الاقتصادية - السعودية شخصيا لا أعتقد أن إدخال عقوبة التشهير بالفاسدين يحتاج لدراسات ولجان وتوصيات ونقاشات وغير ذلك. التشهير بكل فاسد حق من الحقوق الأولية البسيطة لكل مواطن ومواطنة. فالفاسد لا يساهم فقط في تعطيل عجلة التنمية، مما يؤخر نمو بلادنا، بل ويثري من الأموال العامة التي هي حق للمواطنين. وفوق هذا كله ما زلنا ندرس مسألة التشهير به حتى لا نجرح مشاعره الرقيقة. الواجب التشهير به متى ثبت عليه الفساد، بل وتأديبه على الملأ وجعله عبرة لمن يعتبر، وهذا من أقل ما ينبغي علينا فعله. والحقيقة أن مجرد التردد في مسألة التشهير بالفاسدين دليل على الخوف من مجابهة هؤلاء العتاولة الذين ينهبون ثروات هذا البلد ويعطلون تنميته دونما خوف من افتضاح أسمائهم أمام الملأ. هيئة مكافحة الفساد بلغت بها المجاملة غير المستساغة حد مطالبة الجهات الحكومية بتحديد أسماء الموظفين المسؤولين عن التأخير في الردود عليها، وكأن الهيئة لا تعلم أن التأخر في الردود على استفساراتها يأتي من المسؤول الأول عن الجهة الحكومية. لن يجرؤ أي موظف حكومي على تعمد التأخر في الرد على نزاهة دون ضوء أخضر من المسؤول الأول في الجهة الحكومية، سواء كانت وزارة أو مؤسسة أو هيئة. ما هذا الضعف يا نزاهة في تشخيص الوقائع وتحديد المسؤولين عن التأخير في الرد؟. مكافحة الفساد تحتاج إلى وضوح لا يقبل معه التأويل، وقوة في دعم كل ما من شأنه الحد من الفساد بما في ذلك الدفع بالقوانين والعقوبات الصارمة، ولا أجد سببا يمنعنا من أن نكون الدولة رقم واحد في العالم في صرامة القوانين المكافحة للفساد. مر ثلاثة أعوام على الأمر الملكي الكريم بتأسيس هيئه لمكافحة الفساد، ومنذ ذلك الحين لم نشعر بأي تغيير جذري، والسبب في ذلك أحد ثلاثة أمور. إما إننا دولة بلا فساد وبلا فاسدين ومفسدين، وهذا الاحتمال مستبعد لأن واقع حال مشاريعنا يشير إلى العكس تماما، فلا مشاريعنا تنجز في الوقت، وإذا أنجزت بشق الأنفس لا تكون بالمعايير المطلوبة، وخير مثال على ذلك انغمار شوارعنا بالمياه مع كل زخة مطر وكأننا تعرضنا لتسونامي، ولن أطيل في الحديث عن هذا الواقع لتشبعنا منه. والاحتمال الثاني أن يكون الفاسدون من الذكاء ما يجعل من المستحيل إيقافهم، وهذا أيضا مستبعد. فواقع حال الفاسدين يشير لغبائهم المثير للاشمئزاز. فوالله لو كان لدى الفاسدين ذرة عقل لما أصبحوا فاسدين من الأساس، بل إن الحقيقة تؤكد أن ضحالة فكرهم وقصر نظرهم وعدم قدرتهم على الاندماج في الحياة السوية هو ما جعلهم يسلكون هذا المسلك المشين والعار عليهم، والذي نعانيه جميعا. الاحتمال الثالث، هو أن هيئة مكافحة الفساد تعاني شيئا ما يمنعها من تنظيف البلد من العينات الفاسدة. فهل يا ترى ما هو هذا الشيء العجيب الذي جعل الجميع يدور في دوامة من التساؤلات التي لا نهاية لها. الجميع يشهد للقائمين على "نزاهة" بالنزاهة والمهنية الفنية المحترفة، وأنا أولهم. والجميع يدرك الدعم اللا محدود الذي يقدمه ولاة الأمر، وبالأخص دعم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله لإنجاح مهمة نزاهة في لجم جماح الفساد والفاسدين. شخصيا أرى أن الأسباب في عدم لمسنا نتائج أعمال "نزاهة" يتمحور حول نقطتين. النقطة الأولى، ضعف "نزاهة" في ترتيب أولويات ما ينبغي القيام به. وأقصد هنا ترتيب أولويات العمل، فالانطباع السائد لدى الغالبية، أن نزاهة تستهدف أمورا ثانوية، بينما الأمور الأولية غائبة، على الأقل لا نسمع عنها إعلاميا. والنقطة الثانية، ضعف "نزاهة" في تسليط الضوء على مكمن الخلل والمسبب له. وهذه النقطة مهمة جدا في رحلة مكافحة الفساد. وأود أن أضرب مثالا حيا يعبر عن هذه النقطة، وهو مثال سلطة المال في نيويورك في عهد بنجامين لونسكي. الجميع كان يعلم عن ضعف الرقابة على الوسط المصرفي في عاصمة المال نيويورك. والجميع كان على علم بالممارسات الإجرامية الفاسدة التي كانت تقوم بها المصارف الكبرى كمصرف إتش إس بي سي، وستاندارد تشارترد، وبنك طوكيو مرين وغيرها الكثير، ممارسات غسيل أموال لتجار المخدرات والإرهابيين وغيرهم من سقط متاع الدنيا. ولسبب أو آخر لم يتم تسليط الضوء على مكمن الخلل. وحين تسلم بنجامين مسؤولية الحاكم المالي للولاية، وفي ظرف أسبوع واحد فقط، تم إعلان أسماء المصارف الفاسدة، كما تم توجيه التهم لها رسميا وعلى وسائل الإعلام، وتم تغريمها بالمليارات، كما تم تفعيل جميع القوانين والأنظمة الرقابية، كل ذلك في أسابيع قليلة ومحدودة، وليس في سنين. إن خطى هيئة مكافحة الفساد البطيئة لا تحقق ما أراده ولاة الأمر والملك في تقزيم الفساد والمفسدين وتجفيف منابعهم. كما أن الانطباع السائد والمستحق عن جدارة، يشير إلى خلل في ترتيب الأولويات وتحديد مكامن الخلل. أن الحرب القائمة بين الشر والخير منذ ابتداء الخليقة تحتم على الجميع التكاتف والتعاضد للحد من الآثار السلبية للفاسدين المتعفنين الأغبياء. وعلى هيئة مكافحة الفساد أن تتخذ الصرامة والقوة والشدة والبأس لباسا ودرعا لها، فيكفي ثلاث سنوات بلا نتائج بينة.