الشرق الأوسط اللندنية ما الفرق بين طرد المسيحيين العراقيين من الموصل، والتصرف الغرائزي الطائفي للطفل اللبناني عباس ضد الطفل السوري خالد؟ نعم، ثمة فرق كبير في أرقام البشر، وفي درجة الخسائر المادية والمعنوية المترتبة على هذه الجرائم، وفي كثرة البشر الواقع عليهم ضرر هذه الجريمة، لكن في العمق هي تصرفات تفصح عن الخزين المريض من الأفكار والمشاعر لدى مجتمعاتنا. في الموصل قام خليفة «داعش» بتخيير المسيحيين الموصليين بين الإسلام، على طريقة «داعش» طبعا، و«السيف» أو الجزية. خيارات كلها تنويع على حكم إعدام واحد بين مادي ونفسي، ولمزيد رحمة الخليفة ورأفته، سمح لهم بمهلة 24 ساعة للخروج من الموصل وترك كل متاعهم وبيوتهم وذواتهم وتاريخهم الممتد ألفا وثمانمائة عام في سهول تلال نينوى والموصل. ليست المصيبة ولا الغرابة في ما فعلته «داعش» فقط، الغرابة الكبرى والمصيبة الأعظم في ردود فعل كثيرين على الإنترنت وغيره، وهي ردود فعل خلاصتها إما الارتباك مما فعلته «داعش»، لأنها ببساطة فعلت ما يفكرون هم فيه، أو يكتمونه أو يعتقدون أنه الصواب، ولكن ضعفهم يمنعهم، وإما التشجيع لما اقترفته «داعش»، وأن هذا هو الوعد الموعود والأمل المنشود. هذه هي المصيبة وهنا موضع المرض، «داعش» وخليفتها مجرد عرض للمرض، ومظهر للمخبر، المشكلة هي في عدم استخراج صديد الورم وتطهير الجرح العقلي والثقافي. هذا هو الأمر. في الجهة الأخرى، ضجت الدنيا بسبب مقطع فيديو لعائلة لبنانية شيعية، وقع الحظ العاثر لطفل سوري، سني، به عندهم، ونجد رب الأسرة، وقيل ابن عم الطفل الشيعي عباس، يحرض طفلهم على ضرب الطفل السوري خالد، بكل حيوانية طائفية، والطفل المسكين فاقد للحيلة ويبكي بهلع. السلطات اللبنانية أعلنت أن أجهزة الأمن تمكنت من اكتشاف هوية العائلة اللبنانية والقبض على الفعلة الكبار. المقطع صبّ الوقود الإعلامي على نار الاحتراب الطائفية. الاستجابة متوقعة، فقد هبّ المتطوعون ونشروا صورة والد الطفل، مع الوعيد والتهديد. وحسنا فعلت سلطات لبنان بسرعة القبض على هذا الأب المجرد من أي إحساس إنساني أو أخلاقي، الذي ورّط طفله البريء بجريمة ستبقى معه أبد الدهر. لكن هذا لا ينفي أن ثمة شيعة كثرا يفعلون ما يفعله والد عباس ابن حي الرمل العالي، ويرددون في مجالسهم، ويلقنون صغارهم وشبانهم هذه الدعايات السوداء ضد السنة كلهم. أمر واضح، نراه ونسمعه. هذا ما جنته علينا عقود من التثقيف السياسي والتربوي الذي تحاشى الجميع التصدي له، والسعي لغرس قيم الوطنية والتسامح والإنسانية ومعايير العلم والقانون بين الناس، ولو بالقوة، حتى يشب عمرو عن الطوق. بيننا كثر من سنة وشيعة، يغذون هذه الثقافات، وحينما تتحول إلى برامج عمل وتصرفات مجسدة يهرعون للبراءة منها والاستغراب! المشكلة ليست «داعش» ولا «حزب الله» ودعاتهم وثقافتهم، المشكلة في المناخ التربوي والاجتماعي الذي أوجد هؤلاء. وأعظم من هذا الكلام قيل ويقال منذ قرن من الزمان. [email protected]