العرب القطرية لا شك أن كل من يسلك طريقاً لتحقيق هدفٍ نبيلٍ أو بلوغ مُرتقى سامٍ أو تأدية رسالة حق، ستعترضه المعوقات وقد تلقى عليه وبين قدميه الحجارة! فإن انشغل بالانحناء لالتقاطها وردّها على راميها أو بالالتفات يمنةً ويسرة أو الوقوف مع كل صيحة، تعثّرت وتأخرت خُطاه، وإن تجاهل وتغافل اختصر الأوقات ووافى الأمنيات، ومع ذلك فلا بُد للمرء بين حينٍ وآخر من وقفةٍ صادقة لتحديد وجهته بوضوح وتجديد رؤيته وأهدافه. وفي هذه الأيام التي تمر فيها بلاد الإسلام بالنوازل والفتن وتحتدم فيها ٍ الصراعات العقائدية والطائفية والسياسية فيرتدّ ذلك بأثره على حياة الشعوب والأفراد ويسود جوٌ خانقٍ غائم من القلق والانقسامات، وتوتر العلاقات، وتصدّع الثقة بين الأطراف، وظهور بوادر الشحناء والاتهامات. تنعكس صورة ذلك الواقع بجلاء عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة وأقنية التواصل، فكلّ من يعتلي منبراً أو يبثّ رأياً عليه أن يتوقع أن فكرته ستصطدم بحائط المماحكات والمحاكمات. وقبل يومين كان لي هذا التساؤل من خلال حسابي بتويتر: أيمكننا أن «نهتمّ » لأمّتنا دون أن «نُتّهم» في وطنيتنا؟! ألا يمكننا أن نعشق أوطاننا دون أن نكون عبيداً للسلطان أو خارجين عليه؟!! وقد جاء هذا التساؤل بعد ما لاحظته من حملة الهجوم على كل من يحاول أن يصدع برأي معتدلٍ وسطي فيُغضب هذا الغلاة والجفاة! ومن ذلك أنك قد: - تحمل همّ قضايا المسلمين وما يتعرضون له من تآمر ٍ وظلم، وتستشعر واجب الإخاء أو أدنى درجات الرحمة تجاههم والتعاطف معهم وتحاول مناصرتهم بأقل ما يفرضه عليك دينك وإنسانيتك من دعم حقوقهم ومد يد العون لهم فتجد نفسك قد صُنِّفت في عداد الأمميين المشبوهين! فالمطلوب منك في نظر هؤلاء أن ترى إخوتك يُقتلون ويُعذَّبون فتغمض عينيك وتُطبق فمك ولا بأس أن تنتظر حتى يأتي دورك وتُساق للمقصلة! - تعشق وطنك الذي يسكن فؤادك، تحبه، تفخر به، تؤمن أن عزّ ثراه وكيانه مقدّمان على كل أحد وأن مصلحة البلد في عمومها فوق مصلحة الحاكم والمحكوم. تخشى على ذلك الوطن أن تمتد له يد إساءة أو غدر من الداخل أو الخارج، وتدرك جيداً أن أول وأخطر ما يُسقط الدول ويُضعفها هو الجور والفساد فتسعى لنقد مكامن الخلل وتطالب بالإصلاح وتذكّر أصحاب القرار والمسؤوليات بدورهم وأماناتهم نحو هذا الوطن وأهله فتجد أن هناك من يرى أن النقد -مهما اتزن- جريمة واعتداء، وأنه لا يكفي أن تحب ولاة الأمر وتدعو لهم وتنزلهم منزلتهم المناسبة فلا تأليه لهم ولا حطّ من شأنهم. ففي عُرف البعض لا سبيل لك لإظهار وطنيتك وإخلاصك إلا أن تحتكر الوطن في ذات الوالي وتسبغ عليه وعلى من حوله القدسية والعصمة فتخرج من كونك مسلماً حُراً كريماً ارتبط بعقد متكافئ من الحقوق والواجبات مع الملك إلى رقيقٍ لا يحق له أن يمتعض فيعترض! وحتى النقد لأي مسؤول أو كشف الفساد في أي قطاع قد ينقلك لقائمة المحرضين ومثيري الفتن! - تجزم