الرأي السعودي خشبة مسرح الحياة تكتظ بالقضايا والمشاهد الدرامية، ومقاعد الجمهور تزدحم عن بكرة أبيها، إلا أنهم يفتقدون حضور الممثلين، أولئك الذين يعكسون هواجس الشارع من خلال الفن، ويحلمون بأعمال تترجم حياتهم. فراغ كبير وهوة شاسعة تحول بين المواطن وتجسيد همومه. في السابق كانت المواهب أكثر فطرية، والإمكانات أكثر بساطة، ولكن التأثير أكبر. أما الآن، فيتوجد المتلقي السعودي على أعمال قديمة مثل "خلك معي" و"طاش ما طاش"، والتي كانت تتكلم بلسانه -رغم ملله منها لتشبعه- إلا أنها كانت تشكي سوء الأوضاع عنه، توثق تطورات مراحله الحياتية بمنعطفاتها، تغيراتها، تقلباتها، ونقلاتها من حال إلى حال. الأحوال مستمرة في التغير، في ظل الطفرة الفضائية، والعصف الالكتروني، والتدفق المادي، حيث كان من المنتظر أن يكون التفاعل معها طرديًا بتقديم نتائج مميزة. الواقع مختلف، والأعمال المنتجة لم تستطع ملء فراغ المتعة التي خلفتها تلك الأعمال السابقة، ليصبح دورها حاليًا ثانويًا، لا يكاد يُعرف ليُذكر. وكيف تطمح الأعمال السعودية إلى آدوار البطولة، ما دامت تكسب عوائد مادية "دسمة"، فقط من أدوار "الكومبارس"؟ المسئولية لا تلقى على عاتق وزارة الإعلام فحسب، فالمنتجين شركاء في الفشل الدرامي، إلا أن الوزارة تملك مقومات الصناعة والتحكم بجودة المنتَج، وعليها احترام عقلية المشاهد، ورحمته من سطحية المسلسلات الكوميدية الهزيلة، والبرامج المستهلكة أفكارًا وتطبيقا، لا تشير بمنطقية أبدًا إلى أنها ناتج ميزانية حكومية تصل إلى 60 مليون ريال! المجتمع يعيش على صفيح ساخن على كل الأصعدة، وبحاجة إلى نوافذ يتنفس من خلالها، تشعره بمشاركة الهموم اليومية، وتناقش له أزماته الاقتصادية، وتغوص في أعماق قضاياه، حيث لا ينتظر منها المعالجة بقدر استشعار المسئولية، وعلى أقل تقدير "التنفيس". ثقة المواطن السعودي في الأعمال الفنية المحلية والقائمين عليها أصبحت شبه معدومة. رؤوس الأموال والرعاة خذلته أيضًا. مطالبون هم بعملية تصحيح سريعة، تنتشل الدراما السعودية من قاع الركاكة، بالعمل الجاد عبر ورش فنية تعمل على رصد القضايا ومحاولة طرحها من خلال أعمال توازي قيمة المجتمع وتلبي تطلعاته، بنصوص أكثر احترافية ومواهب حقيقية، يعيدان الثقة في الفن السعودي، الذي انحسر في ذكريات ومحاولات شبابية على اليوتيوب كسبا رضا المتلقي. طابور من القضايا الساخنة في قائمة الانتظار: سكن، توظيف، تعليم، نقل، تيارات فكرية، طاقات مهاجرة وغيرها الكثير. جميعها في انتظار التعاطي معها كمضمون، حيث انتهت موضة "الكركترات" والإضحاك عبر اللهجات والطرح المباشر الساذج. الأمر يحتاج جدية أكبر من صناع الدراما السعودية في القطاعين العام والخاص، فإعادة تدوير المحتوى الفني بتكاليف باهظة ومحتوى رخيص، يكدسه في سلة مهملات الذائقة الفنية. قبل "انتهى": مثلني جيدًا لتمثلني جيدا.