مكة أون لاين-السعودية صمت العلماء وكسلهم اللذان كانا موضوع لوم الملك عبدالله لهم، في سياق حديثه عن الإرهاب والتطرف، لا يمكن أن ينحصر معناهما في عدم تجريم الإرهابيين وتحريم فكرهم والتشنيع على مسلكهم؛ لأننا قد سمعنا وقرأنا أحاديث وفتاوى وشروحات من سماحة المفتي ومن أعضاء هيئة كبار العلماء تصرخ بالألم وتعلن النكير وتشنع على الإرهابيين بالضلال والخسران والخروج عن شرع الله القويم. كما لا يمكن أن ينحصر المخاطب بهما في هيئة كبار العلماء بأعيانهم، بل هي شاملة للمشتغلين بالعلم الشرعي في المملكة الذين ارتضوا الولاء للوطن، فلا مسوِّغ لاختصاص هيئة كبار العلماء دونهم بما لا تتجزَّأ مهمته، ولا يقل أثر الرسميين عن غيرهم بشأنه. إن المعنى الكامن في وصف الملك (حفظه الله) للعلماء بالصمت والكسل، يقصد ضعف أثرهم في الحد من الإرهاب والتطرف، فما زال من أبناء وطننا من يُخْتَطَف فكره على حين غرة من أهله، فيفْجَأهم بالسفر إلى مناطق الفتن، وما زال للجماعات الإرهابية، التي ينتمي بعض قادتها ومفتيها ومقاتليها إلينا، تهديدها وخطرها على وطننا وعلى أشقائنا والعالم. ولم يكن هذا الإرهاب من قبلُ في مثل خطورته وانتشاره في أيامنا هذه! ومن يدري فإن تزايده المتصاعد طوال العشرين سنة الماضية ينذر بتزايده في المستقبل لا قدَّر الله! أين أثر علماء الدين في المملكة في الحد من أثر هذا الفكر التخريبي المدمِّر؟! لماذا لم ينتج عن فتاواهم وأحاديثهم عن ضلال الإرهابيين وفساد فكرهم نتيجة عملية في وقف تزايد أعدادهم؟! هنا عُقْدة الكلام، وهذا هو مؤدى وصف الملك للعلماء بالصمت والتكاسل. وهو – إذا أمعنا النظر - وصف يقصد مساءلتهم عن فعل، واستنطاقهم عن نتيجة، وتحريضهم على المجابهة. وقد يكون فيما قدموه خير، لكنه في منطق معاتبة الملك لهم غير كاف؛ لأنه لم يُحْدِث أثراً. إن مهمة العلماء الآن، وفق هذا العتاب، لا يصلح أن تكون تكراراً لفتاواهم وأحاديثهم، حتى لو كان هذا التكرار بتوسيع نطاق النشر لها، وإضافة المحاضرات واللقاءات المباشرة في المساجد والمدارس والجامعات وما إليها إلى عديد البرامج المذاعة في التلفزيون والراديو، وإلى المواد المنشورة في الصحافة والمواقع الالكترونية. كلا، إنها مهمة أكثر صعوبة وأدعى إلى الجهد والفكر؛ فلا بد من أن تبدأ بالبحث عن إجابة للسؤال عن سبب ضعف أثر العلماء؟! لماذا يستمع هؤلاء الشباب المضلَّلون إلى غيرهم؟! ولماذا ما زالت آلة الإرهاب قادرة باستمرار على الاستحواذ والتوجيه لأعداد متزايدة من الشباب؟! هكذا يصبح التشخيص الدقيق للمشكلة أول الحل، وهو تشخيص يجب ألا تتعالى الذات فيه على النقد ولا تترفع عن الاعتراف بوجوه الخطأ أو الضعف. ولهذا فإن الإجابة على هذه الأسئلة صعبة، وهي صعبة من كل إنسان يتجه إلى نقد ذاته وتقويمها، فكيف بصعوبتها على علماء الدين أو رجال السلطة. وإلى ذلك فإن الأسئلة أعلاه أسئلة ملتبسة الملامح: سياسية وسيكولوجية وسوسيولوجية وتربوية، بالإضافة إلى الوجه الديني فيها الذي لا يصح الاقتصار عليه في تشخيص التطرف.