الاقتصادية - السعودية اتجهت المصارف التجارية العاملة في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة إلى التوسع في منح القروض الاستهلاكية لأفراد المجتمع، إذ ارتفعت إجمالي قيمة هذه القروض بنهاية عام 1999 من 12,3 مليار ريال لتصل إلى 38,4 مليار في عام 2001م، وإلى مبلغ 332 مليار ريال بنهاية الربع الرابع من العام الماضي. وما شجع البنوك على التوسع في منح القروض الاستهلاكية، النمو الملحوظ في الطلب على هذا النوع من الإقراض من قبل أفراد المجتمع، ووجود النظام السعودي للتحويلات المالية السريعة (سريع) الذي يمكن من تحويل راتب المقترض لحسابه بالمصرف المقرض ليقوم الأخير باستيفاء قيمة القسط المستحق من الراتب. كما أن وجود سجل ائتماني للعميل الذي توفره الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة) لأعضائها قد ساعد المصارف على اتخاذ القرار الائتماني السليم، كونه يوفر معلومات ائتمانية تاريخية وحديثة عن العميل المقترض، تمكن المصرف التجاري المانح للقرض من تقييم قرار منح القرض من عدمه. ونتيجة لهذا النمو المطرد في حجم القروض الاستهلاكية، طالب عدد من الاقتصاديين وأصحاب الأقلام والرأي إلى ضرورة تدخل مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، للحد من منح هذا النوع من القروض، والتوسع كبديل في منح القروض الإنتاجية، التي تعود على المقترض بالنفع والفائدة الاقتصادية والمالية. وكخلفية تاريخية وبالتحديد خلال فترة حقبة التسعينيات عندما كانت المصارف تركز في إقراضها على الشركات والمؤسسات التجارية دون الأفراد أو ما يعرف بال Corporate Lending فقد كان هناك امتعاض مجتمعي نتيجة لهذا التركيز وعدم الموازنة بين إقراض المؤسسات التجارية بأنواعها المختلفة والأفراد، بل قد وجه آنذاك للمصارف نوع من العتب واللوم، نتيجة لإحجامها عن إقراض الأفراد. وكاستجابة لطلب المجتمع بدأت المصارف في التوسع التدريجي خلال العقد الماضي في منح القروض للأفراد والذي ساعد عليه، كما أشرت، عدة عوامل من بينها الطلب المتنامي على هذا النوع من الإقراض ووجود نظام سريع، وتوفر سجل ائتماني للمقترض. وما ساعد أيضا على توسع المصارف التجارية في الإقراض الشخصي، التحول النوعي الذي شهده سوق تمويل الأفراد في المملكة بشكل عام، وسوق التمويل الاستهلاكي على مستوى المصارف بشكل خاص، والذي أصبح بمثابة صناعة ترتكز على أساسيات علمية وتستند إلى إجراءات وخطوات عملية واضحة بعيدة كل البعد عن الارتجالية والعشوائية والتخبط في اتخاذ القرار الائتماني. وما يؤكد على ذلك إصدار مؤسسة النقد العربي السعودي لما يعرف اليوم بضوابط التمويل الاستهلاكي، والتي تتكون من 13 مادة رئيسية وأكثر من 40 فقرة تفسيرية لتلك المواد، والتي نصت بوضوح تام على الشروط العامة التي تمنح بموجبها المصارف التجارية العاملة في المملكة التمويل الاستهلاكي لعملائها من الأفراد. وعلى سبيل المثال فقد ألزمت الفقرة 1-2 المتعلقة بالإعلان عن القروض الاستهلاكية، المصارف بإظهار الإعلان بوجه عام عن القروض الاستهلاكية في مكان بارز في مقارها أو في أي مكان آخر مع مراعاة مبادئ حسن النية، وأن يكون على نحو مبسط وواضح وشامل. كما نصت الفقرة 2-2-2 بتلك الضوابط على أنه يجب على المقرض تزويد المقترض بالمعلومات الدقيقة والكاملة اللازمة بخصوص اتفاقية التمويل التي هي قيد الدراسة، وأن يتلقى المقترض هذه المعلومات كتابة أو بأية وسيلة أخرى موثوقة قبل إبرام اتفاقية التمويل. ويجب أن توضح المعلومات بشكل خاص المتعلقة بالضمان والتأمين المطلوبين، ومدة اتفاقية التمويل، ومبلغ وعدد الدفعات المنتظمة التي ينبغي سدادها، والرسوم المتكررة، بما في ذلك المصروفات الإضافية غير المتكررة والتي يجب على المقترض دفعها عند إبرام الاتفاقية كمصروفات الرسوم الإدارية والإجرائية وغرامات التأخير عن السداد. كما الزمت الفقرة المصارف بالإفصاح عن سعر العمولة أو الربح على القرض، والمؤشر الذي يحكم تطبيق هذا السعر وأي سعر مرجعي آخر يسري على سعر عمولة التمويل أو الربح الأولي، وكذلك فترات وشروط وإجراءات تغيير سعر عمولة التمويل في حالة تطبيق ذلك. هذه الضوابط وغيرها أسهمت بشكل كبير في أن تمنح المصارف التجارية التمويل الاستهلاكي لعملائها من الأفراد على أسس مؤسساتية، تكفل لجميع الأطراف المتعاقدة المحافظة على حقوقهم وصيانة التزاماتهم. كما أن توجه المصارف التجارية إلى تنويع محفظة الإقراض الشخصي، ليشمل أكثر من نوع القروض (التمويل العقاري، والسيارات والمعدات، والأخرى)، أسهم بشكل واضح في عدم التركيز بشكل كامل وتام على الإقراض الاستهلاكي، ولاسيما أن القروض المصنفة ضمن القروض الأخرى تشتمل على قروض تعليم، وتأثيث منازل سكنية وإلى غير ذلك. إن الرقابة الحثيثة لمؤسسة النقد العربي السعودي وتشديدها على المصارف بالالتزام الحرفي بتطبيق تلك الضوابط ومتابعتها لذلك، قد أسهم بفاعلية في جودة محفظة الإقراض الاستهلاكي للقطاع المصرفي وتسجيل نسب تعثر مقبولة ومعقولة، والتي تعد في حدودها الدنيا مقارنة بمحافظ تمويل مماثلة بمصارف أخرى على مستوى العالم. إن تخوف بعض الاقتصاديين والزملاء من الكتاب وأصحاب الرأي من توسع المصارف التجارية في الإقراض الشخصي، قد يخفف من حدته وجود ضوابط صارمة ملزمة التطبيق للمصارف لدى منحها لذلك النوع من التمويل. كما أن إجمالي قيمة محفظة الإقراض الشخصي الممنوح من المصارف التجارية للأفراد، لا يزال في مستويات وحدود معقولة قياساً Bench marking بحجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، إذ لا تتجاوز تلك النسبة 12 في المائة، والتي تعد معقولة للغاية مقارنة بنسب مماثلة في دول أخرى على مستوى العالم. إن المطالبة بالتضييق على المصارف في منح القروض الشخصية، قد يفسح المجال أمام تنشيط قنوات تمويل أخرى بديلة وسوق تمويل موازٍ غير نظامي مثل (أبو فلان) والتي نشاهد ملصقاتها الدعائية في أكثر من مكان، على الرغم من أنها تعد مخالفة صريحة لنظام مراقبة البنوك، الذي حددت مواده من يحق لهم ممارسة مهنة الأعمال المصرفية في المملكة العربية السعودية. * مستشار وكاتب اقتصادي [email protected]