الشرق - السعودية شمس لا تتعاطف مع أحد، تلفح بلهيبها كل من يجرؤ على التعرض لشعاعها الحارق، الزمان يتواطأ معها كذلك فيتوارى الليل سريعاً ليفسح للنهار ساعات طويلة ممتدة تمارس فيها الشمس سلطتها المستبدة. الضوء الساطع والوهج الأخاذ يكاد يسلب الحياة من كل شيء يقع عليه، تتشقق الأرض جفافاً، تذبل الأزهار والأوراق، وتتحول الأغصان إلى عصي يابسة. تلتحف الطيور والهوام بمساحات الظل الشحيحة وتتلهف على قطرات الندى لتقاوم عطشها المتعاظم في جوفها.. ويزيد الأمر سوءًا تلك الرطوبة التي تحيط بالأجواء وتثقل الأنفاس وتجعل الشهيق والزفير مهمتان غاية في الصعوبة والإجهاد. علماء النفس يرون أن للحر تأثيراً مباشراً على تصرفات الإنسان، وأثبتت عدة دراسات أن الطلاب يفقدون القدرة على التركيز والاستيعاب ويميلون للخمول مع زيادة الحرارة والرطوبة كما وجدت دراسات أخرى علاقة مباشرة بين زيادة العدوانية والتحرش لدى الناس وارتفاع درجة الحرارة، بل إن معدلات الجريمة وإطلاق النار ترتفع بشكل ملحوظ في أوقات الصيف في مدن عدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. لذلك ينصحك الأطباء بعدم الخروج أو التعرض للشمس وقت موجات الحرارة الشديدة، وينصحونك كذلك بعدم اتخاذ قرارات حاسمة أو الدخول في نقاشات ندية وأنت تشعر بالحر، لأن معدل عدوانيتك وعصبيتك سيكون مرتفعاً ولن تكون مهيئاً لتقبل الرأي الآخر حينها!. كما أنك ستكون عرضة لخطر الجفاف والإجهاد الحراري وضربات الشمس التي قد تؤدي لأضرار جسيمة على صحتك. ترى هل لمناخنا الحار معظم فترات العام علاقة بحدة مزاجنا وعنصريتنا ورفضنا قبول الآخر المختلف مهما كانت الأسباب؟ هل شمس العرب الساطعة هي المسؤولة عن فشل الديمقراطية والإصلاح في بلادهم؟ هل أورثتنا حدتها وقسوتها على الكائنات فجعلتنا في مثل تسلطها وجبروتها نمارسهما على من حولنا دون أن نشعر؟ وهل جفاف رمالنا وحدّة طقسنا هما السبب في جفافنا العاطفي وتحجر قلوبنا؟ هل السبب في كل تلك المشكلات المعقدة والحروب الكلامية التي نخوضها كل يوم عن المرأة والطائفية والعدالة والمساواة هو الدرجات الزائدة في التيرموميتر؟ هل الخصوصية التي ندعيها ونتشدق بها في كل محفل ليست سوى موجة حارة أصابتنا بضربة شمس جماعية جعلت أفكارنا تنتج هذا المزيج العجيب من القناعات والأفكار غير القابلة للحياة في أي مجتمع طبيعي؟