هل تدفع رداءة الأعمال الدرامية التي تعرض على الشاشات العربية كتاب الرواية والقصة، للتحرك باتجاه المبادرة وعرض مقترحات في شأن تطوير المحتوى الدرامي، والارتقاء بشكل إخراجه، انطلاقاً من كون العلاقة بين المحتوى والشكل متشابكة؟ سؤال يتبادر إلى ذهن المتلقي وهو يدافع سيل الأعمال الدرامية الركيكة لغوياً وافتقاده إلى العمق والجدية المطلوبة، لتكون في مستوى تطلع المتلقي، وأيضاً تأخذ بيده إلى فضاء درامي جديد، فما الذي يجعل الروائيين والقاصين بعيدين عن خوض هذه التجربة طالما لا تعوزهم التجربة ولا الخبرة؟ أم أن هناك عوائق تقف حجرة عثرة أمامهم وأمام الأخذ بيد الدراما إلى مناطق مختلفة؟ «الحياة» استطلعت عدداً من الكتاب حول هذه القضية، فتساءل الروائي وعضو مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي عبدالحليم البراك: «ما الفائدة إذا كان المتلقي يترك المادة الدسمة ويتجه لساندويتشات العمل الفني؟ لا جدوى من هذا». وأكد الحاجة إلى «رفع مستوى الوعي الفني لدى المتلقي حتى يطلب مادة درامية راقية، بعدها يتبعه المعلن، لتركض وراءهما الفضائيات وقنوات التلفزيون التجارية والمحلية». وقال البراك إنه: «يوجد كتاب عظماء للدراما، لكن لم ولن يجدوا فرصة في ظل الركض وراء تقليد الأصوات ومحاكاة الأحداث وفلاشات العمل الفني، التي لا هي فن ولا هي تهريج، إنما هي مادة مالئة للزمن في القنوات الفضائية والناس ترغب في هذا الارتفاع لأسفل القاع». وأضاف: «إن أزمة الدراما نشأت من أطراف عدة، أولها المجتمع نفسه الذي لم يعد يبحث عن دراما حقيقة ولا يبحث عن روح الفنان، ولا عن المتعة مع الثقافة، ولكنه يبحث عن الفلاشات السريعة التي تضحكه ولا تُعمل عقله، ولذلك ذهب وراء هذا السيل المجتمعي السطحي وركض وراءه المعلن الذي يريد أن يروج لسلعته، فلا التاجر ولا المتلقي الآن يعني لهم شيئاً نوعية المادة الدرامية طالما الناس تريد ذلك، وهذا هدف المعلن»، لافتاً إلى «تنازل فنانين كبار عن أسلوبهم العميق ودراما الصعود بالمتلقي، إلى تلك النوعية». أما الكاتب والقاص محمد المنقري فيرى أن «رداءة العمل الدرامي في التلفزيون المحلي لها امتداد تاريخي متأصل». وقال: «أظن أن مسؤولي التلفزيون حريصون كثيراً على بقائه وتنميته كل عام، وهي إحدى خصائص التراجع التي توفرت لتلفزيوننا فعجز عن المنافسة بشكل مخجل ومؤسف»، مشيراً إلى أن التلفزيون السعودي «لا يخوض ميدان الإنتاج الذي يتطلب مبالغ عالية وكوادر متخصصة، بل يلجأ إلى الشركات والمؤسسات الصغيرة التي يديرها أنصاف الموهوبين باسم (الإنتاج الفني والتلفزيوني)، وهم لا يمتلكون الخبرة الكافية للتعامل مع إحدى الصناعات الثقافية الخطرة، التي تستند إلى أصول وأعراف وتقاليد وحرفية علمية لا تأتي ب(الصياح) و(المجاملات) و(الطبطبة) وهدر العوائد المالية التي تعتبر جزءاً من المال العام تحت بند دعم الكوادر المحلية». ولفت المنقري إلى أن المشهد الثقافي والمعرفي في البلاد، «لا يتحمل ما يحصل الآن من إساءة للذوق العام ولعب بقيم المجتمع، لأن غياب الفنون الأدائية والدرامية والفنون الجميلة عن مؤسساتنا الأكاديمية والتعليمية والثقافية صنع أجيالاً يمكن الاستهتار بذائقتها، كما صنع موهوبين لا يمتلكون سوى الاجتهاد والتعبير عن مواهبهم الفطرية التي لم يصقلها الدرس المعرفي ولا التدريب الأكاديمي ولا الاحتكاك بالتجارب النظيرة عربياً ودولياً، فقد جفف المتنطعون ميادين الفن في كل الجهات، وها نحن