اليوم - السعودية تعليق على موقف المملكة من التحكيم في قضية «أوناسيس» إكمالاً لما نشر من مقالات حول موضوع التحكيم والتي كان آخرها مقال «تنفيذ أحكام التحكيم»، نتطرق في هذا المقال لتجربة مشرفة لحكومة المملكة في الخلاف مع الشركة العربية الأمريكية (أرامكو) في القضية المعروفة بقضية «أوناسيس» عندما امتثلت للحكم الذي صدر ضدها، وأظهرت احتراماً كاملاً لنصه، ونفذت ما ورد فيه دون تأخير. والجذور التاريخية لهذه القضية ترجع بداية إلى منح حكومة المملكة امتيازاً في عام 1933م لشركة «ستنادرد أويل أف كاليفورنيا (سوكال) التي نشأت عنها ما يعرف الآن بشركة أرامكو السعودية، وبموجب هذا الامتياز تتمتع أرامكو بالحق الحصري في التنقيب عن النفط، واستخراجه، وتصنيعه، ونقله في الجزء الشرقي من المملكة. وفي جانب آخر منحت المملكة اتفاق امتياز آخر في إبريل عام 1954م لأحد كبار أساطيل الشحن البحري وهو اليوناني أرسطو أوناسيس لتصدير النفط المنتج في المملكة إلى الخارج، ومن هنا ظهرت المشكلة حول الحق الحصري لنقل النفط السعودي ومشتقاته، وحول مدى تعارض الامتيازين مع بعضهما البعض. ونتيجة لهذا النزاع، فقد تشكلت هيئة تحكيم دولية؛ للنظر في النزاع مؤلفةً من محكم سويسري ومحكمين مصريين وخلصت هيئة التحكيم إلى أن حقوق الامتياز الممنوحة لأرامكو تعطيها أولوية وأفضلية على حقوق الامتياز اللاحق الذي ُمنح لأوناسيس حيال نقل النفط السعودي المصدر خارج المملكة، ورأت أن القانون الذي ينظم التحكيم بحد ذاته هو القانون الدولي في حين أن القانون الموضوعي الذي يحكم القضية هو النظام السعودي والمستمد من أحكام الشريعة الإسلامية. وجدير بالذكر أن الحكم قد صدر بتفسير وتطبيق الأحكام التعاقدية لاتفاقية الامتياز التي منحت لأرامكو مع مراعاة الأعراف والممارسات الدولية في صناعة ونقل النفط، مما أدى إلى تطبيق هيئة التحكيم للنظام السعودي في قضية أوناسيس مع الأخذ في الاعتبار القانون الدولي والمبادئ ذات الطابع الفريد لصناعة النفط والممارسات السائدة في ذلك القطاع. ورغم صدور حكم التحكيم ضد مصلحة حكومة المملكة -كما أشرنا أعلاه- بادرت حكومة المملكة إلى تنفيذ الحكم بكامل الرضا والاقتناع، وكان لهذا الموقف النبيل من المملكة في تنفيذ التزاماتها القانونية أثر كبير في اتساع علاقات المملكة مع الدول الأخرى المستثمرة، الأمر الذي ساهم في استقرار ونمو الاقتصاد السعودي على المدى الطويل، وجعلها بحمد الله أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وعضواً في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات في العالم. وفي 14 ديسمبر عام 1962م، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 1803 المتعلق بحق الشعوب والأمم في السيادة الدائمة على ثرواتها ومواردها الاقتصادية، وبعد صدور هذا القرار بادر كثير من الدول بتأميم شركات النفط العاملة فيها بينما سعت المملكة إلى التفاوض بديلاً عن المصادرة والتأميم؛ لتعارضهما مع احترام القانون الدولي، والاتفاقات السارية المفعول، والشريعة التي تدعو وتحث على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق والعقود قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» وقال تعالى «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»، وتنفيذا للعقود وفقاً للقاعدة الشرعية العقد ملزم للجانبين. وهذه السياسة الحكيمة التي اتبعتها المملكة كان لها الأثر الايجابي في استمرار علاقتها مع الشركات صاحبة الامتياز واستفادتها من هذه العلاقات حتى يومنا هذا، وأهم من هذا كله، فقد نجحت المملكة في تأسيس أكبر شركة للنفط في العالم -وهي شركة أرامكو السعودية- هذه الشركة التي أصبحت تدار من قبل كفاءات وطنية متميزة جعلت منها المصدر الموثوق لإمدادات النفط في العالم، مما جعلها والقائمين عليها مصدر فخر للمملكة. وبهذا التوجه الايجابي ستظل المملكة رائدة في السعي نحو بناء احترام متبادل وتفاهم أعمق مع بقية بلدان العالم مع حفظ حقوقها وحقوق مواطنيها بالكامل. وختاماً، فإن قضية أوناسيس تعد أول قضية تحكيم دولية تم الفصل فيها وفقاٌ لأحكام الشريعة الإسلامية، وبهذا تعد سابقة قانونية يعتد بها في مجال التحكيم الدولي، مما يؤكد أن الشريعة الإسلامية نظام فاعل وصالح لكل زمان ومكان. [email protected]