عكاظ - السعودية سنة الله بين الناس دول دوما في كل شؤون تقلباتها وأحوالها. وها هي الرياض اليوم تتربع على عرش الثقافة العربية بعدما كانت تاجا متوجا لعواصم عربية أخرى. إنها تلك النعم التي نرفل بها صباح مساء في بلادنا الآمنة المطمئنة التي صارت موئلا ومقصدا لكل خير وعلم ولله الحمد والفضل والمنة. كنت ولازلت يسألني البعض دوما عن سر نجاح معرض الرياض الدولي للكتاب والإقبال عليه فأجبت إن العلم والثقافة والإقبال عليهما وازدهار تجارة النشر تحتاج إلى أعمدة ثلاثة الأمن والاستقرار وثانيها الرخاء وثالثها الرغبة لدى الناس والمجتمع. وها هي الثلاثة تتحقق بوضوح في معرض الرياض وتضعف وتخبو في مواقع أخرى. المجتمع السعودي بطبيعته ميال إلى الرغبة في العلم والثقافة وهو مجتمع ثري مؤثر يلاحق ويتابع إمدادات الثقافة العربية والإسلامية بل العالمية ويبتاع منها المفيد. لن تجد مثقفا عربيا بارزا أو عالما أو مفكرا راقيا إلا وتجد حوله لفيف غير قليل من هذا المجتمع المتطلع الذي جعل منه مقصدا لأي كاتب يرغب في تقديم ما لديه. ما نحتاجه بالفعل هو سؤال هام جدا كيف نحافظ على هذا المكتسب الكبير وهو الحفاظ على معرض الكتاب ونجاحه من قبل الجمهور وكذلك الناشر العربي. لاشك أنه بالغ الأهمية أن نطمع إلى المزيد وأن نحافظ على المكتسب. صحيح أن التطوير هام وضروري وهو ما تسعى إليه وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الشؤون الثقافية وإدارة المعرض لكنه المهم منه أيضا أن لا يمس ذلكم التطوير أي منفرات أو تضييق على الناشر أيا كان سعوديا أو عربيا. وهي بلا شك معادلة صعبة في ظل إشكاليات النشر ومتعلقات البيع التي يكثر الجدل حولها. وبالتالي على الجهة المعنية دوما أن تسعى إلى مد جسور واقعية معقولة غير متسرعة في تلك الخطوات التطويرية التي يسعى إليها. معرض الكتاب حدث هام يقع في مقدمة ومنصة المناسبات السنوية لبلادنا. وهو كذلك علامة رقي وشهادة وعي مباشرة للعالم عن مجتمعنا الناشئ الحديث والذي يلهث وراء الثقافة بهذا المنظر الحضاري الجميل المشرف. كم أتمنى أن يتم فسح المجال أمام القنوات الفضائية في العالم كي يشاهدوا مجتمعنا السعودي المتعلم وهو يتزاحم نحو الثقافة التي هي عنوان وعي الشعوب وكيف هو الرجل والمرأة في ممرات المعرض يقدمان صورة لائقة عن مجتمعنا. الحديث عن معرض الكتاب عن مجتمعنا لا ينفك عن متعلقاته التي يقع على رأسها البرنامج الثقافي الذي هو الآخر نبض المعرض ورئته التي يتنفس الناس بها ورواد المعرض. وكيف تستطيع تلك اللجان التي كنت شخصيا أحد أعضائها هذا العام أن تمر بإنصاف على أطياف الثقافة والفنون جميعا وترضي كافة تلك الشرائح والنخب والألوان بشتى توجهاتها واهتماماتها. أجزم أن ذلك مكلف ذهنيا لكنه يبقى هو الطموح الأول نحو تحقيق موازنة معقولة تجاه ذلك كله. هناك مناسبات أخرى تحمل معها برامج ثقافية إلا أن البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب هو الأقدر على لفت الأنظار وجلب الجمهور بل وهو المكان الأرحب للنقد والجدل من قبل المثقفين والإعلاميين.. ما أرجوه مع قناعتي أن البرنامج قد لا يحقق طموح الجميع ويلبي رغباتهم لكني أتمنى أن يسعى الجميع نحو تقديم المقترح والرؤى لأن ذلك سوف يخدم اللجان العاملة لاحقا. ومع ذلك فإن معرض الرياض بأجنحته وأذرعته يبقى منارة إشعاع رائدة مشرفة لبلادنا ومثقفينا.