نجني صرم الحدائق المشوهة». وتطرق إلى ما اعتبره «أهم تجربة يمكن الاعتزاز بها في هذا السياق، وهي (طاش ما طاش)، إذ أسهم الوعي الثقافي لدى الثنائي القصبي والسدحان في فتح آفاق العمل، فاشترك معهم عدد من المثقفين والأدباء والإعلاميين في طرح القضايا والمواضيع وصياغة الشكل الدرامي، فكان التنوع والاقتراب الأكثر دقة من هموم المجتمع وتشريحها بإتقان افتقده كثيرون، وعدا هذه التجربة فإن التهريج يحيط بنا من كل الجهات بمباركة من أقسام المصنفات الدرامية في التلفزيون لأنهم - في ما يبدو - لا يمتلكون الخبرة في الحكم على الفساد الدرامي وحماية المستهلك مما يسيء إلى عقله وقلبه معاً». وشبه الروائي علوان السهيمي الدراما الرمضانية بالكنافة «الكذابة»! موضحاً أن هذا الاسم «أطلق على الكنافة التي لم تصنع بالشكل الصحيح، فخرج أولئك الذين لم يصنعوها بالشكل الصحيح بهذا المسمى (كنافة كذابة) ليبرروا فشلهم، كل ذلك يحيلنا إلى حال الدراما الرمضانية المحلية أو الخليجية، فهي دراما (كذابة) وليست حقيقية، لأنها لا تمثل حياتنا بالشكل الصحيح، وليست حقيقية لأنها تعزف على الوتر المادي والربحي كثيراً، لذا هم يطلقون عليها مسمى (دراما) ليبرروا بعض سخافاتهم»، مشيراً إلى أن: «كثيراً من المنتجين الخليجيين أو السعوديين لا يحملون وعياً كافياً ليدركوا من خلاله أهمية الكتابة الدرامية، إنما هم تجار يهمهم في النهاية ماذا سيجنون من وراء هذا المسلسل أو ذاك، وهذا حق مشروع لأي منتج في العالم، لكن المنتجين الخليجيين أو السعوديين بالمجمل لا يؤمنون بإمكان إنتاج عمل مميز، لا من ناحية الفكرة ولا من ناحية النص، وأنهم يستطيعون أن يجنوا من ورائه مبلغاً جيداً من المال». وأكد السهيمي أن الرواية السعودية «تحمل كماً كبيراً من النصوص الجديرة بالإنتاج الدرامي، لكن هناك مشكلتين كبيرتين تواجهان الرواية السعودية في عدم تمثيلها، الأولى: أنها لا تتناسب مع وعي القائمين على الإنتاج في السعودية أو الخليج، إلا بعض الروايات النسائية التي تعزف على وتر العاطفة، ويمكن أن يخرجوا من هذه الروايات بمسلسلات تشبه كثيراً حمى الدراما التركية، الثانية: عدم تقبل المشاهد السعودي لحقيقته على الشاشة، وهذا بسبب المنتجين أنفسهم الذين أفسدوا حقيقته في ما كانوا يعرضون له سابقاً». وقالت الروائية منيرة السبيعي إن الدراما «عمل أدبي، اشتق معناه من اليونانية ويُقصد به مُحاكاة فعل أو حدث إنساني معيّن، وبذلك فهي فن راقٍ لا يهدف لسرد أحداث معينة، بقدر ما يهدف لتقديمها في قالب مميّز يُخرجها من كونها حدثاً عادياً إلى حدث ذي قيمة فنّية تُضيف إليه أبعاداً مختلفة، وإذا لم تعامل بحرفية عالية تحولت إلى مجرد حكايات عادية يستطيع أي إنسان عادي سردها». وأشارت إلى أن المسلسلات الدرامية «لا تمشي على وتيرة واحدة، لنواحي عدة، منها: الرسم المتذبذب للشخصيات، إذ تأخذ الشخصية منحى مفاجئ في جزء معيّن من العمل الدرامي، ويشعر المُشاهد بأنها شخصية أخرى، ولا يُقدَم هذا التغيير في قالب مقنع إنما يكون مفاجئاً مما يشوه صورة الشخصية، ويُفقدها الصدقية كدور متماسك يجذب المتابع بواقعيته. وعلى صعيد آخر نلاحظ أن حبكة العمل ضعيفة أحياناً، ولعل ذلك بسبب حشو العمل بأحداث لا أهمية لها على حساب المُهم، من أجل تطويل العمل ليغطي شهر رمضان بكامله». وأوضحت قائلة: «ربما كانت حساسيتي تجاه هذا الموضوع عالية، كوني روائية ومهتمة بالعناصر الفنية الأساسية للأعمال الأدبية بشكل عام».