نهار الثلاثاء الثالث من شهر أغسطس، ذروة فصل الصيف، حيث اعتاد سكان الرياض على أن تشوي جلودهم شمس مدينتهم الحارقة والساطعة دوما. شمس الرياض الصيفية معروفة بانضباطها وحرصها الجم على (الدوام)، فهي لا تتأخر ولا تتغيب ولا تعتل ولا تحب أخذ الإجازات لأي سبب كان. اليوم، شيء غريب حدث! سماء الرياض يكسوها غيم داكن، وخيوط المطر تمتد متراقصة في الفضاء فتربط بين السماء والأرض! أن يزورنا المطر في عز الصيف مفاجأة تفوق ألذ أحلامنا، أتأمل قطرات المطر تنساب على زجاج النافذة فتطوف بذهني خاطرة طفولية، ليت من نحبهم ونشتاق إليهم يذوبون في قطرات المطر فيتسللون إلينا عبر النوافذ! المطر، للمحرومين منه، قصيدة ضاحكة بديعة النسج.. يتدفق منها دفء الحب ويفيض من جوانبها الجمال، أو إن شئت، المطر لحن خلاب سامي الإيقاع، يداعب الخيال فيهيم به في عالم من السحر والبهاء. صوت المطر ينقر زجاج النافذة فتمتلئ عروقي بالارتواء، للبلل نعومة ساحرة، أكاد أحس للرطوبة نعومة الحرير، (طبعا سكان جدة) لن يعجبهم ذلك، ولكن هذه طبيعة الحياة! الحرمان يجعلنا نرى جمال الأشياء، سكان الرياض يعانون حرقة، تجف لها جلودهم وتتقصف معها شعورهم وتتقشر بسببها شفاههم، فيتلهفون على قطرة ندى ترطب أيامهم، أما سكان جدة فتقطر جباههم بالعرق وتشتبك أصابعهم بالرطوبة وتلتصق ثيابهم باللزوجة فتضيق صدروهم (باللسلسة) و(الدبق)، وترنو تطلعاتهم إلى لفحة من هواء جاف يجدون فيه حلاوة وأي حلاوة! وربما لهذا السبب نفسه، وأقصد به الحرمان، اختلف الناس في حبهم للمطر أو نفورهم منه، أهل الصحراء من أمثالنا يعشقون المطر، فيتغنون به في أشعارهم، وينسجون على وقعه حكاياتهم، وترقص بهم الأحلام على امتداد خطوطه، هو لهم الحياة والري والانتعاش. بينما أهل المناطق الاستوائية لا يرون فيه سوى إرباك للحياة، وحله يملأ الطرقات وماؤه يتلف الأحذية ويفسد الثياب ويذهب (بالتسريحات). فيتجلى جمال الحياة في شمس ساطعة وأرض جافة. الشمس والمطر يتجاذبان امتلاك القلوب، إن كانت الشمس سر حياة الوجود، فكذلك المطر.. الشمس تأتي بالضوء والدفء، والمطر يأتي بالري والانتعاش.. الشمس تدفع إلى النشاط والعمل، وبدون مطر لا نشاط ولا عمل. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة