الوطن - السعودية "الشكر كله للدعاة الذين نفروا مباشرة وصدحوا بها عالية واضحة، حيال فكر "داعش" وخلافتهم التي أعلنوها، بيد أن هذا لا يكفي، فحلقة فضائية أو مقالة عابرة أو بيان لا تكفي أبدا. نحتاج منهم – والمجتمع يسمع لهم - أن يجعلوها أولوية ينتدبون أنفسهم لها لدحض هذا الفكر" في آخر لقائي بالزميل عبدالله المديفر في برنامج: "في الصميم" عصر الأربعاء الفارط، طلبت منه دقيقة لأوجه كلمة ورجاء، ولكن الوقت ضاق عليه، واعتذر، ولعلي هنا سأكتب ما أحببت قوله في تلك الكلمة، ومن ثم ما أردت إيصاله من خلال كل تلك الحلقة. ما وددت قوله في ختام تلك الحلقة، مناشدة برفع رواتب إخوتنا المرابطين على ثغور وطننا الغالي، أو إضافة امتيازات لهم، ولكل رجال الأمن الذين يضحون بحياتهم، ويتصدون بصدورهم لرصاصات الإرهاب، ويحمون هذا الوطن من جحافل المتطرفين والفئة الضالة؛ لننعم في بيوتنا بالأمن والأمان، ورفاهية العيش والحياة التي نحياها. أحبتنا وأبناؤنا هؤلاء الذين لا يدرون من أين تأتيهم الرصاصات الغادرة، أمِن عدو خارجي يتربص بهم، أم من عدو داخلي يخاتلهم من ظهورهم؟! وهم في كل الأحوال متأهبون كآساد؛ هم أحوج الشرائح اليوم إلى تقديرهم من الدولة والمجتمع بشكل أفضل مما هو موجود. وإن كنت أطالب الدولة بتحسين رواتبهم ومضاعفة مكافآتهم، ومنحهم الأوسمة الرفيعة والرتب الوظيفية؛ أطالب المجتمع أيضا بدوره في إعطائهم المنزلة التي يستحقونها، وتكريمهم في مجالسنا الاجتماعية، والحفاوة بهم في الإعلام، من خلال فصول المدارس، ومنابر المساجد. فالصورة الذهنية المرتسمة لرجل الأمن في المجتمع، تحتاج منا إلى إعادة نظر، فهذا البطل المرابط على ثكنات الحدود، أو الذي يفكك خلايا الإرهاب، أو الذي يتصدى للعتاة والمجرمين ويبسط الأمن في الوطن، ليس أبدا هو صاحب البسطار، جاف التعامل، عديم العاطفة، بما ترسخ في نفوسنا. وأتمنى أن يُحتفى برجال الأمن – خصوصا الجنود في الميدان- اجتماعيا، وإشعارهم بكل امتناننا لما يقومون به من حفظ الأمن لبلادنا، فذلك الشهيد الذي سقط دفاعا عنا في ثغور الوطن؛ له واجب أن نتنادى اجتماعيا وإعلاميا بتكريمه، والمبادرة بزيارة أهله وأبنائه، وإعطائهم مزايا حياتية إن في التوظيف أو قبولهم بالجامعات وغيرهما من المزايا التي يستحقونها بسبب والدهم الشهيد، وأعلم أن مثل هذه اللفتات موجودة، غير أنني أود ترسيمها بشكل مطلق، وأن نزيد منها بشكل أكثر وأوسع، فضلا أن مثل هذه الخطوات، ستشعر زملاءه بمدى تقديرنا للأدوار التي يقومون بها. في تلك الحلقة أردت إيصال رسالة بعدم الاستهانة ب"داعش"، فالأيديولوجيا التي هم عليها، للأسف منتشرة في الداخل، وثمة "دواعش" بيننا كطابور خامس، ينتظرون الفرصة لإخلال الأمن في المجتمع، ودويلتهم المزعومة هذه، إن صمدت لستة أشهر، ستكون حلم ومهوى أفئدة كثير من الشباب المتذمر من وضع الأمة، وأخشى ما أخشاه أن نبتلى بآفة الإرهاب وآثاره لعشر سنوات قادمات وأكثر، تستهلك منا الطاقة، وتستنزف ميزانياتنا التي هي حق أجيالنا الجديدة، وتلتهم استحقاقات النهضة التي نحاولها في بلادنا. أردت أن أقول في تلك الحلقة لكل من اختلف معي في قضية الموقوفين في السجون بتهمة الإرهاب، إنني عندما ناديت في مقالاتي الأولى بأن ثمة موقوفين أخذوا بالظن فقط، وأن من حقهم المحاكمة، وتشفعت في كثير من الشباب، بالاكتفاء بالسنوات