أن ولي الأمر في بلدك رجلٌ مُحبٌ طيب، فيه من النقاء وحب الخير للمواطنين الشيء الكثير، لا يعجبك حال بطانته أو بعض حاشيته ولا الكثير من الأوضاع حوله ولكنك تؤمن إيماناً كاملا أن بقاء هذه الأسرة الحاكمة إحدى أهم ضمانات الوحدة والأمن في البلد. نعم تصدع عالياً برفض الظلم وتعلو مطالبك بحق المواطن في المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية والقضاء النزيه وتوزيع الثروات ومحاسبة المفسدين ولصوص المال العام والمساواة بين أفراد هذه الديار أميرهم وغفيرهم فيما لهم وما عليهم، ولكن ذلك كله لا يعني أن يجرّك البعض إلى أن تنزع عصا الطاعة أو تؤيد الفوضى والتطرف والخروج على ولاة الأمر أو أن يُجعل من بعض المظالم مبرراً للتكفير والعنف والتطاحن. - تؤمن بفريضة الجهاد وتؤيد المجاهدين ضد الكافر المعتدي أو طواغيت المجوس والصفوية، ولكن لا يمكن أن يُمتطى ذلك لإقناعك بأن غمد السلاح في ظهر أخيك من فصيلٍ آخر أو ابنك المرابط حامياً للحدود من الجهاد في شيء! ففكرة أن تعيد البلاد للتطبيق التام لشرع الله ورفع المظالم بحد السيف وشقّ الصف وإراقة الدماء وقتل رجال الأمن الأبرياء إنما هي من الضلال الذي لا يتبعه إلا من عميت بصائرهم، إذ كيف يُقام الشرع ويُتقرب إلى الله بإزهاق أرواح المسلمين الذي إثمه عند الخالق سبحانه أعظم من هدم الكعبة. وفي وطننا من المكتسبات والنعم ومظاهر الخير ما يجعلنا أحرص الناس على عدم تضييعها ومن ذلك: حماية الحرمين ورعايتهما في أرض شرّفها الله بانطلاق النبوة والرسالة والفتوحات منها واحتضان ثرى النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ٍ وصحبه الكرام. ثم شرّفها بضيافة وخدمة الملايين من المعتمرين والحجاج الذين ينعمون بالأمن وحسن المقام. كتاب الله وسنة نبيه هما مصدر التشريع في بلادنا مهما كان لنا من ملحوظات على تراجع الالتزام بذلك وتطبيقه. سيادة التوحيد والعقيدة الصافية فلا أضرحة ولا مزارات. مع محاربة الشركيات والسحر والدعارة والمجاهرة بالمعاصي. وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إغلاق منافذ البيع والشراء من محلات تجارية وغيرها خلال الصلوات. انتشار المساجد والعناية بها وانطلاق صوت الأذان والصلوات في الأرجاء. فصل الجنسين في مراحل التعليم كلها: المدارس والجامعات. مع تعليم القرآن والسنّة وتدريس المناهج الدينية. الإنشاء والاهتمام بحلقات التحفيظ ومكاتب الدعوة والجمعيات. طباعة وتوزيع المصحف الشريف عبر العالم. فرض الحجاب واحترام حدود الحشمة والوقار في الأماكن العامة حتى على غير المسلمات. ختام القول: سلّم أنك ستُلاحق بالاتهام والشتم على كل حال، فإن رفضت التطرف والإرهاب فأنت من المنبطحين في بلاط السلطان، وإن انتقدت الظلم وعارضت الفساد فأنت خارجيّ ، وإن ناصرت إخوة الدين فأنت إخونجي أو داعشي.. وهكذا. ولكن واصل السير واجهر بالحق واثبت على مبادئك. تُرض ربك وتُرح ضميرك.