اليوم السابع -القاهرة (1) أنت تكره النفاق.. صح؟ تشعر برغبة كبيرة فى التقيؤ والغثيان من قصائده ومن أهله.. صح؟ قبل شهور من الآن كنت تسمعهم يتحدثون عن مرسى، وكأنه صلاح الدين الأيوبى منقذ الأمة، وكاشف الغمة، كنت تسمعهم يصفونه بالرئيس الربانى المؤيد إلهياً والمصطفى سماوياً، وكان بعضهم يبتذل نفسه ودينه لدرجة الادعاء بأنه شاهد رؤيا لمرسى وهو يصلى إماماً بالأنبياء، ومن بينهم النبى محمد عليه الصلاة والسلام.. الآن تسمعهم يتحدثون عن الفريق أول عبدالفتاح السيسى وكأنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر، يقول عنه البعض عبدالناصر الجديد، بينما يتغزل آخرون فى ملامحه وشجاعته. وكأن أعينهم لم تر رجلاً غيره قط، تدعوه كاتبة لأن يغمز بعيونه، ويأمر لكى تتحرك مصر، ويدعوه آخر أن يرتبط بمصر بعقد غير محدد المدة. ثم يبتذل شاعر مغمور معنى الشعر والأدب ومعنى شعبية الرجل التى فاز بها عقب موقفه من مظاهرات 30 يونيو ويكتب له قائلاً: «نساؤنا حبلى بنجمك»!! (2) فى نهج البلاغة يقول سيدنا على - رضى الله عنه - احترسوا: من صور الإطراء والمدح، فإن لهما ريحا خبيثة فى القلب، وأياكم والإعجاب وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان، ويقول أيضاً إن كثرة المدح لمن يملكون الجاه والمال والسلطة تدهشهم حتى لتأخذهم العزة بالإثم، لما يدهش المدح فكرهم، ويشوش صوابهم، فيجعل الممدوح يشط فى أفعاله عن الصواب والحق. (3) إذن هل يجوز لنا أن نسأل: لماذا لا يرفض السلطان أو الحاكم أو الشخص، مديح المنافقين، لماذا لا يرفض قصائدهم، ومبالغتهم، ويطلب منهم الخرس عن الموالسة منعاً للفتنة.. فتنة الناس أو فتنة نفسه؟ السؤال أيضاً يتضمن حديثاً حول مسؤولية الممدوح – أياً كان اسمه أو رتبته أو منصبه - عن تمادى المنافقين فى نفاقهم.. باختصار نريد أن نفكر لماذا نكره المنافق ونرفضه، ولا نكره من رضى بالنفاق واستحسنه؟ بصيغة أخرى.. لماذا نقول دوما أن الصمت علامة كبرى من علامات الرضا، ولا نرى صمت الرؤساء وكبار رجال الدولة على من ينافقهم، وعدم ردعهم نوعا من الرضا والاستحسان، يدفعهم لابتذال نفاقهم أكثر وأكثر؟ (4) يقول الشاعر: يهوى الثناء مبرز ومقصر.. حب الثناء طبيعة الإنسان وفى حديث المقداد رضى الله عنه، أن رجلاً جعل يمدح عثمان رضى الله عنه، فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو فى وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا فى وجوههم التراب». وفى فتح البارى لابن حجر شرح أكثر لمعنى «حثوا فى وجوههم التراب»، حيث قال العلماء إن المقصود بذلك أن يعمل الممدوح أو السلطان على أن يجعل المنافق لا يجنى من حصاد مديحه سوى الخيبة والحرمان، بينما قال آخرون إن المقصود هو أن يأخذ السلطان أو الحاكم التراب بيده وينثره فى وجه المنافق، بينما القول الثالث فى شرح الحديث يقول بأنه على السلطان أو الحاكم أو الممدوح، أن يأخذ التراب بين يديه حتى يتذكر أن مصيره إلى التراب فلا يطغى عليه نفاق المنافقين.. وفى موضع آخر نرى طريقة نبوية للرد على المنافقين، حيث سمع النبى عليه الصلاة والسلام من بعض المسلمين ثناء عليه متكلفاً، فقد قيل له: يا سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبدالله، عبدالله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعونى فوق منزلتى التى أنزلنى الله عز وجل». (5) هل أدركت الآن لماذا وضعت لهذا المقال عنوان «صمت السيسى المرفوض»؟، ولماذا أرفض إخلاء مسؤولية الحكام والسلاطين وكبار المسؤولين وتبرئتهم من نفاق المنافقين؟!