الوطن - القاهرة سأقول لك كلمتى وأنصرف.. اسمعها.. اعقلها ثم افعل ما شئت.. ليس عيباً -يا رجل- أن ينصحك الأصغر سناً.. فربما يرى ما لا تراه.. بل هو قطعاً لم يسمع ما تسمعه من عبارات النفاق وآيات النفاق والخداع.. ولم تر عيناه ركوع الهامات بين الأقدام..! سيقول لك ألف من المنافقين والمتملقين والحاشية كلاماً يسكرك.. ستخرج، دون أن تدرى، من جلدك البشرى الخشن، وتتخيل أنك فوق البشر.. ستقول لى «لن يحدث».. حسناً.. ولكن دعنى أذكرك بأن بلاط السلطان مملكة تعلو الدولة فى مصر.. اقرأ التاريخ.. وستصدقنى..! سيقولون لك: توكل على الله.. لمَ لا وأنت منحة من الله.. أنت زعيم وبطل ملهم.. أتاك الوحى فى 30 يونيو فاستجبت لإرادة شعبك.. وطلبت التفويض فى 26 يوليو، فخرجوا يمنحونك تفويضاً وتوكيلاً على بياض.. تمنّعت و«تقلت» على منصب «الرئيس»، فعادوا إلى الميادين فى 25 يناير، احتفالاً بك، وليس بالثورة.. فكيف تخشى الفشل.. ولماذا تقدم أوراق اعتمادك للرئاسة أصلاً؟ حب الناس يكفى.. وهتافات الميادين تصنع الزعيم.. والزعيم فوق المحاسبة، ولا يحتاج إنجازات.. فقد وُلد زعيماً قبل أن يصبح رئيساً..! أعرف أنك فى لحظة حاسمة فى حياتك.. غير أننا أيضاً فى محنة صعبة من تاريخنا.. أنت منا.. ونحن لك ومعك.. غير أننى لن أخدعك.. لن أنافقك، ولن أعزف مع الجوقة التى بدأت «السيمفونية» مبكراً.. الحكيم -يا رجل- من يأخذ الحق من غير ذى منفعة.. وأنا والله لا أطمع فى ذهبك ولا صولجانك، ولا مناصبك.. أنا أعرف أنك تعرف أننى لا أسعى ولا أهوى ولا أعشق سوى مهنتى.. ليس لى فى المناصب السياسية ولا الحكومية..! يقولون لك: لقد أتيت بالمعجزة وسجلت الإنجاز..!.. هذا حقيقى.. غير أن المعجزة صنعها قبلك ومعك هذا الشعب العظيم.. أما الإنجاز فلم يأت بعد.. أنت قائد عسكرى عظيم.. أنت زعيم.. ولكن دعنا نتحدث عن الرئيس.. رئيس مصر فى مرحلة هى الأصعب فى تاريخها.. فحب الناس كوب مملوء، سوف يفرُغ حتماً إن لم يملأ الرئيس الجديد نفوس المواطنين بالرؤى والإنجازات والعمل والإنتاج.. نريدك -يا سيسى- رئيساً بنكهة زعيم، لا زعيماً فى مقعد رئيس.. ولن يتحقق ذلك سوى برؤية ثاقبة وخلاقة لإعادة بناء مصر.. لا نريد الحلول سريعة لأنك بشر.. نريد طريقاً صعباً نلمح فيه بصيص ضوء.. لا نريدك أن تعمل وحدك.. نريد أن تقود 90 مليون مصرى يصحون مبكراً، ويملأون المصانع والشوارع عزيمة وعرقاً.. لا نريد أن تضع «حب الناس» رصيداً فى «كيس مخروم» ينفد بعد أشهر أو سنوات، فالأفضل أن تفتح ب«حب الناس» حساباً جارياً فى «بنك العمل والإنجاز».. وحتماً ستنجح بنا ومعنا..! مَن أحبك.. أراد لك النجاح وساعدك عليه.. لذا لا تسمع كلامهم.. لا تضع برنامجاً انتخابياً خيالياً، يحقن الناس بمخدر لانتخابك.. وكفى..!.. ضع برنامجاً منطقياً قابلاً للتحقق.. قل لنا لن أحل كل مشاكل مصر فى 4 أو 8 سنوات.. هذا حقك لأنه منطقى.. وإنما قُل سأتصدى لمشكلة الأمية بنسبة 40٪، وأزمة التعليم بنسبة 30٪، والفساد 80٪.. وهكذا.. المهم الرؤية والطريق نحو المستقبل.. غير أن هذه التعهدات ينبغى ألا تكون مبهمة، دون تحديد كيفية وآليات التنفيذ.. فأنت تعرف أن آفة رؤساء الماضى أنهم كان «يعملون لنا البحر طحينة».. يجيبون عن سؤال: ماذا؟ بالأحلام والشعارات.. ولا يقولون لنا: كيف.. ومن أين.. ومتى.. وما المطلوب من الشعب للتنفيذ؟!.. وفى النهاية نطوى جميعاً البرنامج الانتخابى.. وتتبخر الوعود.. وتبقى مصر كما هى.. وربما تمضى إلى الأسوأ..! .. المشير عبدالفتاح السيسى.. مبروك الرتبة الجديدة.. وربما تكون كلماتى السابقة غير مناسبة فى هذا اليوم.. غير أننى أردتها مبكرة قبل أن تمتلئ أذناك بنفاق الحاشية.. فقد قال علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه: «صديقك من صَدَقَك وليس من صدَّقَك».. لذلك اريدك أن تنسى ما سبق.. اعتبره رصيداً تنطلق منه فى إنجاز تاريخى أعظم مما فعلته.. كن رئيساً أكثر من «زعيم».. كن مديراً ناجحاً لدولة، أكثر من «قائد لجيش عسكرى».. اجمع حولك عقول مصر المخلصة من الخارج والداخل أفضل من «أهل الثقة» الذين يقولون لك «الله عليك.. سلمت يمينك.. إيه العظمة دى كلها»..! .. وأخيراً.. انظر إلى المرآة كل صباح.. وتفحّص وجهك جيداً.. وقل لنفسك «يا عبدالفتاح أنت بشر.. أنت إنسان.. تصيب وتخطئ.. وعز المناصب ساعة.. ومجد بناء الأمم إلى قيام الساعة»..! يا «سيسى».. أخاف عليك لأننى أحبك.. وأخاف على مصر لأن ليس لى وطن سواها..!