الاقتصادية - السعودية من المهم أن يكون هناك تمايز واضح ودقيق بين الأصول السيادية المكونة لصندوق الثروة والهيكل المؤسسي المسؤول عن إدارة هذه الأصول. وحتى في حالة إنشاء الصندوق السيادي كحساب في البنك المركزي تحت التفويض الممنوح له من وزارة المالية (كما هو المعمول به في إدارة الأصول السيادية ضمن الموجودات الأجنبية ل "ساما")، فإن هذا لا يحول دون إنشاء هيئة إدارية مستقلة يتم تكليفها بتحديد استراتيجية الاستثمار وإدارة الصندوق على أسس مالية واقتصادية بحتة وبعيدا عن أي تأثيرات سياسية. إن الإطار القانوني والهيكل المؤسسي لهما انعكاسات على استثمارات الأصول السيادية الخارجية وكذلك التكاليف التشغيلية والاستقلالية الإدارية. في المقال السابق "الإطار القانوني للصندوق السيادي.. الحلقة المفقودة" تم التطرق إلى ثلاثة أشكال قانونية والدول التي تبنت هذه الأطر القانونية: (1) حساب للدولة لدى البنك المركزي (2) صندوق سيادي بكينونة قانونية مستقلة (3) شركة مملوكة للدولة. إن هذه الترتيبات المؤسسية المختلفة لها تأثير مباشر في حجم الضرائب التي يجب أن يدفعها الصندوق السيادي في الدول المستثمر فيها وبالتالي العائد الحقيقي على هذه الاستثمارات. في الأغلب، هناك حصانة سيادية وامتيازات ضريبية لاستثمارات البنوك المركزية في الخارج. أما بالنسبة للأطر القانونية الأخرى، فإن حجم الضرائب على الصناديق السيادية يعتمد على مدى اعتبارأنها جزء لا يتجزأ من الإدارة المالية للحكومة وفي بعض الأحيان على المعاهدات الضريبية الثنائية. بالنسبة للقارئ الكريم، النقطة المهمة التي يجب أخذها في عين الاعتبار هي الاستقلالية الإدارية والتكاليف التشغيلية وعلاقتها بالأهداف النهائية للصندوق ورسالته والرؤية التي يسعى إلى تحقيقها. بغض النظر عن الإطار القانوني أو هيكل الحوكمة للصندوق السيادي، فإن الإدارة التنفيذية للصندوق يجب أن تكون قائمة على أساس مستقل للحد من النفوذ السياسي أو التدخلات المحتملة التي يمكن أن تعوق تحقيق أهداف الصندوق السيادي. على سبيل المثال، عندما يقوم البنك المركزي بإدارة أصول الصندوق نيابة عن وزارة المالية، فإن إدارة هذا الصندوق يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من الاستقلال الإداري للبنك المركزي بما فيها هيكل الإدارة القانونية. ومن ثم لا بد أن يكون هناك إطار قانوني راسخ لطريقة صنع القرار والرقابة والعلاقة بين الموكل "وزارة المالية" والوكيل "البنك المركزي". أما في حالة إنشاء صندوق سيادي بهوية قانونية مستقلة، عادة ما يكون هيكل حوكمة واضحا من خلال تحديد المالك الحقيقي للأصول السيادية، ومجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية للصندوق. الاعتبار الآخر هو التكلفة. من ناحية عملية، هناك تكاليف ثابتة عند إنشاء صندوق سيادي بكيان قانوني مستقل من خلال تعيين كادر وظيفي متكامل ومباني وأنظمة معلوماتية وغيرها، وقد لا تكون هذه التكاليف كبيرة نسبياً، أخذاً في الاعتبار حجم الاستثمار ومداه الزمني الطويل. أما في حالة إدارة الصندوق ضمن البنك المركزي، فإنه يمكن استخدام بعض الموارد المتاحة لدى البنك المركزي وبالتالي الاستفادة من البنية التحتية القائمة والموارد البشرية من أجل التسريع بإنشاء الصندوق وربما تقليل التكاليف. ولكن هذا ليس بالأمر السهل، حيث لا بد أن يكون هناك فصل واضح بين أنشطة البنك المركزي وإدارة الأصول السيادية، والأهم محاولة استقطاب الكفاءات "وبالأخص الوطنية" برواتب ومزايا مغرية من أجل تقليل الاعتماد على مديري الثروات الخارجيين وبالتالي تقليل المصروفات وتوطين المعرفة والخبرات التي قد تكون من التأثيرات الجانبية الإيجابية. خلاصة القول، بغض النظر عن الإطار القانوني للصندوق السيادي محل الدراسة، يجب أن تتناسب الترتيبات المؤسسية للصندوق مع أهداف وطبيعة استثمار الأصول السيادية ضمن اتساق متكامل مع إطار السياسة الاقتصادية الكلية. إن تحديد الإطار المؤسسي الأنسب "ضمن بعض الاعتبارات التي تم التطرق لها في هذا المقال" يقع على عاتق الجهات المعنية وذات العلاقة بإنشاء الصندوق السيادي، ومن ضمنها: مجلس الشورى، والمجلس الاقتصادي الأعلى، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة المالية، و"ساما". وبما أن قرار إنشاء صندوق ثروة سيادي هو خيار مصيري للوطن ويمس كل فرد ليس في الجيل الحالي فقط، ولكن يمتد إلى الأجيال المقبلة، فإن على الحكومة أن تأخذ على عاتقها تثقيف الجمهور بشأن الصندوق السيادي، وتوعية المواطنين بهذه الخيارات المصيرية، وطرح الخيارات بالفروقات بينها للنقاش العام وأخذ مرئيات العموم من أجل تعزيز الثقة والشرعية للصندوق السيادي بين مكونات الاقتصاد وشرائح المجتمع المختلفة.