التي أوقفوا بها، والحمد لله أفرج عن كثير منهم، إلا أن الأحداث الأخيرة في "شرورة"، فضلا عن عملية الإرهاب الحدودية في العام الماضي، بل مقاطع اليوتيوب التي تأتينا من أفراد "داعش" و"النصرة" من السعوديين الذين يطؤون بأقدامهم على الهوية الوطنية، ويتوعدوننا بالقدوم إلى السعودية؛ تقول لنا إن معظم من قام بتلك الأعمال هم ممن أفرج عنهم، وكفانا مزايدة في هذا الملف، فلا نرضى والله بأي ظلم يقع على أي ابن من أبنائنا، ولكن في المقابل، من السذاجة الإفراج عن بعض أولئك الموقوفين دون التحقق من انخلاعه عن فكر التكفير والإرهاب، وتوبته الصادقة. كفانا مزايدة فعلا في هذا الملف، الذي يرتزق به البعض، ويبتز به البعض الآخر في الإعلام، دون أي تبصر لمآلات الأمور، وهؤلاء لو تعرضت تجارتهم أو استثماراتهم لأدنى هزة، لأقاموا الدنيا عويلا وصراخا وبكاء، وهم الذين يتشدقون اليوم في مجالسهم النخبوية الوثيرة بالنقد، يوزعون – بلا حياء- التهم علينا بالعمالة. وأقول بصدق لآباء وأمهات بعض الموقوفين: إن بعض هؤلاء الأبناء ما يزال يحمل هذا الفكر، وإن خرج اليوم، فستلقونه غدا هناك في أرض الفتنة في العراق وسورية، يقتتلون فيما بينهم، حيث لا راية جهاد حقة، ويرتدون إلينا قنابل بشرية منتحرة، بما رأيتم من بعضهم في "شرورة" و"الوديعة"، ووالله لبقاؤهم موقوفين في السجون، أهون علينا وعليكم من أن ترونهم في ذلك المصير، جثثا متفحمة ذهبت أرواحهم في قتل أهلهم وإخوتهم وأبناء عمومتهم، لأنهم كانوا ألعوبة بيد الاستخبارات الإيرانية والصهيونية والغربية يتحكمون في مشاعرهم الدينية، وحلمهم بالخلافة، وغيرها من تلك الدوافع التي دفعتهم ليقدموا أرواحهم رخيصة لأعداء الإسلام. أردت أن أرسل في تلك الحلقة رسالة لكل المختلفين من ألوان الطيف الفكري في بلادي، بأننا في سفينة واحدة، ومن العيب أن نتجادل ونختلف ونتقاذف التهم السخيفة، فيما العدو متربص بنا على حدودنا، وجهاز التحكم بيد الصفويين من خلفهم أو الصهاينة الذين يضربون إخوتنا في غزة ثبتهم الله ونصرهم. كل الشكر والتقدير لأولئك الدعاة الذين نفروا مباشرة وصدحوا بها عالية واضحة، حيال فكر "داعش" وخلافتهم التي أعلنوها، بيد أن هذا لا يكفي، فمجرد حلقة فضائية أو مقالة عابرة أو بيان يوقع عليه هؤلاء الفضلاء من الدعاة في بلادي لا تكفي أبدا. نحتاج منهم – والمجتمع يسمع لهم- أن يجعلوها أولوية ينتدبون أنفسهم فيها لدحض هذا الفكر، وأعلم يقينا أية ممانعة ستأتيهم من "الدواعش" المتخفين بيننا، وأي هجوم سيطالهم، يصل للأعراض والذمة والدين، ولكن صورة ديننا وإسلامنا، وأمن وطننا وسلامة مجتمعنا، يحتاج منهم هذه التضحية. أخيرا، ما وددت قوله في تلك الحلقة إنه من الخطأ الكبير ذلك الوهم الذي يقول به البعض منا، بأن جرعة التدين الزائدة التي كان عليها المجتمع السعودي، هي السبب في رؤية هؤلاء المتطرفين، فنسبة التونسيين مثلا في "داعش" - حسب ما يقول به الزميل جمال خاشقجي- أعلى من نسبة السعوديين فيه، وأولئك خضعوا خلال الحقب الماضيات لأقوى عملية تغريب وبُعد عن الدين، فضلا على أن مناهجهم كانت علمانية خالصة، واليوم هم أكثر عددا، ومن يقول بهذا الرأي يقود المجتمع لازدواجية مقيتة، وانقسام عنيف يرتد علينا كارثة، بما لا يقل عن كارثة "داعش". كفانا مزايدة أيتها النخب..ف"داعش" على حدودنا، وثمة "دواعش" بيننا.