنية والبشرية الكبيرة، إلى مكاسب سياسية، من خلال عملية التفاوض على فتح المعابر وإنهاء الحصار وإعمار قطاع غزة. ولم يكن غريباً أن يصرح أحد أعضاء الوفد الفلسطيني بأن ثمة "معركة سياسية شرسة تجري فى القاهرة"، من أجل التوصل إلى حل للأزمة الحالية. ومن المؤكد أن نظام عبد الفتاح السيسي لا يريد خروج حركة حماس من هذه الجولة بأية مكاسب، قد تزيد من شعبيتها، وبالتالي، تنعكس على معنويات الإسلام السياسي في المنطقة. أدرك أن ثمة حرصاً فلسطينياً على عدم خسارة القاهرة فى إطار المعركة مع العدو الإسرائيلي، وأدرك، أيضاً، أن ثمة حياءً فلسطينياً بخصوص عدم كشف الموقف المصري، المتخاذل في دعم القضية الفلسطينية، على حقيقته. بيد أن الاستمرار في هذا المسار سوف يضر بالمقاومة وبالقضية، على المدى البعيد. فالنظام الحاكم الآن فى مصر مصاب بقدر كبير من العمى والغرور السياسي، ولن يتورع عن الإضرار، بل والتضحية بالقضية الفلسطينية ومطالبها المشروعة، من أجل البقاء فى السلطة، ودعم التحالف المساند له، عربياً وإسرائيلياً. وهو ما اتضح جلياً منذ بدء الأزمة وحتى الآن. ألم يكف المقاومة إشادة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وتفاخره بالتحالف الجديد في المنطقة مع "أصدقائه" العرب، ودورهم في خنق المقاومة الفلسطينية؟ وألم تكفهم عشرات المقالات والتعليقات التي تشيد بالدور المصري فى حصار المقاومة والضغط عليها؟ ولربما يسأل أحدهم، وما البديل عن القاهرة؟ وهو سؤال مهم ومشروع، لكنه يعبر عن خلل فى الرؤية وضيق في التفكير الاستراتيجي. فالتعاطي مع القاهرة باعتبارها "الوكيل الحصري" للقضية الفلسطينية هو ما جعلها تتمادي فى التهاون مع المطالب الفلسطينية، منذ نهاية السبعينيات. فالسادات سلم القضية للأميركان والإسرائيليين، ومبارك ناور وتاجر بها، لدعم شرعيته خارجياً، أما السيسي فقد باعها وقبض الثمن مقدماً من وكلائه الإقليميين والدوليين. وإذا استمرت المقاومة في التسليم لضغط نظام السيسي وابتزازاته فسوف ينتهي بها الحال إلى نزع سلاحها وتجريدها من كل شيء، مثلما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح من خلال مسار "أوسلو" الفاشل، والذي جمد الضفة الغربية، وجعلها رهينة تتوسل الرحمة من تل أبيب. لذا، من المهم، فى هذه المرحلة، ألا تستجيب المقاومة لأية ضغوط أو ابتزازات من القاهرة باتجاه الأزمة الحالية. وأن يتم التأكيد على وحدة الرؤية والمطالب والخطاب، ليس فقط لأن الثمن الذي تم دفعه للوصول إلى هذه المرحلة، فادح وكبير، وإنما، أيضاً، لأن العودة ب"خفي حنين" من القاهرة سوف يؤثر سلباً على صدقية المقاومة وشرعيتها. لقد آن الأوان كي تعيد فصائل المقاومة الفلسطينية النظر فى علاقتها بالقاهرة، وتجدد صياغتها، وتحدد أطرها على أسس استراتيجية وبراغماتية محضة، بعيداً عن منطق "العشم" السياسي، أو أطروحة "الأخ الأكبر"، فهذا الأخ الأكبر لن يتوانى عن التضحية بهم وبالقضية، من أجل البقاء في السلطة، وإنقاذ نفسه.